النصر لنا والهزيمة لعدونا

دائما ضحيتهم الفلسطينية إرهابية ، وهم أبرياء يقاومون إرهابها ، ودائما يفرون للأمام من مواجهة الحقائق التي تزعجهم في صراعهم مع هذه الضحية ، ودائما يلوذون بالقوة في هذا الصراع . ذلكم هم الإسرائيليون  الذين لم يستخلصوا بعد 75 عاما من ولادة دولتهم اغتصابا  في وطن الفلسطينيين أي درس يهديهم سبيل الحكمة والرشاد ، فتابعوا عنادهم في حروب دامية لإقصاء الفلسطينيين من هذا الوطن ، وفي آخر زمن هذه المتابعة اختاروا عتاة المتطرفين دينيا لإنجاز هذا الإقصاء ، فتولى بن غفير حقيبة الأمن القومي ، وقدم نفسه وريثا لمائير كاهانا زعيم حركة كاخ الدينية اليمينية ، وسار على دربه في العمل لإقصاء الفلسطينيين . كان كاهانا يعرض  على الفلسطينيين توفير حافلات مجانية لمغادرة وطنهم ، ويحثهم على اغتنام سانحة عرضه " السخي " السخيف ، وينذرهم بأن من لا يغتنمها سيأتيه وقت يقبل فيه حذاءه ليوافق له على المغادرة حيا . وصحا بعض الإسرائيليين   على مفاجأة أن شر بن غفير وقرينه  سموتريتش والحكومة التي يأتلفان فيها بدأ بهم لا بالفلسطينيين ، وأسوأ ما في هذه البداية السعي لإضعاف النظام القضائي بإخضاعه للسلطة التنفيذية ، فخرجوا في مظاهرات بقيادة اليساريين والوسطيين حماية لهذا النظام ، وباتت المظاهرات أسبوعية  كل سبت . وبعد عملية الشهيد خيري علقم في مستوطنة النبي يعقوب في القدس الشرقية التي قتل فيها 7 مستوطنين ؛ ثاروا في وجه بن غفير  متهمين له بأن بياناته النارية هي سبب العمليات الفلسطينية ، وأنه على كلٍ لا يعمل شيئا لمواجهتها ، فرد عليهم بسذاجة " إنه الإرهاب " وهاجمه يائير لبيد زعيم المعارضة ، وحمله المسئولية عن عملية القدس ، وأردف : " هذا الرجل لا يعرف كيف يفعل أي شيء . يعيش في تطبيق تيك توك ، ويبحث عن شخص ليلقي عليه المسئولية . " ، وحذر قبل ذلك من أن أقواله تجلب للإسرائيليين عداوة نصف العالم إلا أن حكومة التطرف بالطبع لن تخرج عن إرث إسرائيل في العنف والإجرام والقتل والعمل لإقصاء  الفلسطينيين من وطنهم ، واعتبار مقاومتهم إرهابا يستحقون عليه أقسى العقوبات لتكون نذيرا لمن يفكر منهم في مقاومتها . وبعد عملية خيري علقم قرر مجلس الوزراء الأمني المصغر إلغاء الضمان الاجتماعي لأسر منفذي العمليات ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية في الداخل الفلسطيني ، وممن يحملون بطاقة صفة مقيم  في القدس الشرقية، وفي المجال الأمني قرر تعزيز المستوطنات كأنما كانت منقوصة التعزيز . ولم يباغتنا استنكاره لابتهاج الفلسطينيين  بعملية خيري علقم . الاستنكار طبيعي منتظر منه . للإسرائيليين أن يقتلوا الفلسطينيين ، وليس للفلسطينيين أن يثأروا لشهدائهم ودمائهم وأحزانهم . غباء أكبر من عنصري ، وقبح روح مرضي يستدعيان ظهور فرع جديد في علم النفس يسمى " علم نفس الإسرائيليين " . وفي موقع " ميدل إيست آي " البريطاني كتب ديفيد هيرست إن بن غفير نزع " الشرعية " عن إسرائيل ، واستنتج من الأحداث التي تلت تشكيل حكومتها الحالية أن شرخا كبيرا لا وسيلة لإخفائه أصاب المشروع الصهيوني ؛ جسده الخلاف بين التيار الديني المتشدد والتيار الصهيوني الذي ساد إسرائيل من قبل ، وقارن  في مقاله بين ما حدث للاستعمار الفرنسي في الجزائر وما يحدث الآن  للمشروع الصهيوني في فلسطين . هناك تخلى الشعب الفرنسي عن المستوطنين الفرنسيين في الجزائر بعد أن نقلوا عنفهم بقيادة الجيش السري إلى فرنسا ذاتها في معارضتهم للانسحاب من الجزائر تحت تأثير المقاومة الجزائرية المسلحة ، وانتهىت الأحداث بتحرير الجزائر ،  ويرى أن هذا ما سيحدث في فلسطين ، وأن الأمر هنا محكوم بنظرية " كسب المعركة وخسارة الحرب " ، أي كسب  الجزء وخسارة الكل . إسرائيل تتفوق على الفلسطينيين في السلاح مثلما يقول عسكريوها بنسبة ألف إلى واحد ، وهو قول صحيح إلا أن الحرب بين الطرفين متعددة الحقائق والوسائل والميادين ، ولا يحكمها السلاح العسكري وحده . ومن حقائق هذه الحرب أن فلسطين وطن الفلسطينيين العرب مسلمين ومسيحيين ، وأن الإسرائيليين فيها غزاة غرباء مستوطنون يواصلون سرقتها بقوة السلاح العسكري ، ومناصرة الغرب الاستعماري لهم بقيادة أميركا ، وتخلي كثرة الحكام العرب عن نصرة الشعب الفلسطيني لتبعيتهم لهذا الغرب . ويعزز ملكية الفلسطينيين لوطنهم وجود 8 ملايين منهم على ترابه  ، وفي الشتات القريب والبعيد ما يقارب هذا العدد  ، وفي قلب كل واحد منهم خريطة لفلسطين ، وكل واحد  يؤمن بتحريرها إيمان يعقوب _ عليه السلام _ برؤية يوسف _ عليه السلام _ حيا . وما رأيت فلسطينيا ، كبيرا أو صغيرا ، ومن كل المستويات ، إلا متيقنا  أن هذا التحرير آتٍ إتيانا محتما لا مجادلة  فيه  ، ويتمنى أن يكون حيا  وقت إتيانه . وفي هذا المساق يختم ديفيد هيرست مقاله ناصحا الإسرائيليين : " يجب أن يفكروا في الترتيب لمستقبل يتعاملون فيه مع الفلسطينيين سوية لحل النزاع حول الأرض والمواطنة ، لا لصراع حول الدين ، والوقت ليس لصالحهم . ". 

وسوم: العدد 1017