الرّوحُ المعنويةُ ودَوْرُ القِيَم الإيمانية في الإنجاز الـمُثمِر (3)

مَــدخَـــل الحلقة (3)

انتهينا في الحلقة السابقة (2) إلى النتيجة الآتية:

إنّ الإيمان والقِيَمُ الإيمانية في الإسلام، تُحدِّد الصفات الخُلُقية للإنسان المسلم كما أرادها اللّه عزّ وجلّ، التي بدورها، تُبقيه باستمرار، مُتَمَتِّعَاً بروحٍ معنويةٍ عالية، وهذه الرّوح المعنوية هي الشرط الذي لابدّ منه لتحقيق الإنجازات، صغيرةً كانت أم كبيرة، والإنجازات عادةً تُقوّي درجة الإيمان عند الإنسان، وتزيده ثقةً بإيمانه. وهكذا، تكتمل دورة: (الإيمان والإنجاز)، كما هو موضّح بالشكل الآتي:

Sdgsgsfcccc1033.jpg

*     *     *

ولنبرهن على ما نقول، سنمرّ إن شاء الله، على نماذج من الصفات الخُلُقية الإسلامية، التي لابدّ للإنسان المؤمن أن يتحلّى بها، ولندرس تأثيرها المحورريّ في تحقيق الإنجازات. فنذكر منها ما يأتي:

أ-الأمانة:

خُلُقٌ إسلاميٌّ عظيم، وثمرة من ثمرات الإيمان باللّه، وأعظم مافي هذا الخُلُق، هو شعور الإنسان بمسؤوليّته الكاملة عن أيّ عملٍ يسعى لإنجازه أمام اللّه عزّ وجلّ: (كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مَسؤولٌ عن رَعِيّتِهِ..).. (رواه: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، المحدّث: البخاري)، صدق رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وسلم.

فالأمانة هي المحافظة على حقوق اللّه عزّ وجلّ، وعلى حقوق عِباده، وهي خُلُقٌ لا يتغيّر ما دام الإنسان مؤمناً باللّه حقّ الإيمان.

ومن الأمانة أن يحرص الإنسان على أداء واجبه كاملاً، وأن يستنفد أقصى طاقاته في إنجاز أعماله، وأن لا يُفرّط في حق اللّه وحقوق الناس، وأن يسعى باستمرار، لتأدية الأعمال المنوطة به على أحسن وجهٍ من الجودة والإتقان، قال الله عزّ وجلّ: (.. يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).. (القصص26).

وعكس الأمانة هي: الخيانة، وتعني التفريط بالواجبات، ما يؤدّي إلى سوء إنجاز الأعمال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).. (الأنفال27).

إذاً:

المؤمن الحقّ، أمينٌ في طبعه وخُلُقِهِ وسلوكه، والأمين الحقّ يُنجز أعماله بأفضل وجهٍ ممكن.

ب-القوّة:

عندما يتغلغل الإيمان في النّفس، فإنّه يدفع صاحبَه لامتلاك قوةٍ لا مثيل لها في سلوكه كلّه، فيبدو واثقاً من نفسه، مالِكاً لروحٍ معنويةٍ عالية، راسخاً في عمله، واضحاً في أهدافه، لا يتردّد ولا يحيد عن مواقفه التي يرى فيها الحقّ.. إنّه رجل المبدأ المتميّز، الزاخرة نفسه بالحماسة والنشاط ومواجهة الأخطار والتصدّي للأعمال الكبيرة أو الصغيرة، غير هيّابٍ من الموت، لأنّ همّه الوحيد هو إنجاز أعماله والوصول إلى أهدافه، مُستمِدّاً ذلك من قوة إيمانه بالله لواحد الأحد لا شريك له.

(المؤمن القويّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللّه من المؤمن الضعيف) (مسلم، صحيح)، صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فالمؤمن قوّي يستمدّ قوّته من قوّة إيمانه، بأنّ اللّه هو الـمُعين، وهو سبحانه وتعالى الحامي، وهو الذي يُعطي، وهو الذي يُقدِّر النفعَ والضرر. لذلك، فهذا الإنسان هو الأقدر على إنجاز الأعمال، لما يمتلكه من قوةٍ وعزمٍ أكيد. (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..).. (الأنعام، من الآية14).

ج-الصّدق:

الصدق في العمل دليل أكيد على الإيمان واليقين، فلا ريب ولا مواربة، وإنّما صلاح في الأقوال والأفعال. والإيمان عندما يعمرُ القلبَ ويتمكّن من النفس، يُضفي على الإنسان حرصاً على التزام الحقّ في القول والعمل، فلا يبتعد عن الصراط المستقيم، ولا يشرد عن التزام الحقائق، فلا يقول إلّا حقّاً، ولا يعمل إلّا حقّاً.

إنّ الاستمساك بالصدق في كلّ شأنٍ وعملٍ إرضاءً للّه عزّ وجلّ، ولوجهه الكريم.. سيؤدّي إلى الإنجاز الرّاقي الخالي من النفاق في القول والعمل، يقول الله سبحانه وتعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظيماً).. (الأحزاب70 و71).

والأمم أو الكيانات والمؤسّسات، التي يصدق أبناؤها في أعمالهم، هي التي تنجح في أداء رسالتها وإنجاز أعمالها، وتحقيق أهدافها، وإنّ تحرّي الصدق في كل شيء، هو سبيل النّجاة في الدنيا والآخرة، فرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: (إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ،..). (الراوي: عبد الله بن مسعود، المحدِّث: البخاري، حديث صحيح).

والصدق لا يمكن أن يكون إلّا ثمرةً من ثمرات الإيمان باللّه عزّ وجلّ، يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ).. (النحل105).

*     *     *

-يتبع إن شاء الله.

وسوم: العدد 1033