شعب للذبح!

سخريات القدر قادتنا في هذا العالم المجنون إلى أن نرى البعض ممن يتربعون على عرش الحكم في دولة الاحتلال الأطول في التاريخ المعاصر، ومن هم مقبلون عليه، يوزعون أوامر قتل ودمار الفلسطينيين على مزاجهم، ليكافئهم البعض المجنون في هذا العالم بالتغني بهم، دونما أدنى مراعاة للمواثيق والقرارات الدولية على اختلافها، بما فيها تلك التي صوت لصالحها من يشبعون الاحتلال مدحاً وإطراءً.

فالاحتلال الإسرائيلي إنما يضع شعباً بأكمله في دائرة الذبح والبطش والتنكيل والتعذيب والانتقام، على مرأى ومسمع العالم، في وقتٍ لا يسمح لغيره بأن يمارس ربع ذلك الدور، بل يذهب البعض إلى مدح ذلك الاحتلال بأنه الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فيعلن الاحتلال المذكور متسلحاً بهوان الكثيرين، حرباً ضروساً على جيرانه ليقابله البعض بالادعاء بأن من حقه الدفاع عن نفسه.

والحرب الضروس ليست كما بقية الحروب، فالاحتلال اليوم وغداً مع حكومته المتطرفة، ينبش القبور انتقاماً من الموتى، وعبر سياسة محو الإرث والأثر، ويحتجز الجثامين، ويصدر قرارات بالقتل المباشر خارج القانون، ومن دون محاكمة في ما عرف بمفهوم القتل بدم بارد، ويسعى جهاراً نهاراً لإقرار قوانين تسمح بقتل الأسرى، وقتل مكتسبات شعب بأكمله عبر حل نواة دولته وقتل جغرافيا تلك الدولة، بمصادرة الأرض وضمها وتوسيع المستوطنات، إضافة إلى التصريح علانية بمنع تمدد الديمغرافيا العربية على أرضها الطبيعية والتاريخية.

كل هذا الكم من العنصرية يحدث على مرأى العالم ومسمعه، في وقتٍ ما زال البعض يطبّع ويطبّل ويشعل الأنوار ويقيم الاحتفالات وينظم الاستقبالات وطقوس الزفاف، ويستقبل أوراق اعتمادٍ هنا وهناك، احتفالاً بالمعتدين وأبنائهم، وكأن العالم لم يكتف بخمسة وسبعين عاماً من القتل والتشريد والحرمان، وكأن شعوب العالم لم تقل كلمتها في عدة مناسبات، التي كان آخرها في كأس العالم، وكأن أصوات البشرية لا قيمة لها. المفارقة في الأمر هو غياب الوجل والتردد في الحديث عن القوانين العنصرية، والإجراءات التدميرية والإعدام والإبعاد والانتقام والقتل، التي تكثف الحديث عنها مع حكومة التطرف المقبلة. فيتسابق البعض الإسرائيلي في التفنن في عنصريته، مرتاحاً مطمئناً لثبات العالم واستسلامه وانبطاحه أمام رغبات المحتل ونزواته ولوبياته ومؤازريه. ولو أن عتاة أبناء العم كما يصفهم الفلسطينيون قد تفكروا في دروس التاريخ ومآلات الظلم ومصير الاحتلالات، لتعّقلوا وضغطوا باتجاه وقف الظلم وتحقيق العدالة، ليس فقط إذعاناً للمواثيق الدولية وإرادات الشعوب فحسب، بل أيضاً تحسباً لدوران عجلة الزمن وتغيّر الموازين وتبّدل الحال تماماً كما جرى في حقب التاريخ على اختلافها.

تسابق الساسة في إسرائيل للتفنن بالقتل، لن يقابله الفلسطينيون بالزهور وإنما سيعزز قانون نيوتن الثالث، بأن تقابل القوة بقوة مماثلة لها في القيمة ومعاكسة في الاتجاه، عندها لن تنفع الحسرة ولا التحسر.

المضحك المبكي هو في تسابق الصهاينة من حلفاء اليوم المقبلين على الحكم في التفنن في الحديث عن جرائمهم المنشودة، فيتسابقون في سن سيوفهم وتلميع بنادقهم، وكأن الفلسطيني ليس من فئة البشر، فيتقاسمون الأدوار في الحديث عن الذبح والبطش، معلنين أننا كفلسطينيين إنما بتنا شعباً جاهزاً للذبح والنحر والقتل والتقتيل، أمام صمت الإخوة واستشراس العنصرية والتطرف. هنا لا بد من التذكير بما ورد في صورة المائدة: «قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين»… ننتظر ونرى!

وسوم: العدد 1012