قد يكون العرب أكبر الخاسرين في الحرب الروسية _ الأوكرانية

يجب النظر بخطورة إلى ما قاله الباحث السياسي زيدان القناني المتحدث الرسمي ل " منظمة العدل والتنمية لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا " في بيان خاص بالحرب الروسية _ الأوكرانية ، وهو أن هذه الحرب في حال امتدادها إلى دول أوروبية أخرى مترافقةً مع صعود النزعات القومية في هذه الدول ؛ ستدفع ملايين اليهود إلى الهجرة منها إلى إسرائيل  وإلى عدد من الدول العربية باعتبار أن إسرائيل  لن تكفي لاستيعابهم . وقد استقبلت حتى الآن عدة آلاف من يهود أوكرانيا  ، واستعداداتها كاملة لاستقبال من سيصلون إليها منها ومن يهود  روسيا الذين هم أقل تعرضا للخطر من يهود أوكرانيا على الأقل في الوقت الحالي ، لكن ظمأ الدولة التي تأسست على المهاجرين وعاشت على تواردهم إليها لا يرتوي ، وهي تعي خطورة بقائها أقلية غريبة في منطقة تزخر بمئات الملايين من العرب والمسلمين المعادين على المستوى الشعبي لها ، ويترقبون ساعة إزالتها من خريطة المنطقة ، وأخطر من ذلك عجزت عن مجاراة عدد الفلسطينيين في فلسطين ذاتها الذين يزيدون على يهودها بمليوني نفس . الحرب ما زالت في أسبوعها الثالث ، والحروب عادة تزخر بكل صنوف المفاجآت ، ومنها أنها قد تطول أكثر مما قدر لها مشعلوها . هذا مثلا ما حدث في الحرب العالمية الثانية حين حاولت بريطانيا في بدايتها التفاهم مع ألمانيا لوقف غزوها لمزيد من البلدان بعد غزو تشيكوسلوفاكيا الذي بدأ في 1 أكتوبر 1938 بضم إقليم  السوديت ذي الأغلبية الألمانية ، وفشلت في ذلك ، واضطرت إلى دخول الحرب ضدها .وحدث ذات الشيء في حرب النظام السعودي على اليمن حين حسبها ستنتهي في أيام بالنصر المبين ، وسيرا مع حسبانه الوهمي أعلن بعد شهر من بدئها ما سماه إعادة الأمل للشعب اليمني ، والحرب تقترب الآن من ولوج عامها الثامن ، وما من بارقة  أمل في انتهاء قريب لها . وحتى اللحظة تبدو إسرائيل رابحا كبيرا من الحرب الروسية _ الأوكرانية بهجرة آلاف اليهود من أوكرانيا وروسيا إليها ، وبتقديم نفسها وسيطا مثاليا بين الطرفين المتحاربين ، ويلح زيلينسكي اليهودي على وساطتها ، ويدعو بوتين للقائه ، أين ؟! في القدس التي سبق أن اعترف بها عاصمة لإسرائيل . وروسيا  معنية بقوة بالحفاظ على رضا إسرائيل عنها ، ومن مظاهر هذا الاعتناء أنها لم تبطل تنسيقها معها   في سوريا الذي يسمح لها بضرب ما تراه جديرا بالضرب في أراضيها من الأهداف . ومن دواعي هذا الاعتناء أن روسيا فيها 600 ألف يهودي لهم نفوذ هائل في الدولة الروسية ، وكثيرون منهم أرباب صناعة ومال ، وأنها تريد أن تكسب رضا يهود العالم وتعاطفهم معها في حربها وفي مغالبة العقوبات القاسية والمتنوعة التي فرضتها عليها أميركا وأوروبا وبعض دول العالم . وإذا امتدت الحرب إلى دول أوروبية أخرى فستفعل إسرائيل مع يهودها ما فعلته مع يهود أوكرانيا وروسيا . ستشجعهم على الهجرة إليها ، وسيأتون بأموالهم وخبراتهم ، وستستغلهم في تهويد الضفة والقدس ، وستسكن عدة ملايين منهم في أراضي 1948 خاصة الجليل والنقب ، وما فاض منهم ستكون هيأت له السكني في الدول العربية التي طبعت معها علاقاتها والتي ينتظر أن تطبعها معها بمختلف الوسائل والمسوغات ، وكل شيء مدروس مبكرا قبل الأحداث التي تؤدي إليه . إنه خيال سياسي مثل الخيال العلمي الذي تصور أصحابه ظهور مخترعات صارت حقائق بعد تصورهم بسنوات طالت أو قصرت . والأهداف الكبيرة لا تنال في وقت قصير . وإسرائيل بصفتها اليهودية تحلم وتخطط لدولة عظمى مهيمنة في المنطقة ، ولن تتحقق هذه الدولة بمساحتها الحالية وبعدد سكانها القليل . هذه الدولة تحققها مساحة كبيرة يسكنها عدد كبير ، ولا سبيل لهذا الحلم إلا بملايين من المهاجرين اليهود من أوروبا ، وبالاستيلاء على أراض عربية جديدة بالحسنى أو بالسوءى أو بالمزاوجة بين الاثنتين ، كل واحدة في وقتها الملائم المجدي . وستنشط إسرائيل في جلب مهاجرين كثيرين من يهود أوروبا إذا اتسعت الحرب فيها ، وستستفيد منها في هذا الشأن استفادة الحركة الصهيونية من الحرب العالمية الثانية حين بالغت في تصوير ما حل باليهود فيها ، وكأنهم ضحاياها الوحيدون ، وكأنه لم يقتل فيها من الدول المتحاربة 50 مليونا ، منهم 20 مليونا من الاتحاد السوفيتي ، ودفعت مئات الآلاف من يهود أوروبا للهجرة إلى فلسطين تهيئة لإقامة دولتها ، دولة الحركة الصهيونية . واستفادة إسرائيل الكبيرة من الحرب الحالية تغري بالحدس بأن لها يدا سرية في انفجارها عبر بوتين نفسه مقتنعا أو مضطرا ، وترجمت منذ سنوات قليلة مقالا لكاتب أميركي يؤكد فيه برصانة وثقة أن اليهود هم الذين أوصلوا بوتين إلى ما وصل إليه في روسيا من منزلة عليا ، ومن الملاحظات عليه أنه كان دائما حسن الصلات بإسرائيل .  واستفادة  إسرائيل من الحرب الحالية خسارة لشرفاء العرب والمسلمين ، وإذا دفعت ، في حال توسعها في أوروبا ، ملايين اليهود للهجرة إلى المنطقة العربية فستكون هذه نكبة تاريخية عربية وإسلامية كبرى تظهر نكبة فلسطين قياسا إليها شيئا صغيرا وإن حوت المآسي والأهوال للفلسطينيين ولكثيرين من العرب ، وبذلك يكون العرب  خاسرا كبيرا في الحرب الروسية _ الأوكرانية . ترى هل منهم من  يتداركهم من هذه الخسارة الكبيرة ؟! في وضعهم الحالي لا متدارك لهم ، وهذا التدارك المصيري الملح معقود على الشعوب العربية والشعوب الإسلامية في الإتيان بقيادات وطنية تقودها لصنعه ، فلا أمل في القيادات القائمة التي هي من أخلص خدام إسرائيل وأحلامها في بناء دولتها الكبرى التي تحشد فيها أكثرية يهود العالم .

وسوم: العدد 972