أما آن لملف الإخوان أن يغلق؟

وجدتني أردد أغنية فريد «والله، والله، والله، والله أنا صبح وليل، أنا صبح وليل، أنا صبح والليل بستناكم»، وذلك بمجرد أن أقسم الجنرال في يوم عيد الفطر المبارك، ليؤكد أنه كان حريصاً على ألا يسقط (في إشارة لحكم الرئيس مرسي)، وأن ما جاء في مسلسل «الاختيار3»، هو الحقيقة!

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يقسم فيها، فهو دائم القسم لتأكيد صحة كلامه، وبطريقة جديدة على الحياة السياسية في مصر، ولهذا حصل على تطمينات من رئيس الوزراء الإثيوبي بعدم المس بحصة مصر من مياه النيل بأن طلب منه أن يردد خلفه القسم، ليتبين أن الرجل لا يعرف اللغة العربية، ليفهم ما يردده، فضلاً عن أنه ليس مسلماً، وكان الأجدر أن يطلب منه أن يقسم بالمسيح الحي!

ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يقسم فيها، فان ما جعلني أتذكر أغنية فريد الأطرش، التي كرر فيها لفظ الجلالة أربع مرات، أن الجنرال في هذه المرة، تفوق على نفسه، بأن كرر لفظ الجلالة بعدد أكبر من المعتاد، مع أنه لم يكن بحاجة إلى ذلك، فدفاعه عن مسلسل الاختيار وصحة ما جاء فيه من وقائع، كان قبل أيام، وقد علقنا على ذلك في هذه الزاوية السبت الماضي، وليس معقولاً أنه في كل لقاء يقسم على صحة الرواية التي تبناها المسلسل، لكنه فعل في يوم العيد، وكان قد خرج من المسجد، للقاء أسر الشهداء في حديقة غناء، وحرص على حضور أبطال هذا المسلسل، لتأكيد نسبته اليه، وأنهم من نقلوا روايته، وكأنهم كانوا في مهمة قتالية، داخل خطوط العدو، وكونه اختص أبطال الاختيار بهذا التكريم، دون أبطال المسلسلات الرمضانية الأخرى، مع أنها من انتاج السلطة، فلأمر مفهوم، ولم يعد سراً.

لقد تحدث الجنرال أكثر من مرة بقوله بتصرف «ما فعلتوه»، فلا نعرف إن كان يقصد أبطال هذا العمل، أم يقصد المصريين جميعاً، ودائماً ما ينسب قراراته وسياساته بل وانقلابه، إلى الشعب، ليس عن تواضع، وانما ليكون شريكاً في الإخفاقات، وذات مرة قال بتصرف أيضاً: هل جئتم بي الى هنا لتعذيبي؟! وقد تجاهل تماماً أن أحداً لم يأت به إلى حيث هو، وأنه صاحب قرار الترشح، وأنه قرر أن تكون الانتخابات محكومة بإجراءاته ليضمن فوزه!

شرعية الإخوان

هذا التأكيد الممل وبصياغات مختلفة، عن أنه لم يتآمر، وأنه لم يخطط لإسقاط الرئيس مرسي، وأنه لم يخنه ولم يشارك في خيانة، يؤكد أن هناك أزمة نفسية يعاني منها الرجل، وقد بدا لي «الاختيار3» مبكراً، أنه عمل للعلاج النفسي، وهو ما قلته وما كتبته، ومن هنا كانت الجرعة المكثفة على تآمر الإخوان على الدولة المصرية، وتهديدهم للوطن وللجيش، وللأمن القومي المصري، ويدهشني الحقيقة، أن يصبح الأمر هاجساً حتى الآن، فهل لا يزال يرى بالفعل أن الإخوان صاروا خطراً على حكمه، بعد كل هذه السنوات من الاعتقال، والهروب، والتنكيل، والمطاردات في الداخل والخارج؟

إن الدعاية كانت تقوم على أن سقوط شرعية الإخوان، هي نتيجة الرفض الشعبي لهم والذي تجلى في مظاهرات 30 يونيو/حزيران، فهل لا يزالون يمثلون خطراً إلى الآن يضطره لأن يجعلهم كلمة في جملة مفيدة، ويستمر تكرار ما جرى كما لو كنا لا نزال إلى الآن نعيش في منتصف سنة 2013؟ وهل هذا راجع إلى القلق النفسي؟ أم الى شعوره بعدم استقرار حكمه؟!

إن مصر في عهد الحكم العسكري، لديها تراث في التعامل مع الصراع على السلطة، لم يبدأ بالصراع بين محمد نجيب وعبد الناصر والضباط الأحرار، وبمجرد انتصار عبد الناصر واتخاذه إجراءات قاسية ضد نجيب، تجاوز الأمر، ثم صار الصراع الأكبر بينه وبين قائد الجيش ورجاله وقادة الأجهزة الأمنية، وبمجرد أن تخلص منهم، وشعوره باستقرار حكمه، تجاوز الأمر أيضاً بعد خطاب أو خطابين، وفي عهد السادات وبعد صراعه مع من سماهم مراكز القوى، وانتهى الأمر الى سجنهم بدا غير مكترث بمتابعة إجراءات محاكمتهم بعد احالتهم لمحكمة استثنائية، وظل الصراع هو ذكرى سنوية يتذكرها الصحافي موسى صبري، باعتبارها المعركة التي دخل فيها بكل ثقله منذ البداية منحازاً للسادات، بينما تردد محمد حسنين هيكل في خوضها!

وفي حالتنا وبعد 9 سنوات، لا يزال الحديث كما هو عن مرسي، والإخوان، والخطر، والخيانة، ويكتمل هذا بمسلسل، ولم يتبن عبد الناصر مسلسلاً ضد نجيب، كما لم يتبن السادات مسلسلاً عن مراكز القوى، لكن الأمر الآن صار كما لو كان حلقة ذكر يقومون ويقعدون ولا حديث لهم سوى الإخوان، يذكروهم قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، وقبل الأكل وبعده، ومع الاحتفالات في يوم مبارك، يستوجب فيه الابتهاج لا اجترار الأحزان!

الطلعة الجوية

ربما كان هناك مبرر لمثل هذا الحديث، لأنه كان قد جد جديد في «الطلعة الجوية» المسماة بمسلسل الاختيار3، والذي يعادل طلعة مبارك الجوية، التي حكمنا بمقتضاها ثلاثين عاماً، لكن كان عليه أن يؤجل الحديث ليوم آخر بعيداً عن احتفال بمناسبة عيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا وعليكم وعلى الأمة الإسلامية باليمن والبركات!

فالجديد بعد حديثه السابق في ما سمي بإفطار الأمة المصرية، وهو هذا المشهد الذي هدد فيه القيادي الإخواني خيرت الشاطر الجنرال نفسه، بأنهم سيحرقون الحرث والنسل، ويستدعون المليشيات من كل صوب وحدب، لتقتل وتدمر، وألا وأن القوم أذاعوا تسريبات لحديث حي لقيادات الإخوان وغيرهم، وألا وقد تبين أن اللقاءات في مبنى وزارة الدفاع مسجلة بالصوت والصورة، فهذا اللقاء هو الأهم، ولا يجوز فيه الركون إلى الأداء التمثيلي!

لقد بدا السيسي كما لو كان سيرد على الذين طالبوا باللقاء حياً، عندما ذكر وجهة نظرهم، لكنه تجاوز هذا الطلب مع كونه منطقياً، وذهب للأيمان المغلظة لتأكيد أن ما جاء في المسلسل هو الرواية الحقيقية وزاد على ذلك بأن قال إن خيرت الشاطر ظل يهدده لمدة (45) دقيقة ويرفع سبابته في وجهه، فأدهشني ما قال!

(45) دقيقة من التهديد المتواصل، يا له من قوي عنيد، ولو غيره استمر كل هذا الوقت مهدداً، لحدث له ارتفاع في ضغط الدم ومات. (45) دقيقة من التهديد المتواصل.. لمن؟ لوزير الدفاع؟ وأين؟ في مكتبه، وخيرت الشاطر نفسه تم القبض على حارسه الخاص يوم الاستفتاء على الدستور، فلم يهش ولم ينش!

وسنسلم بصحة الرواية وكل ما جاء في المسلسل صحيحاً وبدون قسم يذكرنا بفريد الأطرش وصوته المسكون بالشجن، أليس هذا من شأنه أن يمثل دعاية للإخوان، وما يأخذه كثيرون عليهم أنهم كانوا أضعف من احتياجات المرحلة، وهذا الضعف كان سبباً في عزلهم والحكم العسكري العضوض؟!

إنها أزمة عمل، لم يجلس صناعه ليكتبوا منذ البداية الدروس المستفادة منه، حيث سيطر الأداء الارتجالي، وهو سلوك حكم، قال من قبل إنه لا يضيع الوقت في دراسات الجدوى، باعتبارها تتنافي مع الإنجاز الذي يتحلى به العسكريون، فكانت مشروعاته وبالاً، ثم جاء مبتعداً عن الدراسة المتأنية للإجابة على سؤال ما الهدف من الجزء الثالث من مسلسل الاختيار؟!

خيرت الشاطر يهدد وزير دفاع مصر، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، في عقر داره، ولمدة (45) دقيقة، وهو يستخدم بالإضافة لحنجرته سبابته، إنه لأمر مدهش حقاً، ولو كنت أنا لنسفته بصاروخ إسكود عند أول دقيقة ولوفرت على نفسي (44) دقيقة، وأنا أشاهد فيهم الإصبع السبابة يرتفع في وجهي!

أنا حزين يا مصر

وسوم: العدد 980