حوار السيسي ولاءات سعيّد!

اختار رئيسان عربيّان مناسبة متشابهة، وهي حضور مأدبة، «إفطار الأسرة المصرية»، بالنسبة للرئيس عبد الفتاح السيسي، و«إفطار عائلات شهداء وجرحى الثورة»، بالنسبة للرئيس قيس سعيّد، لإطلاق تصريحات سياسية مثيرة.

دعا السيسي في المأدبة التي جرت الثلاثاء الماضي لإجراء «حوار سياسي لا يستثني أحدا»، مشيرا بشكل قرئ بوضوح إلى جماعة «الإخوان المسلمين» التي تأسست عام 1928، بالقول إلى أن المجتمع خلال التسعين أو المئة عام الماضية تم صبغه «بفكر معين»، مؤكدا أنه «لا يختلف مع هؤلاء»، ويقبل فكرهم «بشرط ألا يفرضه عليّ، ولا يضغط به عليّ»، مؤكدا أن «الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية»، وهي تصريحات تنقلب، عمليا، على «فكر معين» آخر صبغ تاريخ مصر الراهن منذ استلام السيسي للسلطة عام 2014، ويقوم على استثناء أي حوار سياسي «مع كل من تورط بالإرهاب»، وهو تعبير لتوصيف الجماعة المذكورة، التي تعتبرها القوانين المصرية «جماعة إرهابية».

رفع سعيّد، في المقابل، في خطابه الذي جرى في حفل إفطار يوم الأربعاء الماضي «لاءات ثلاث» ضد الحوار مع خصومه السياسيين، قائلا: «لن نتحاور مع من يريد أن يضرب الدولة، ولا حوار إلا مع الصادقين الشرفاء، ولا اعتراف إلا بالوطنيين الذين يؤثرون الوطن على أنفسهم».

شهد حفل الإفطار المصري صدور عدد من القرارات الرئاسية والتكليفات الحكومية بشأن التعامل مع الأزمة الاقتصادية، وبعد يومين من تصريحات السيسي، وفي محاولة لإعطاء تصريحاته السياسية حول الحوار مصداقية، أخلت النيابة العامة المصرية سبيل 41 شخصا، وقال الإعلام الرسمي إن الرئيس أصدر عفوا عن أكثر من ثلاثة آلاف سجين.

في الوقت نفسه، لاحظ كثيرون، أن اتجاه إطلاق السجناء، والحديث عن الحوار، يتناقض مع اعتقال هالة فهمي، وهي إعلامية كانت داعمة للنظام، وصفاء الكوربيجي، وهي صحافية نشرت مقاطع مصورة تنتقد السلطات، وكذلك اعتقال مجموعة هواة قدموا شرائط فيديو تسخر من الغلاء، وتصادف ذلك مع الوفاة الغامضة للباحث الاقتصادي أيمن هدهود، الذي اعتقل على خلفية بحوث حول الفساد في الجيش المصري.

أشارت جهات المعارضة المصرية، مثل أيمن نور، رئيس «اتحاد القوى المصرية»، إلى أنها لم توجه لها دعوات من أي جهة سياسية للحوار المُعلن عنه، ودعت شخصيات منها، مثل جورج إسحق، القيادي في «حركة كفاية» سابقا، لاتخاذ خطوات تنفيذية لترجمة كلام الرئيس، فيما طالبت شخصيات من جماعة الإخوان بعدم وضع شروط مسبقة على الحوار، ووصف أحد قيادييها، محمد عماد صابر، الدعوة بـ«حوار الطرشان»، أو حوار النظام مع نفسه، لأن مؤشرات الواقع لا تدع فرصة لتصديق الدعوة.

بغض النظر عن حيثيّات إطلاقه والأهداف المتوخاة منه، يعتبر انفتاح السيسي، على الحوار مع خصومه السياسيين حدثا مستجدا، وبغض النظر عن جدّية النظام المصري المشكوك فيها، فإن الحديث عن قبول حوار من دون استثناء لطرف، والتصالح مع فكرة وجود أثر كبير للإخوان في المجتمع المصري، والاعتراف بأن الحوار لا يكون مع موالين بل مع خصوم، هي علامات تطوّر أولية مهمة لدى رئيس النظام المصري.

في المقابل، اختار الرئيس التونسيّ استخدام ما عرف بـ«لاءات قمة الخرطوم»، التي أعلنت خلالها الدول العربية عن رفض الحوار مع إسرائيل، أو التصالح معها، أو الاعتراف بها، وهو استخدام سهل ساعدت عليه، على ما يظهر، آلة الدعاية الركيكة التي تدافع عن كل ما يفعله سعيّد، عبر تشبيهه بالقائد المصري الراحل جمال عبد الناصر، منقوصا منه قضية الصراع العربي – الإسرائيلي، عبر تشبيه الحوار مع خصومه السياسيين، الذين هم أبناء بلده، وجزء من النسيج السياسي والاجتماعي لتونس، بالحوار مع إسرائيل، أو التصالح معها والاعتراف بها، وهو تشبيه بائس، ويدلّ على سوء تدبير وتفكّر، يستبدل الحلول العملية للأزمة الاقتصادية والسياسية الكبرى التي أوقع بلاده بها، بمواضيع إنشائية وبلاغة ضعيفة.

وسوم: العدد 979