أثر التجسس الإيراني في احتواء العراق، وتهديد أمن الخليج العربي

د. ناجي خليفه الدهان

الحلقة (3)

شغل المشروع الإيراني، مفكريّ الأمة العربية والإسلامية، منذ وقت مبكر حين صرّح الخميني بعيد انتصار ثورته على الشاه، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لانتصار ثورته عام 1980م فقال: (إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالَم)، وبدأ النظام الإيراني بالفعل نشاطه داخل الدول المجاورة، لإحداث البلبلة وخلق حالة من عدم الاستقرار مستغلا البعد الطائفي لدى الأقليات، فقام بتوظيف المذهب لتحقيق المرامي السياسية المتمثلة بإحياء أمجاد الدولة الصفوية المبنية أساسًا على التفوّق العرقي الفارسي.

وكان العراق البلد الأول الذي تم استهدافه باعتباره البوابة الشرقية للتوغل في الوطن العربي. فقام بتأسيس خلايا سرية مهمتها نخر المجتمعات وتفتيتها، وهذا ما حصل فعلا في العراق، ثم بالكويت، ثم البحرين، ثم بالمنطقة الشرقية في السعودية، ثم في سوريا واليمن. والعمل مستمرٌّ في يقية الدول العربية، وسيتم التركيز على التجسس في العراق لاحتواء السياسيين فيه ليكونوا القاعدة الرئيسة لتمدّد المشروع الصفوي في المنطقة.

ولنطلع على بعض تلك الاساليب:

كيف طوّرت من أساليب التجسس في العراق لاحتواء السياسيين والأحزاب؟

ما هي طرق التجسس التي تتبعها؟

ما الأهداف من هذا التجسس؟

مخططات التجسس الإيراني في العراق لاحتواء الدولة:

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" (1) عن وثائق سرية للمخابرات الإيرانية تبين مدى نفوذ طهران وتأثيرها على الحكومات العراقية، ومن وصفتهم بـ"العملاء العراقيين" الذين يعملون لصالح إيران في الوثائق الواردة في أرشيف برقيات الاستخباراتية الإيرانية السرية التي حصل عليها موقع" The Intercept " ومشاركتها مع صحيفة "نيويورك تايمز" بشأن هذا التقرير الذي تنشره كلتا المؤسستين الإخباريتين في وقت واحد. يكشف التسريب غير المسبوق عن نفوذ طهران الهائل في العراق، حيث يعرض تفاصيل لسنوات من العمل المضني الذي قام به الجواسيس الإيرانيون لاختيار قادة البلاد، ودفع رواتب الوكلاء العراقيين الذين يعملون لصالح الأميركيين لتبديل مواقفهم والتسلل إلى كل جانب من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والدينية في العراق، واستخدمت كلٌّ من إيران والولايات المتحدة العراق كمنطقة انطلاق لألعاب التجسس، وتبين الوثائق كيف أن إيران، في كل منعطف تقريبًا تفوقت على الولايات المتحدة في المنافسة على النفوذ، وقد لعبت المخابرات الإيرانية دورًا فاعلا في العراق من خلال الأحزاب الموالية لها ومن خلال أعضاء الحكومة المنتمين للأحزاب الموالين لها أو الذين هم من أصول إيرانية أو من خلال شبكة العملاء التي تم بناؤها بِعلِم أمريكا بعد الاحتلال وفق توافق المصالح!

كما في الخطوات التالية:

  1. الرشوة: حيث يتم تقديم رشاوي للمسؤولين العراقيين؛ ويشير الأرشيف على تقارير مصاريف من ضباط في الاستخبارات في العراق والقائد كردي كما أشار إليه التقرير لتأمين اصطفافهم إلى جانب المشروع الإيراني في العراق.
  2. حلم التوسع: منذ الغزو الأمريكي على عام 2003، سقط العراق تحت النفوذ الإيراني بالتوافق الامريكي، والذي حول العراق إلى بوابة لإيران للتمدد والتوسع والهيمنة على شواطئ الخليج العربي ثم البحر الأبيض المتوسط.
  3. الاستخبارات: بعد احتلال العراق من قبل قوات الاحتلال الأمريكية، نقلت إيران أفضل ضباطها من كل من وزارة الاستخبارات ومن منظمة الاستخبارات للحرس الثوري إلى العراق تحت سمع أمريكا وبصرها، لقيادة شبكات التجسس من التنظيمات الولائية والمليشيات التابعة لها، وشبكة العملاء لنقل المعلومات  وتفتيت المجتمع ونشر الطائفية والفوضى في العراق. (2)
  4. تعيين السفراء: في العراق ولبنان وسورية، حيث يتمّ تعيين سفراء هذه الدول من الرتب العليا للحرس الثوري، وليس من الدبلوماسيين في وزارة الخارجية، فركزت إيران على تعيين مسؤولين رفيعيّ المستوى في العراق من الحرس الثوري، وفي تصريحات عدّة لمسولين إيرانيين قالوا: " لدينا عددًا كبيرًا من الحلفاء من بين القادة العراقيين".
  5. تعيين الضباط: عينوا ضباطًا لهم من وزارة الاستخبارات الإيرانية ومن الحرس الثوري في العراق بالتوازي مع بعضهم البعض للتنسيق مع مقرهم في طهران، كما قاموا بتجنيد مسؤولين عراقيين من القادة الذين كانوا ينتمون إلى جماعات معارضة تقاتل معهم في العراق أو من الذين باعوا ولاءهم لإيران.
  6. توظيف العملاء الأمريكيين وشراءئهم: بعد انسحاب القوات الأمريكية في عام 2011 ، كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد طردت العديد من عملائها السريين ليصبحوا عاطلين عن العمل فوظّفت الكثير منهم فقدموا خدماتهم لطهران، وشاركوها بكل ما يعرفونه عن عمليات وكالة المخابرات المركزية في العراق، فتحركت إيران بسرعة لإضافة مخبرين سابقين بوكالة الاستخبارات المركزية إلى شبكتها في العراق، وكذلك جندت جواسيس كانوا يعملون في وزارة الخارجية العراقية لصالحها، فهؤلاء وصفهم التقرير بأنهم من العناصر القادرين على تقديم "رؤى استخباراتية حول خطط الحكومة الأمريكية في العراق".
  7. يعترف المسؤولون العراقيون أن الجواسيس الإيرانيين موجودون في كل مكان في الجنوب ووسط العراق بعد عام 2003، وأصبحت المنطقة كخليّة النحل، ومرتعِ لعمل المخابرات الإيرانية. حيث تم تأسيس 36 مؤسسة وهيئة وشركة استخبارية إيرانية تعمل في العراق بطريقة علنية ومكشوفة وبمسميات مختلفة (3).
  8. تزويد المخابرات الإيرانية بكل أنظمة التجسس والمراقبة التي منحتها الولايات المتحدة للعراق، من أنظًمةٍ شديدة الحساسية للتنصت على الهواتف المحمولة، والذي كان يديرها مكتب رئيس الوزراء ومقر المخابرات العسكرية العراقية، حيث قال المتعاونون:" سنضع تحت تصرفكم أي معلومات حول هذا الأمر". وصرح مسؤول أمريكي سابق أن الولايات المتحدة أصبحت على علم بعلاقات ضباط المخابرات العسكرية العراقية مع إيران.
  9. منذ عام 2014 أرسلت مجموعات من الشباب العراقيين عبر الصحاري والمستنقعات الجنوبية بحافلة، متجهين إلى إيران للتدريب العسكري لخدمة عمليات التجسس الإيرانية، وتم ذلك بعلم الأمريكان وأصبح التعاون علنيًا داخل الحكومتين الأمريكية والإيرانية وأنه يتعين عليهما تنسيق جهودهما ضد عدو مشترك.
  10. الوجود الإيراني لم يغب عن مطار بغداد: وقالت "نيويورك تايمز": "إن الوجود الإيراني لم يغب عن مطار بغداد وأن جواسيس إيران في المطار راقبوا الجنود الأميركيين ورحلات التحالف الدولي لمحاربة ما يسمى بتنظيم "داعش". وأشارت إلى أنّ "مسؤولين عراقيّين سياسيين وأمنيين وعسكريين أقاموا علاقات سريّة مع إيران.
  11. الاستحواذ على جيل جديد من السياسيين الذين أصبحوا قادة للعراق بمختلف الوسائل الوديّة والقسرية، والذي سمح لإيران بتوسيع نفوذها، وساعدها في تشكيل قوات الحشد الشعبي التي تضمّ فصائل موالية لها. وجعلها شريكًا تجاريًا للعراق، يستورد منها الكهرباء والغاز الطبيعي لفك الحصار الاقتصادي الأمريكي، بدلا من إعادة إعمار منشآت الطاقة المدمرة، وأصبح العراق ثاني أكبر مستورد بعد تدمير بنيته التحتية.

الهدف المشترك لكلٍّ من أمريكا وبريطانية وإسرائيل وإيران هو تدمير الدولة العراقية في كل جوانبها وتفتيت المجتمع العراقي، من خلال إشعار دول العالم بأن العراق دولة غير مستقرة وفاشلة، والعزف على وتر الطائفية الدينية والقومية، وأن العراقي إرهابي وغير مقبول في العالم لعدم منحهم الفيزا، وعدم تشجيع دول العالم على الاستثمار في العراق، للاستثمار في ثرواته وتحويلة إلى ولاية تابعة لإيران! وهذا التدمير للدولة العراقية يعود بالخطر على كل أركان البيت العربي، وهذا ما نشاهده اليوم، حيث ألحقت ضررًا بالغ في كل الدول العربية.

هيمنة إيران على السياسيين العراقيين:

منذ بدء الحرب على العراق في عام 2003 ، تقدّمت إيران بنفسها كحامية للشيعة في العراق، وقد استخدم قاسم سليماني، أكثر من أي شخص آخر الفنون المظلمة المتمثلة في التجسس والعمل العسكري السري والرشاوي والاغتيالات لضمان بقاء القوّة الإيرانية متصاعدة، ولكن ذلك جاء على حساب الاستقرار، وكانت المذابح التي اُرتكبت خلال الأعوام 2005 و2006 و 2014 دليلًا على الجرائم الطائفية التي ارتكبتها الجماعات، وأن عملية جرف الصخر وغيرها من الأعمال الدموية التي قادها وكلاء إيران وفق توجيهها مما زادت من عزلة السكان وتعالي النبرة الطائفية في العراق، وكانت المليشيات المسلحة الموالية لقوّة القدس الإيرانية هي الفاعلة في المشهد، وتظهر هيمنة إيران على السياسة العراقية بشكل واضح في حلقات مهمة.

وفي خريف عام 2014، وكانت الحرب الأهلية السورية مشتعلة. يقول بيان جبر صولاغ ، وزير النقل الأسبق في أثناء استقبال قاسم سليماني، قائد قوّة القدس، مرحّبًا به في مكتبه، وكان الجنرال سليماني قد طلب إلى صولاغ قائلًا: (إن إيران بحاجة إلى المجال الجوي العراقي لنقل طائرات محمّلة بالأسلحة وغيرها من الإمدادات لدعم النظام السوري في معركته ضد المتمردين "يقصد الثورة السورية " الذين تدعمهم الولايات المتحدة). فأجابه باقر جبر صولاغ قائلًا: "على عيني". وادّعى للإعلام إن الرحلات الجوية من إيران إلى سورية تحمل الإمدادات الإنسانية والحجاج الدينيين المسافرين إلى سورية لزيارة الأماكن المقدسة.

باختصار يمكن أن نعتبر المشروع الأمريكي الإيراني لأنه مشروع تحويل العراق إلى دولة فاشلة!!! وذلك بمحاربة أي إعمار في العراق وعدم إعادة الخدمات الأساسية للشعب وإبقائه متخلفًا، وما محاربة مشروع الربط السكك في ميناء الفاو لصالح إيران إلا دليلًا واضحا في الهيمنة الإيرانية على القرار العراقي.

ورغم تغير المشهد في السنة الأخيرة خلال الاحتجاجات، وجواب ثوار تشرين الواضح لرفض الوجود الإيراني بكل أشكاله، وبالفعل شهدت الأحزاب الإيرانية تراجعًا قويًا وبشكل غير متوقع في جميع أنحاء العراق وبشكل خاص في الجنوب، وشهدت الأحزاب السياسية العراقية المدعومة من إيران إحراق مقارّها الرئيسية، والانتخابات الأخيرة عام 2021 كانت بمثابة الردّ الصاعق على خسارة تلك الأحزاب في الانتخابات.

واليوم تكافح إيران بكل إمكاناتها للحفاظ على هيمنتها في العراق، وتركز كثيرًا على بقاء العراق كدولة تابعة لإيران والتأكّد من بقاء الفصائل السياسية الموالية لطهران في السلطة، وهذه الصورة هي الأكثر إثارة للانتباه في زمن التوترات ( الرواندا) المتصاعدة بين الولايات المتحدة، وإيران، فالمفاوضات النووية الجارية بين إيران والولايات المتحدة بشكل خاص سوف يكون لها تداعيات على العراق ودول الخليج العربي إذا لم يتمّ استثمارها بشكلٍ صحيحٍ من قبل المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون العربي!

المراجع

  1. 1. التقرير الكامل نيويورك تايمز. جواسيس إيران في العراق بعضهم رؤساء حكومات وبرلمانات.

https://pressn.net/article/6923047?news صحيفة الغد / وموقع

https://www.azzaman.com/ الزمان 24

  1. 2. تفاصيل مذهلة / تفاصيل مذهلة عن امبراطورية إيران الاستخبارية في العراق / موقع ثوار تشرين

https://www.facebook.com/groups/752866858550255/posts/1176221536214783/     (تفاصيل كاملة عن شبكات التجسس الإيرانية في العراق بمسميات مختلفة)

  1. مؤسسة مخابرات إيرانية تعمل في العراق، يـشـرف عـلـيـهـا الـحـرس الـثـوري بـمـساعدة الأحزاب الشيعية العراقية.

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1030093  اخبار الخليج

(يتبع)

وسوم: العدد 966