مغالطات إسرائيلية نمطية باطلة

كثيرة هي المغالطات الإسرائيلية النمطية الباطلة حول الصراع مع الفلسطينيين تخصيصا ومع العرب والمسلمين تعميما . ومن هذه المغالطات أن الفلسطينيين مواطنون من الدول العربية جاؤوا إلى فلسطين التي يسميها الإسرائيليون "أرض إسرائيل " قبل قيام دولتهم للعمل في المستوطنات الإسرائيلية ، وأنهم ، الإسرائيليين ، تكرموا على هؤلاء العرب ، وتركوهم في بلادهم فتكاثروا ، وبعد قيام إسرائيل انقلبوا إلى أعداء . وعندما سمع بعض الإسرائيليين المهاجرين حديثا هذا الباطل في الانتفاضة الأولى تساءلوا مستنكرين : " أهكذا رد الجميل ؟! " . وفي جو الصدمة من تلك الانتفاضة شذ بعض الإسرائيليين شذوذا غريبا يائسا ، فزعموا أن الفلسطينيين أحفاد يهود قدامى أرغمهم العرب على الإسلام ! ويستعين الإسرائيليون في مغالطتهم في نفي انتماء الفلسطينيين إلى  هذه الأرض الكنعانية العربية الإسلامية بوسيلة  لا تنبعث إلا من عقلية سخيفة ؛هي أسماء العائلات الفلسطينية ، فعائلة " المصري " مصرية الأصل ، و " المغربي " مغربية الأصل ، وهكذا ، بل انحطوا إلى الاستدلال على صحة نفيهم باسم " الشامي " ! وفلسطين جزء من بلاد الشام . وأكتب هذه السطور بعد قراءة هذيان عضو الكنيست من " الصهيونية المتدينة " ووزير المواصلات السابق في حكومة نتنياهو بتسلئيل سموتريتش الذي نفى انتماء الفلسطينيين إلى هذه البلاد ، بلادهم ، مستعينا باسم العائلات في نفيه ومتابعا لهذه النمطية الإسرائيلية الصارخة الدلالة على الضحالة واليأس والغباء ، وغاص عميقا في هذه الصفات ، الضحالة واليأس والغباء ، مضيفا إليها الجهل ،  فقال إن الفلسطينيين قدموا إلى هذه البلاد بعد قيام إسرائيل في 1948 في حركة عداء عربي  للصهيونية ! ربما يقصد  المعتوه الغر  جيوش الدول العربية التي شاركت في حرب 1948 ! وكل هذا الهذيان يصدر عن شخص ألماني هاجر إلى بلادنا ، ويخير الفلسطينيين  واحدا من  ثلاثة خيارات ينسبها إلى النبي يوشع بن نون حين دخل بالإسرائيليين أرض كنعان بعد موت موسى : إما الاستسلام أو الخروج من هذه الأرض أو القتال ، ويرفض رفضا نهائيا لا نقاش فيه أي تقرير مصير سياسي فيها   لغير اليهود .   

ولنرد على الإسرائيليين بنفس أسلوبهم ، أسلوب دلالة الأسماء على أصل الأشخاص . أسماء كثيرين منهم ليست عبرية ، ولم يخلصهم من أجنبيتها المتعددة تعدد البلاد التي هاجروا منها ؛ اجتهاد كثيرين منهم لعبرنتها . ونأتي إلى أسماء العائلات الفلسطينية الدالة على بلدان عربية . البلاد العربية كلها وطن واحد ، بل البلاد الإسلامية كلها وطن  واحد ، واسمها التاريخي " ديار الإسلام " ، واسمها الرمزي " دار السلام " ، وهذه الوحدة مصدرها وموجهها القول الرباني في القرآن الكريم : " إنما المؤمنون إخوة ."  ( سورة الحجرات . الآية 10 ) ، والتقسيمات  الحالية للبلاد العربية والإسلامية تقسيمات سياسية وإدارية ، أما الشعوب فهي أمة واحدة ، وهذا ، مرة أخرى ، يؤكده القول الرباني في القرآن الكريم : " وإن هذه أمتكم أمة واحدة ." ( سورة المؤمنون . الآية 52 ) ، ولو فتحت الأبواب لأبناء هذه الأمة لتحرير فلسطين لعلم الإسرائيليون علما صاعقا ماحقا لكيانهم الصغير البائس أي عدو يواجهون بخرافاتهم ومغالطاتهم السخيفة الساذجة ، ولكون البلاد العربية والبلاد الإسلامية أمة واحدة بمقتضى توجيه الشرع الرباني ؛ من البدهي أن يهاجر إلى فلسطين بعض أبناء هذه الأمة ، مثلما أنه من البدهي أن يهاجر بعض الفلسطينيين إلى تلك البلدان . وهذه ظاهرة كونية تواصلت على مدى التاريخ البشري بين البلدان المتجاورة كثيرا ، وبين البلدان المتباعدة قليلا ، ونقلت في تواصلها الثقافات واللغات والديانات والخبرات ، وخلقت الحضارات ، ومن الضحالة وسوء القصد وسفه العقل أن نعدها وسيلة لتحديد انتماءات البشر الأصلية تمهيدا لنفي شرعية وجودهم في أي موطن يعيشون فيه مثلما يفعل كثير من الإسرائيليين ، ونقول " كثير " لا ( كل ) حتى لا ننكر حسن نية بعض الإسرائيليين المعارضين لهذه المغالطات ، ومنهم الكاتبة عميرة هاس التي  جهرت منذ أيام في مقال لها في " هآرتس " بأن الفلسطينيين أصليون في هذه البلاد ، وليسوا جيرانا للإسرائيليين في بلد آخر قريب . المغالاة في المواقف تعري ضعف المغالين ، وقيل : " إذا رأيت اثنين يتشاجران فاعلم أن أشدهما باطلا أعلاهما صوتا ! " ، وهذه حقيقة مغالطات الإسرائيليين المغالى فيها في صراعهم مع الفلسطينيين ، وهي لن تنقذهم من مصيرهم المنجرف نحو الزوال من بلاد اغتصبوها دون حق شرعي لهم فيها ، لا تاريخي ، ولا حالي ، وحتما لا مستقبلي ، والصراخ دائما يشهد على ضراوة الألم  .  

                                  *** 

يوماً ، خرج موشيه ديان  وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق ، واسمه بالعبرية يعني ( القاضي موسى ) ؛ في صباه من مستوطنة دجانيا راكبا  حصانا انقض به على قطيع غنم لراعٍ فلسطيني ، فشردت الغنم متناثرة  ، وبعضها لاذ بالراعي الذي حنق حنقا عاصفا ، وتحمس ديان وتجسَر ، فاقترب من الغنم اللائذة بالراعي ، فانقض عليه هذا ، وشده من رجله فأسقطه ، وضربه بعصاه  ضرب حانق منتقم . 

وسوم: العدد 999