أسوأ أنواع استخفاف الأنظمة المستبدة بشعوبها قلب معادلة الأغلبية والأقلية ( النظام التونسي نموذجا )

لقد نقل لنا الإعلام الدولي يوم أمس  من تونس مسرحية  من أشد المسرحيات هزلا ، ويتعلق الأمر بإجراء الرئيس المستبد بالسلطة بعد الوصول إليها عبر  انتخابات كانت الأولى ديمقراطيا في البلاد عملية تصويت على دستور مفبرك من أجل العودة بتونس إلى سنوات الاستبداد التي بدأت مع أول رئيس بعد استقلال البلاد عن الاحتلال الفرنسي ثم استمرت مع الذي خلفه حين أعجزته الشيخوخة والمرض والخرف عن مواصلة استبداده ، وكان ذلك الخلف مستبدا هو الآخر إن لم نقل أشد استبدادا من سلفه إلى يوم  فر بجلده بعد ثورة الربيع التونسي التي علقت عليها آمال عريضة لتكون بداية عصر الديمقراطية الحقيقية في كل ربوع العالم العربي إلا أن حظه كان في منتهى السوء حيث انبرت قوى خارجية وأخرى إقليمية فاسدة مفسدة ، فأجهضت كل ثورات الربيع العربي بأساليب  في منهى الخبث والمكر .

ولقد كان انتخاب عنصر من عناصر النظام المنهار  في تونس خلال  فترة ما بعد ثورة الربيع مؤشرا على أن الاستبداد لم يستأصل من جذوره ، وهو ما يعني احتمال عودته كعودة السرطان الخبيث الذي يعود أشرس مما يكون عليه أول الأمر .

ولم يخطر على بال الشعب التونسي أن الرئيس الذي اختاره ديمقراطيا إنما كان مستبدا في جبة ديمقراطي  ،وقد ظل يكتم استبداده حتى أذن له من طرف القوى الخارجية وقوى الشر الإقليمية بإعلانه ، فعمد إلى البرلمان المنتخب ديمقراطيا فعطله ثم حله بعد ذلك ، وعمد إلى القضاء ،فخون عناصر منه ، وعمد إلى كل من عارضه فاتهمه وأدانه أيضا ، وعمد إلى الدستور الذي صوت عليه الشعب فعطله ، وعرض مكانه دستورا مكرسا للديكتاتورية  وقد جعله على مقاس استبداده بعدما جمع كل السلط في يده وأحكم قبضته عليها ، وأعد لحزب النهضة ذي المرجعية الإسلامية مؤامرة محبوكة ليعيده  من جديد إلى الوضع الذي كان عليه خلال فترات الاستبداد السابقة .

ويوم أمس عرض الرئيس المستبد مشروع استبداده   المطبوخ للاستفتاء  وقد رفضه ما يزيد عن ثلاثة أرباع الشعب ممثلا في أحزاب سياسية ، ونقابات عمالية ، وجمعيات مجتمعية ، وهيئآت حقوقية ،وقضائية ، وإعلامية ...

وبكل استخفاف بالشعب التونسي بل بأسوأ استخفاف على الإطلاق، زعم  المستبد أن الأقلية وهي  ما يقل عن ربع من صوتوا قد أخذت مكان الأغلبية مع أن هذا التصويت كان موضع اتهام صارخ ، وقد منع الإعلام من متابعة إجراءاته ، وكواليسه ، وهكذا انقلبت الموازين بمنطق الاستبداد ، فصارت  كفة الأقلية في مسرحية تصويت ساخرة راجحة  على  كفة الأغلبية المقاطعة لها ، فهل يوجد استخفاف بالشعب التونسي أسوأ من هذا  وهو أيضا  استخفاف بالرأي العام الدولي ؟ وهل توجد مهزلة من مهازل التصويت مثل هذه ؟

إن الاستبداد الذي يضرب عرض الحائط كل القوانين والأعراف ، وكل الأخلاقيات لا ينتظر منه سوى مثل هذه المسرحية الهزلية ، وعليه ينطبق المثل المغربي الشعبي  القائل : " الذئب هو الذئب ، وإن طبخ بزبدة وزبيب " .

وأخيرا نقول للأوصياء على الديمقراطية في البلاد الغربية إلى متى ستسكتون على الاستبداد في وطننا العربي ؟، وتتعاملون مع الأنظمة الديكتاتورية  فيه  وكأنها أنظمة ديمقراطية ؟ ألا يجدر بكم أن تكفوا عن ادعاء الوصاية على الديمقراطية في العالم  ؟ إن التاريخ سيسجل أنكم أنتم من كرستم الاستبداد في وطننا العربي للحيلولة دون تمتعنا بحقنا في حياة كريمة كشعوبكم ، وذلك بسكوتكم عليه، وبتأييدكم له ، وبتعاملكم مع الحكام المستبدين حرصا على مصالحكم ، وضربا لكل القيم الأخلاقية والإنسانية عرض الحائط ، وسيظل ما سيسجله التاريخ وصمة عار على جبين حضارتكم التي تدعون أنها قاطرة الحضارات الإنسانية .

وسوم: العدد 990