أعداؤنا يصوغون المصطلحات في المنطقة ويحولونها إلى حقائق ومؤسسات لمصلحتهم

" الشرق الأوسط الجديد " ، " الاتفاقات الإبراهيمية " ، " الصلاة الإبراهيمية " ، " منتدى النقب " ، " إعلان القدس " كلها مصطلحات من صياغة أعدائنا ، وتحديدا إسرائيل وأميركا ، تستهدف تحقيق مصالحهم ، وخراب ديارنا ؛ بالتعبير المأساوي الشهير . شمعون بيريس الإسرائيلي الذي ولي عدة مناصب كبرى في إسرائيل ، وزير دفاع ، ورئيس وزراء ، ووزير خارجية ؛ كان  ملتهب الحماسة للشرق الأوسط الجديد الذي تقوده إسرائيل وتهيمن عليه ، وقال مرة إن مصر قادت المنطقة 40 عاما دون أي نتيجة قيمة ، وإن الوقت حان لتقودها إسرائيل لصنع العجائب لكل شعوبها ، وشاركته كونداليزا رايس وزيرة خارجية أميركا السابقة حماسته للشرق الأوسط الجديد ، وكانت دائما ببغاء تردد العبارات والمصطلحات التي يصوغها الإسرائيليون ترديدا حرفيا حول شئون المنطقة . وطالعنا أعداؤنا ، إسرائيل وأميركا ، ب " الاتفاقات الإبراهيمية " التي طبعت إسرائيل في ظلها علاقاتها مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان ، ومن هذه الاتفاقات تفرعت " الصلاة الإبراهيمية " التي تجمع المسلم واليهودي والمسيحي في صلاة  واحدة ، وهذه بدعة مخيفة ترقى إلى مستوى الردة عن الإسلام الذي يحدد لأتباعه صلاة خاصة بهم وحدهم استنانا بتوجيه الرسول الكريم : " صلوا كما رأيتموني أصلي ! " ، ولا صلاة أخرى سواها للمسلم . وللصهاينة المسيحيين في أميركا ، وبايدن واحد منهم ، دور مؤثر في ابتداع هذه الصلاة المارقة . وفي مارس الماضي اجتمع وزراء خارجية إسرائيل وأميركا ومصر والمغرب والبحرين والإمارات في  قمة النقب التي  صارت منتدى سنويا تضع إسرائيل جدول أعماله على طريق إحلاله محل الجامعة العربية .  وكل شيء يمضي خطوة خطوة ، ولكن في ثبات وإصرار على توسيع نشاط وفاعليات أي مؤسسة تجمع إسرائيل مع طرف عربي أو عدة أطراف عربية ، ولا مجال للفشل أو التراجع ، فكل مؤسسة سبقتها دراسات حتمت قيامها إنجازا لهدف إسرائيلي منفرد أو مشترك مع أميركا . وفي ختام  زيارة بايدن لإسرائيل أصدرت الدولتان  " إعلان القدس " ، ومن قراءة ما فيه نخرج بخلاصة واحدة : هذا إعلان دولة واحدة لا دولتين . ما من إعلان بين دولتين مهما عمقت العلاقة بينهما وتعددت المصالح يمكن أن يكون بهذه التوافقية والحميمية والالتزامية . ومن تصنيفات الأدبيات السياسية العربية المبكرة لإسرائيل أنها الولاية الأميركية الحادية والخمسون ، وهو تصنيف رسخت الرعاية الأميركية المطلقة لإسرائيل منذ قيامها صحته ، وزادت عليه بيان أنها الولاية المفضلة بين تلك الولايات . وسخا بايدن خلال زيارته بالكشف الفاضح عن صهيونيته التي لا تشترط كونه يهوديا ، وهي مقولة قديمة له ، ووصف زيارته بأنها عودة للوطن . ومن يهود إسرائيل نفسها ويهود العالم من يرفض الصهيونية بصفتها حركة استيطانية عنصرية ،  ولأوري أفنيري الكاتب الإسرائيلي الراحل كتاب " إسرائيل بلا صهيونية " . وكل المؤسسات السابقة غايتها واحدة ، هي دمج إسرائيل في المنطقة العربية الإسلامية تمهيدا لهيمنتها عليها بمؤازرة أميركا وحكام الخنوع والاستسلام العرب ومن يلحق بهم من الحكام المسلمين . و" إعلان القدس " يجاهر بأهداف إسرائيلية وأميركية عدوانية هي : الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري النوعي ، والالتزام بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي ، والتزام أميركا بالعمل مع من سماهم الإعلان " الشركاء الآخرين " ، والمقصود بعض الدول العربية ؛ لمواجهة " العدوان الإيراني " ، والأنشطة المزعزعة للاستقرار سواء كانت مدفوعة بشكل مباشر أو من خلال وكلاء و " منظمات إرهابية "، ويذكر حزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي . ونكتفي بذكر تلك الأهداف من جملة أهداف الإعلان الأخرى ، وذكرناها لكونها نذيرا باستنفار العدوانية الأميركية والإسرائيلية في المنطقة . إسرائيل الآن حصلت على ضوء أخضر أميركي مباشر لما قد تقدم عليه من عدوان ضد إيران والمقاومة في لبنان وفلسطين مطمئنة إلى حماية أميركية محتضنة ، وتنتظر مؤازرة من الدول العربية التي بدأت خطوات الائتلاف في الناتو العربي _ الإسرائيلي الذي سيمارس نشاطه ولو دون إعلان رسمي بتشكيله ، فهذا ما تقصده إشارة الإعلان إلى " الشركاء الآخرين " ، وأفاد موقع أكسيوس الأميركي أن دبلوماسيين وضباط تنفيذ قانون واستخبارات من 30 دولة اجتمعوا في أوروبا بين 29 و30 يونيو الفائت لدراسة خطط التعامل مع حزب الله ، ومن بين هذه الدول إسرائيل وأميركا والنظام السعودي والكويت (! )  وقطر والإمارات والبحرين . ما هذا ؟! 30 دولة تجتمع لدراسة كيفية التعامل مع حزب صغير ! كأنه دولة كبرى ! هذا يفضح رعب إسرائيل منه ، وهو آية كبرى على عظمة إنجاز قيادة سماحة الشيخ حسن نصر الله ، ودور كل فرد من أفراد الحزب  في هذا الإنجاز ، وفيه درس لكل من يبتغي العزة الوطنية ، وما أحرى أذلاء العرب باستيعاب هذا الدرس !  ولكن هيهات ! هيهات ! مدمنو الذل لا تنفذ إلى أرواحهم الخابية أشعة حب العزة . أعداؤنا يصوغون المصطلحات في منطقتنا مطمئنين ، ويحولونها إلى مؤسسات لخدمة مصالحهم وخراب ديارنا متآزرين مع بعض بني جلدتنا الذين انفصلوا عنا وانحازوا انحيازا نهائيا كاملا لأولئك الأعداء . وهم والأعداء  خاسرون مندحرون حتما . إسرائيل دائما في عوز لمن يبث في روحها وهج الشجاعة وأنس الاطمئنان إلى البقاء ، وأميركا ، العدواني المتجول ، في شيخوختها مثلما وصفها سماحة الشيخ حسن نصر الله ، وربما استنتج هذا الوصف من تخبطها وعجزها في التصدي للعملية الروسية في أوكرانيا ، وأمتنا لن تطيل البقاء في شرنقة الذل الذي يريده لها الأعداء الغرباء والأعداء القرباء . هذه الأمة يجسد حقيقتها الصافية الخالدة قول أبي راشد الذي يبيع قطع غيار السيارات  في الرياض : "الإسرائيليون محتلون ، ومن المستحيل بالنسبة لي أن أذهب إلى إسرائيل يوما ما.  أنا لا أحبهم . " ، وكلنا نحبك يا أبا راشد ؛ لأنك لا تحبهم.

وسوم: العدد 989