تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق على منطقة الخليج العربي

د. ناجي خليفه الدهان

الحلقة (4) 

إن احتلال العراق كان بداية الكارثة التي حلت في منطقة الخليج العربي، وذلك لأن العراق كان حارسًا لغالبية هذه الدول من المد الإيراني، وكان الدولة الأقوى خصوصًا بعد خروجه منتصراً من الحرب مع إيران، وبالمحصلة فإن ضرب الأقوى لا شك هو رسالة واضحة لجميع الدول الأضعف مفادها أنكم في متناول اليد، بناء على هذا تحالفت أمريكا مع إيران لغزو العراق.

فلقد لعبت الحكومة الإيرانية دورًا محوريًا في الإعداد لغزو العراق من خلال التعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة رغم الخلافات المعلنة بينهما بشأن العديد من القضايا الإقليمية والتسليحية والسياسية ومنها اتهام واشنطن للحكومة الإيرانية بدعم الإرهاب والسعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل والأطماع الإقليمية، غير أن إيران وجدت في الحملة الأمريكية لتغيير نظام الحكم في لعراق، تحقيقًا لهدف مركزي في السياسة الإيرانية، وسنحاول هنا أن ندرس هذه التداعيات بصورة موجزة ولا يمكن لهذا المقال أن يستوعبها.

ماهي تداعيات احتلال العراق على الدول العربية؟

وما هو أثر الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011 على المشروع الإيراني؟

وكيف اخترقت إيران الحياة السياسية لدول الجوار؟

الانسحاب الأمريكي وأثره في زيادة النفوذ الإيراني

أتاح الانسحاب الأمريكي من العراق لإيران القدرة على التحرك بمزيد من الحرية في الداخل العراقي وفي المنطقة العربية، كما تواكب هذا الانسحاب مع المتغيرات الإقليمية المهمة؛ المتمثلة في ثورات الربيع العربي وما أفرزته من تحديات لإيران، واحتمال تهديد مشروعها المسمّى بالهلال الصفوي، وذلك بعد صعود أسهم التيار الإسلامي في كثير من دول المنطقة. ومع تأزم هذا الوضع ووصول الربيع العربي إلى سوريا - العقدة الاساسية لخارطة الطريق نحو تنفيذ الاستراتيجية الإيرانية، تبدلت بعض المعطيات الإيرانية فيما يتعلق بالعراق دون أن يؤثر ذلك علي أهميته في المشروع الإيراني، حيث تضاعفت أهمية العراق بالنسبة لإيران أكثر من ذي قبل، خاصة مع تحول الوضع السوري تدريجياً إلي الثورة الشعبية ضد حكومة أسد، ووصول الاستقطاب الإقليمي لها ورغبة إيران في الحفاظ على المكتسبات التي حققتها في العراق، والاستفادة من الفراغ الذي خلفه الانسحاب من أجل تعديل ميزان القوى داخل العراق لصالح القوي السياسية المتحالفة معها، ومساندة النظام السوري للقضاء على الثورة، والتغلغل في سورية وإحكام السيطرة عليها لإكمال الهلال الصفوي انطلاقا من العراق.

امتلكت إيران بعض الأدوات داخل العراق، وتمكنت من دعم جهودها الرامية لمنع صعود القوميين والبعثيين السابقين إلى مناصب سياسية في الدولة، وأحكمت نفوذها على الحكومة الجديدة، وذلك من خلال الجماعات الخاصة التي شكلتها داخل العراق كميلشيات عسكرية وشبه عسكرية، وظهر النفوذ الإيراني بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية بشكل واضح، وهو ما جعل البعض يرى أن العراق قد وقع تحت الاحتلال الإيراني بعد الانسحاب الأمريكي، وهو فعلا ما حدث ضمن نتائج الاتفاق النووي عام 2015 في إطلاق يد إيران في كل المنطقة، فاستخدمت نفوذها لتقوية الأحزاب الولائية في العراق حتي تضمن ولاءهم، وبعد السيطرة على العراق بدأت تتجه إلي باقي الوطن العربي لتلعب الدور الإقليمي الأكبر في الشرق الأوسط ، وما نشهده من تغلغل الأذرع الإيرانية المسلحة وغير المسلحة في مختلف الدول العربية؛ ابتداءً من العراق، وليس انتهاءً بسورية واليمن، ولغرض استمرار التمدّد فإيران بحاجة في هذه المرحلة إلى ما يلي:

  1. تحقيق تفاهم مع القوة العسكرية الأولي في المنطقة وهي الولايات المتحدة، يتم بموجبه ضمان استمرار اختلال التوازن السياسي والعسكري في العراق لصالح القوى الولائية فيه، وتوسيع حقول النفط الإيرانية الي ما رواء الحدود المشتركة مع العراق، وتقديم تنازلات بخصوص البرنامج النووي الإيراني، مقابل حرية الملاحة في مضيق هرمز، وهذا التفاهم الإيراني الأمريكي سيقع في المدي القريب لأن أهدافهم مشتركة.
  2. حاجة إيران لإجراء حوار أو تفاهم مع الدولة الإقليمية الأكبر بعد العراق وهي السعودية، يقضي بأن تلعب السعودية دورًا في إقناع الدول العربية بأن تخفّف من حدّة عدائها لإيران، خاصة في الموقف من البرنامج النووي.

تداعيات الاحتلال الأمريكي على المنطقة العربية

الاستراتيجية الأمريكية أسست على تحقيق مصالحها في المنطقة باستخدام كافة الوسائل حتى ولو حادت هذه الوسائل عن الشرعية القانونية أو الدولية، وحققت أمريكا معظم أهدافها من غزو العراق ومنها تأكيد سيطرتها على المنطقة. فاحتلال العراق تسبب بتراجع سياسي شبه عام لغالبية دول المنطقة العربية، والذي انعكس على كافة مجالات تلك الدول، وبالتالي صارت هذه الدول تتماشى بشكل أو بآخر مع الإرادة الأمريكية للحفاظ على مصالحها وكياناتها. وبغض النظر عن مصالح دول المنطقة الحليفة.

فحولت العراق إلى دولة رعب تحكمها المليشيات الولائية غير عابئة بالقانون، وتمكنت إيران من قرار بغداد، فأسست دولة المحاصصة الطائفية والقومية، فأصبح رئيس البرلمان "السني" مرشحًا من قبل طهران، وإلا لن يحصل على المنصب، وأصبح على رئيس الوزراء "الشيعي" مواليا لمرشد الثورة ومؤمنا بمبادئه ليجلس على المقعد، ورئيس الجمهورية كردي لدولة عربية، فهو رهين القرار الإيراني من خلال برلمان يسيطر عليه الموالون لها، وبالنتيجة فإن الاحتلال ترك العراق دولة مشوهة طائفية تفتقد العمل المؤسسي ويغيب عنها العدالة، كما تغيب عنها عقولها إما بالهجرة أو بالقتل...

لم تكن آثار غزو العراق محدودة بالنطاق الجغرافي الذي حل به، بل كانت متعدية إلى الأمة العربية كلها، ولم تقرأها دوائر صنع القرار في أمتنا وعلى الأخص الخليج الذي بارك الاحتلال بل دعمه، فإن آثارها باتت أكثر ظهورًا، وأكثر من يعاني منها الآن هو الخليج وكما يلي:

  1. النفوذ الإيراني، أن تنامي النفوذ في العراق لا شك يهدد دول الخليج، ولقد ظن البعض أنه سينهي مخاوفه من جمهورية كبيرة في الجوار هو العراق، لكنهم بيدهم هدموا حائط الصد ضد الأطماع الإيرانية واستحضروا العفريت الذي سيظل يخيفهم، لا بالرسائل السياسية فحسب ولكن على أرض الواقع، بعد أن صرّح نائب رئيس المخابرات الإيرانية السابق بأن طهران أصبحت تسيطر على أربع عواصم عربية، وحديث الإعلام الإيراني بأن الحجاج المسلمين سيأخذون تأشيراتهم للبيت الحرام في مكة، من طهران.
  2. الحكام العرب. آثار الاحتلال طالت الحكام العرب الذين أصبحوا مدينين للأمريكان، وأصبح عليهم دفع الجزية في صورة صفقات سلاح أو استثمارات طوعًا أو كرهًا، وأن التفاف أمريكا على ثورات الربيع العربي واحدا من تداعياتها، فدعمت بأموال بعض الدول انقلابات لا تزال مستمرة تنفيذا لاستراتيجيتها باستخدام كافة الوسائل لتحقيق مصالحها.
  3. الصراع الفلسطيني. ومن أهم التداعيات الاستراتيجية للاحتلال الأمريكي إنهاء الصراع الفلسطيني العربي لصالح المحتل، وسنبقى نلمس تداعيات احتلال العراق على المستوى الاستراتيجي لسنوات طويلة، لأن العراق كان بيضة القبان في الصراع العربي الصهيوني واستقرار المنطقة.
  4. الأحزاب الولائية. زادت إيران دعمها لكل الأحزاب الموالية حيث منحها نفوذا كبيرا في الخليج، وبشكل أكثر وضوحًا في لبنان والعراق وسوريا واليمن والأراضي الفلسطينية، وحركات سرية صغيرة في السعودية والبحرين والكويت، وأصبح لها موطئ قدم سياسي في هذه البلدان مع تعزيز مصالحها الأمنية الإقليمية في الوقت نفسه وتهدد استقرار كل الدول العربية.
  5. إضعاف العراق. إن مشروع إضعاف العراق وتحويله دولة فاشل كان أحد أهم أهداف الاحتلال الأميركي، لخدمة المشروع الإسرائيلي، فسارعت إيران للاصطفاف معها وتقديم كل أشكال التعاون لاحتلال العراق، لالتقاء أهدافها مع أهداف الصهيونيين والأمريكيين، وظهور إيران كدولة قوية يشكل تهديدًا لدول الخليج العربي، مما أتاح المجال لانطلاق مشروع التطبيع الاسرائيلي مع دول الخليج، مبررين ذلك لحماية دولهم من التهديد الإيراني.
  6. إطلاق يد إيران. واحتمال وصول الولايات المتحدة إلى اتفاق مع إيران خلال الفترة القادمة، يتم بموجبه تسوية قضايا الخلاف بين البلدين وعلى رأسها الملف النووي وبعض الملفات الإقليمية، التي تملك فيها إيران وجود وتأثير فاعلاً، والذي يتضمن اعترافا أمريكياً بالنفوذ الإيراني في العراق والمنطقة كما فعلت عام 2015 في عهد اوباما، طالما لا يتعارض مع مصالحها، وهذا سوف ينعكس على الاستقرار السياسي لعموم منطقة الخليج العربي.
  7. الحرب على الإرهاب. إن حرب أمريكا على الإرهاب جاء بالمنفعة الكبيرة لإيران في المنطقة، ومنحت إيران والمليشيات التابعة لها دوراً إقليمياً لا يستهان به، الأمر الذي مهّد لحضور إيرانيّ أكبر في الصراعات الإقليمية التي تكتنف المنطقة عموماً.

مستقبل دول مجلس التعاون مع النفوذ الإيراني

لقد أدى الاحتلال الأمريكي للعراق وما خلفه خلال السنوات 19 من سياسات أضرت في العراق والمنطقة في المحيطين العربي والدولي، مما جعل دول الخليج العربي يساورها القلق من التقارب الأمريكي الإيراني، والذي يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى أسوء كابوس بالنسبة لهم، ترك دول الخليج العربي بين قوتيين نوويتين (إيران، وإسرائيل)، فضلا عن رفع العقوبات وتقوية دور المليشيات في المنطقة، تزامنا مع ضعف الموقف الأمريكي في العراق، وصعود الموقف الإيراني وسيطرتهم على سياسة الحكومة العراقية، وإحياء العلاقة الأمريكية الإيرانية بشكل علني، لأنها لم تنقطع رغم ما يشوبها من تقاطع في المصالح، والتخلي عن دعم دول الخليج الذين تحملوا غضب شعوبهم من جراء الحفاظ على تحالفهم مع أمريكا، وهذا الموقف قد دفع بعض الدول للتطبيع مع الكيان الصهيوني بحجة الحماية من ‘يران، وكان ذلك هو المطلوب ضمن المخطط (الصهيوني الصفوي الأمريكي)، لتحويل إسرائيل إلى دولة مقبولة في المنطقة العربية وإعادة دور إيران كشرطي في المنطقة.

ولمواجهة هذا الظروف التي تحيط بالمنطقة؛ يتطلب ما يلي:

  1. تنسيق سياسة الدفاع الجماعي الخليجي وهو الخيار المهم في الحفاظ على استقرار المنطقة، لا شك أنه خيار مهم ولكن يبقى هناك الواقع السكاني لمجلس التعاون الذي لن تستطيع أحدث توازن حقيقي مع إيران، وان اجمالي سكان مجلس التعاون الخليجي يقترب من سكان لعراق.
  2. وتحقيق التوازن بين مجلس التعاون العربي وإيران، يتطلب انهاء الوجود الإيراني في العراق، والعمل بكل السبل لإعادة العراق إلى حضن الوطن العربي، وإعادة سيادته ودوره القومي، من خلال حكومة وطنية شاملة لكل العراق وإلغاء دستور بريمر الطائفي. إن التسليح الذاتي لمجلس التعاون لا يحدث التوازن بدون العراق، لأن واقع المنطقة الخليج العربي كم يلي:

أ. أصبحت إيران دولة قوية بعد غياب العراق، وهي في الأصل لديها أطماع في العراق والخليج العربي. ودول مجلس التعاون لا تستطيع بمفردها ردعها.

ب. الأنظمة العربية بصورة عامة في حالة ضعف، وبالتالي لن تجد دول مجلس التعاون العربي قوّة عربية تستند عليها، في حال قامت إيران بتحقيق مطامعها في منطقة الخليج.

ج. تمتلك إيران قوّة نائمة في العراق ودول مجلس التعاون الخليج العربي، ولاؤها لإيران ومتعاطفة معها، وتشكل طابورا خامسا تستخدمه إيران كخط دفاعي عنها من خارج الأراضي الإيرانية.

د. يعتمد اقتصاد دول مجلس التعاون على صادرات المنتجات النفطية، وتهديد الملاحة لدول مجلس التعاون سوف يؤثر على اقتصادها فضلا عن تعطيل الاستيراد، وقوتها الملاحية غير كافية مقارنتا في القوة الملاحية الإيرانية.

إن الاعتماد على تواجد القوات الأجنبية وخصوصا القوات الأمريكية لن يحقق الاستقرار للمنطقة ولن يؤمن الحماية لها، ويكفي ما تعرضت له المنشأة النفطية السعودية خلال عام 2021 وناقلات النفط من اعتداءات ايرانية، ماذا فعلت أمريكا وأساطيلها؟ والعدوان الإيراني مستمر ضد الأمة العربية ولن توقفه أمريكا ولا إسرائيل، الذي يوقفها وحدة دول المنطقة وجيوشها، كما أوقف العراق المد الفارس وتصدير الثورة عام 1980، ومشروعها ماض في التدخل طالما أن الأمة مشتتة ومعتمدة على حماية الأجنبي، والقوات الأجنبية لا تغني ولا تسمن من جوع وإنما تقومن بالابتزاز الدائم لسكان المنطقة، وأهداف أعداء الأمة واحدة هي إحكام السيطرة على المنطقة، واستثمار ثرواتها وما يطرح في الإعلام عن صراع أمريكا وإيران وإسرائيل إنما هو تشويه للحقيقة ويكفي أن نقرأ ما قاله الرئيس جورج بوش في علاقات إيران وأمريكا ردا على اسئلة الصحفي، لماذا سلمتم العراق لإيران الفارسية بعد احتلاله مع أنه عربي مما أدى الى هذه الفوضى والمآسي التي لن تنتهي إلا مع خروج إيران منه ومن سوريا ؟ (1)

قال (بوش): إيران قبلت التعاون مع أمريكا وإسرائيل في شأن العراق بينما العرب رفضوا ذلك؟

الصحفي، إيران على خلاف مع إسرائيل؟

بوش: لا. ليست على خلاف إلا بشأن المفاعلات النووية لصناعة القنبلة الذرية كما أننا كأمريكيين على خلاف معها أيضاً في هذا الشأن، رغم تعاونها معنا في كل الأمور، إذ أن الاتفاق المسبق معها كان بحضور إسرائيل قبل احتلال العراق لم يكن يتضمن صناعة القنبلة ...)

كانت إجابة الرئيس بوش واضحة!! ويقتضي ذلك فهم هذه الحقائق وتوحيد الصفوف، وتأجيل الخلافات، وبناء استراتيجية شاملة لمواجهة التحديات المحدقة، التي تتمثل في محاولات غربية إيرانية لتغليب الأقلية في الشرق، من أجل نقض التاريخ، وتفتيت الجغرافيا، وقلب الواقع الديمغرافي للشرق الأوسط.

إن المشروع الصهيون الأمريكي الإيراني يهدف إلى تدمير الدولة العراقية بكامل أركانها وسيادتها وتاريخها، وهذا التدمير يعود بالخطر على كل أركان البيت العربي، وهذا ما نشاهده اليوم، ومتى انطلقت موجة التطرف والإرهاب عندما انطلق مسلسل إضعاف العراق عام 1990، وفق المشروع الإسرائيلي البريطاني، ونفذته الإدارة الأمريكية والتحقت به إيران.

ولكن السؤال الذي يبقى مفتوحا؛ هل تعي هذه الدول العربية خطورة تدمير العراق وإبعاده على المنطقة العربية ؟؟

المراجع

 

  1. في حديث مع جورج بوش لصحيفة الواشنطن بوست في ١٤/٨ /٢٠١٦:

https://www.imlebanon.org/newspaper/georges-bush/

وسوم: العدد 968