التمدد الإيراني في العراق وآثاره على منطقة الخليج العربي

د. ناجي خليفة الدهان

الحلقة (2) 

التمدّد الإيراني في العراق ومنطقة الخليج العربي لم يكن واضحًا قبل عام 1990، رغم أنه قد بدأ في مرحلة مبكرة مع قيام الثورة الإيرانية بل وقبل قيامها، بدعم أمريكي وإسرائيلي، ثم تجلّى ذلك التدخل خلال الحرب ضد العراق وخاصّة بعد كشف ما سمّي ب -إيران جايت- أو -إيران كونترا- إبان رئاسة رونالد ريجان، وكان الهدف هو تدمير العراق ليصبح قاعدة لانطلاق المشروع الإيراني نحو الشام والخليج العربي، حيث شكل العراق عملياً جداراً قوياً في طريق هذا التمدّد الصفوي.

فما هو الدور الإيراني في مساعد أمريكا خلال احتلال العراق؟

وما هو موقع العراق في استراتيجية التمدّد الإيراني في المنطقة؟

وما سبل تحقيق الاستراتيجية الإيرانية في العراق ومن ثم في المنطقة؟

الاستراتيجية الإيرانية في العراق:

لقد لعبت الحكومة الإيرانية دورًا محوريًا في الإعداد لغزو العراق بالتعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة رغم الخلافات المعلنة بينهما بشأن العديد من القضايا الإقليمية والتسليحية والسياسية... غير أن إيران وجدت في الحملة الأمريكية لتغيير نظام الحكم في العراق تحقيقًا لهدف مركزيّ في السياسة الإيرانية، حيث استمرت إيران في دعم أحزابٍ طائفية، كحزب الدعوة في العراق، و حزب الله الحجاز في السعودية، والذي يعمل كذراع إيران في المنطقة الشرقية، وحزب الله في لبنان، بالإضافة إلى إثارة القلاقل الطائفية داخل البحرين، والكويت، وظلّ هذا النشاط محدودًا حتى عام 1990 العام الذي دخل فيه العراق، إلى الكويت.

لقد استغلت الولايات المتحدة نزعة إيران في إثارة البعد الطائفي في العراق لتقويض النظام العراقي، فرفعت مستوى التعاون مع إيران، ثم جاء التدخل العسكري الإيراني عام 1991، لصالح القوات الأمريكية في العراق، في زجّ الألوف من المليشيا المسماة بقوات بدر إلى العراق، والذي أثّر على سلامة الأمن الوطني العراقي تأثيرًا شديدًا وزاد من التوتّر الطائفي، حيث كان العراق جدارًا قويًا في طريق هذا التمدّد، وتُوِجَ هذا التعاون الأمريكي الإيراني بإسقاط النظام السياسي العراقي، وبوضع نظام سياسي جديد مع إضفاء الشرعية على الاحتلال بحكم أنهم عراقيين. فجلب الاحتلال أمريكي نظامًا مواليًا لإيران بشكل كامل فبدأ بتصفية واسعة لكل أركان الدولة العراقية.

وبدأت إيران بتشكيل مليشيا موالية لها كمليشيا الحشد الشعبي، وخلقت زعامات ومرجعيات لتصفية الكفاءة العراقية، عن طريق القتل على الهوية وتدمير المنازل والتهجير القسري عن طريق جيش المهدي، وفيلق بدر، وقوات المغاوير في وزارة الداخلية التي كان يشرف عليها بيان جبر صولاغ.

ودعمت إيران بقوة فكرة تقسيم العراق بحيث يصبح الجنوب العراقي تابعًا لإيران، ثم بدأت الدعوة إلى الانفصال تنتقل إلى مناطق في البحرين، والسعودية...

ومن مظاهر التمدد الإيراني:

  1. الثورة في إيران عام 1979 كانت نقطة تحوّل جديدة في التوجهات الإيرانية نحو دول الجوار بشكل عام ونحو العراق بشكل خاص، من خلال مبدأ تصدير الثورة والتأكيد على فارسية الخليج، وتأجيج مراحل الصراع الإيراني على العراق وكان أشدها في الفترة من 1980-1988.
  2. ظهور ما يسمى بالفضائيات التابعة لإيران والتي تحرّض على الطائفية، والتي لم يكن لها وجود يذكر قبل الاحتلال الأمريكي للعراق والتي تشكّل ظاهرة خطيرة جدًا وخاصة بالنسبة لمنطقة الخليج العربي.
  3. لا ريب أن لإيران مصالح استراتيجية في المنطقة بشكل عام وفي العراق على نحو خاص ضمن مشروعها، باعتبار العراق المنافس التقليدي لإيران في المنطقة وحائط الصد الذي لعب دورًا مهما في التصدي للتغلغل الإيراني في الخليج العربي، وذلك ضمن المشروع الاستراتيجي الايراني.
  4. الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003، أحدث تغيير في المعادلة السياسية الداخلية في العراق والمنطقة العربية، لصالح القوى الموالية لإيران، واتاح لها فتح المجال لتحقيق أجنداتها الخاصة مستعينة ببعض الكتل العراقية الجديدة الموالية لها.

فقامت بتأسيس بعض الأدوات السياسية والعسكرية لتنفيذ أهداف الثورة، والعمل على تصديرها للعراق ولباقي دول الخليج والسعي لقلب أنظمة الحكم وتشكيل أنظمة جديدة تدور في فلك إيران وتدين بالولاء والطاعة لسلطة الولي الفقيه.

ومما لا شك فيه أن الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 وما تبعه من تداعيات، قد أفسح المجال للتوغل الإيراني في العراق وفي المنطقة العربية عامة على نحو غير مسبوق.

يعتبر العراق المنطلق للاستراتيجية الإيرانية الخارجية لأسباب كثيرة أهمها ما يلي:

  1. تصوّر التوجهات الإيرانية بأن العراق، هو جزء من الامتداد التاريخي والجغرافي والمذهبي لإيران، وبالتالي تعتبر العراق إقليمًا إيرانيًا، وليس دولة مستقلة، فقد صريح ابو الحسن بني صدر أول رئيس إيراني بعد الثورة الإيرانية: "بأن العراق عبر التاريخ كان جزءًا من فارس، وأن أثار طاق كسرى مازالت موجودة قرب بغداد حتى الآن". كما صرّح رئيس أركان الجيش الإيراني فيروز آبادي: (بأن الخليج العربي كان دائمًا ملكًا لإيران وأن نفط الخليج يقع في مناطق فارسية).
  2. وتعتبر بأن العراق، بوابة للعبور والسيطرة على باقي دول الخليج ومن ثم بقية العالم العربي، لنشر فكر الثورة الإيرانية، علاوة على أن بقاء العراق بعيدًا عن السيطرة الإيرانية يعني عزل إيران عن أماكن التمدّد والتواجد ا في كلٍّ من سوريا، وجنوب لبنان، ومنطقة الخليج العربي...
  3. أهمية النجف وكربلاء، من الناحية المذهبية وتحويلها إلى قبلة للشيعة ما يسمح لإيران بمزيد من النفوذ لدى اتباعها المنتشرين في بعض الدول المجاورة.
  4. تراهن إيران بصورة مستمرة على أن شيعة العراق هم أكثر ولاءً لإيران، وأكثر تجاوباً مع توجهاتها الإيديولوجية والمصلحية من ولائهم لحكوماتهم الوطنية، وكذلك المراهنة على أن وجود الحوزة الدينية في النجف سيسهل من فرص اندماج حوزة النجف مع حوزة قم، وبالتالي الاستفادة من نفوذها الديني في تصدير فتاوي وقرارات تخدم المصلحة الإيرانية في إحكام السيطرة على الحكومة العراقية.
  5. تصوّر إيران بأن العراق هو الحجر العثرة الأساسي أمام امتداد النفوذ الإيراني نحو الخليج الذي يدين بعض سكانه بالولاء لها، ووضح ذلك جلياً خلال الفترات التي تكون فيها الدولة العراقية قوية اقتصادياً، وعسكرياً.
  6. تحاول إيران تأجيج الطائفية للتوغل في المجتمعات العربية، وترويج أن الخطر السني هو أكثر بكثير من الذي تواجه من الشرق والغرب، وهم الأعداء الحقيقين للمذهب، لتفكيك المجتمعات العربية.

ولتحقيق استراتيجيتها في العراق والخليج العربي، استخدمت عدة أدوات في العراق أهمها احتواء شيعة العراق عن طريق:

  1. احتواء القيادات والتيارات الشيعية المتنافسة: تقوم إيران باحتواء التيارات الشيعية كلها، والتعامل مع كل فصيل لحصد أي نجاح يحققه.
  2. تسلل المخابرات الإيرانية إلى العراق: كانت الأداة الرئيسية لإيران في تنفيذ استراتيجيتها للمخابرات ونتيجة التنسيق الأميركي ـ الإيراني دخلت المخابرات الإيرانية إلى العراق، وأن جهاز مخابرات فيلق القدس الإيراني ومخابرات الحرس الثوري الإيراني يقومان بالدور الأخطر على صعيد أجهزة الاستخبارات داخل العراق، وافتتاح عشرات المكاتب للاستخبارات الإيرانية تحت مسميات مختلفة أبرزها الجمعيات الخيرية، وبرصد ميزانية تتجاوز الاف الملاين من الدولار. وشراء ولاء رجال دين للترويج وتجميل صورة إيران، واستأجرت واشترت أكثر من6000 وحدة سكنية من البيوت والشقق والغرف في مختلف أنحاء العراق، ليسكن فيها رجال الاستخبارات الإيرانية.
  3. تدفق الأفراد والأموال على العراق: قدمت إيران مبالغ كبيرة في بداية التوغل في العراق إلى الأحزاب الموالية لها لترسيخ موقفها واعطائها القوة لإحكام السيطرة، ويشير حجم المساعدات النقدية الإيرانية المدفوعة للأحزاب الموالية والتيارات الأخرى خلال السنوات الأولى من الاحتلال أنها تجاوز سقف 80 مليون دولار، إلى جانب تدريب رجاله، ونتيجة للضوء الأخضر (الأميركي ـ البريطاني) اكتظَّت الأسواق وغرف التجارة العراقية بالتجار الإيرانيين، ومنه تسلَّلت أجهزة المافيات (سرقة ونهب).
  4. 4. السيطرة الإعلامية الايرانية، من خلال الصحف التي تمولها وقنوات البث الفضائي والأرضي؛ فقد قامت بافتتاح عدد كبير من قنوات فضائية تبث باللغة العربية، ووجود 300 إعلاميا إيرانيا بشكل دائم في العراق. للتغطية الإعلامية لتجميل صورة إيران وجمع معلومات استخباراتية.

وترمي إيران من خلال التجسس إلى تهيئة الظروف السياسية باستخدام مجموعات تلبس العباءة العراقية لتحقق أهدافها بالإنابة عبر التنسيق مع سلطات الاحتلال الأمريكية – البريطانية، وأن الهدف الإيراني في دعم العناصر الموالية له في العراق ماليا وسياسيا بل وحتى مخابراتي وعسكريا، لاستقواء تلك العناصر في إحكام السيطرة على الدولة العراقية وجعلها تابعة لإيران من خلال ثلاث أهداف رئيسية:

  1. دعم التيار الشيعي الإيراني في العراق، وإضعاف التيار الشيعي العربي العراقي.
  2. ترسيخ وجود المخابرات الايرانية في العراق مما يضمن ترسيخ الأهداف الإيرانية والتأثير في التطورات السياسية بالتوافق مع تلك الأهداف.
  3. التخلص من العناصر المعارضة للمشروع الإيراني.

كل ما جرى ويجري الآن هو وفق مخطط إسرائيل لتدمير الدولة العراقية وسيادتها وتاريخها ، وتم الاتفاق بين واشنطن وطهران لتنفيذه بزمن سبق الغزو الأمريكي للعراق في 2003، من خلال اجتماع عقد بين السفير الأمريكي السابق في العراق ومحمد جواد ظريف في جنيف، الذي يوضح التنسيق المسبق حصلت أمريكا بموجبه على تعهد إيراني بعدم إطلاق النار على الطائرات الأمريكية، في حال دخلت الأجواء الإيرانية والتعاون قبل الغزو وبعده، وكذلك "أمريكا كانت تأمل أن تسهم إيران بعد ذلك في تشجيع الشيعة العراقيين للمشاركة البناءة في تشكيل الحكومة". (2)

كانت السياسة الأمريكية داعمة لوصول قيادة ذات أفكار دينية وقومية متطرفة تجاه العرب في إيران، ويخدم المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط أكثر من نظام علماني ليس له توجهات عدائية تجاه العرب كنظام الشاه، لإثارة الفوضى الخلاقة في المنطقة ويخدم الأهداف الأمريكية الإيرانية الإسرائيلية لإضعاف الحكومات العربية وابتزازها وإحكام السيطرة عليها.

-المراجع-

 

  1. التمدد الإيراني، مصطلح سياسي ظهر فعلياً إلى حيز الوجود بعد الثورة الإيرانية عام 1979.
  2. التمدد الايراني في العراق https://ar.wikipedia.org/wiki ويكيبيديا
  3. نيويورك تايمز: اتفاق سري أمريكي إيراني سبق غزو العراق، ترجمة منال حميد -الخليج أونلاين https://alkhaleejonline.ne الاثنين، 07-03-2016

وسوم: العدد 965