في الحرب .. قوة الروح أولاً وقوة السلاح ثانياً .. جنين مثلاً

انتهت معركة جنين بين المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية المعتدية . ولكل معركة أو حرب جانبان رئيسيان : السلاح ، والروح أو الحالة النفسية للمقاتلين ، وتفاعل الجانبين لدى طرفي الحرب يفعل الكثير في الانتصار أو الهزيمة . وفي الصراع المصيري العصيب بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتفوق الإسرائيليون على الفلسطينيين في قوة السلاح تفوقا بنسبة واحد إلى  مائة بتقدير الإسرائيليين أنفسهم ، وهو في الصحيح أكبر من هذه النسبة ، ويتفوق الفلسطينيون على الإسرائيليين في قوة الروح بنسبة توشك أن تكون معادلة لتفوق الآخيرين في السلاح . ونأخذ جنين الباسلة وتحديدا مخيمها مثلا . مخيم مساحته نصف كيلو متربع ، تهاجمه إسرائيل وتهاجم أحيانا المدينة المجارة له بكل أسلحتها منذ 21 عاما ، ونترك مهاجمتها له وللمدينة قبل ذلك التاريخ ، وفشلت كل هجماتها في وقف مقاومته أو إضعافها . ونتوقف لتأمل المعركة الأخيرة التي دامت يومين . دخلت إسرائيل المعركة ب 150 آلية عسكرية ، و 1000 جندي ، وبطائرات مسيرة وطائرات استطلاع ، وهذه الأرقام والأنواع والأعداد حسب المصادر العسكرية الإسرائيلية  ، وإسرائيل في هذه الناحية أكذب من مسيلمة  . وتتقدم آلياتها العسكرية جرافاتٌ تزيح أمامها العوائق والعبوات الناسفة . وفي رأي  الخبير العسكري الفلسطيني أن هذه القوة تكفي لمحاربة جيش من خمسة آلاف جندي في جبهة عرضها 20 كيلومترا .  ودائما معارك الجيش الإسرائيلي من حيث عدده وعتاده وسائر مستلزمات القتال من صنف  خمس نجوم . وفي المقابل ، المقاومة الفلسطينية محدودة العدد وقليلة السلاح ، وكله فردي ، ونطاق تحركها الميداني ضيق ومكشوف ، ووسائل اتصالاتها بسيطة ومراقبة إسرائيليا ، وخوفها على المدنيين كبير ، ولا تتوقع أي مدد من السلاح والمقاتلين . وسياسيا ، لا تسمع من السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية سوى الإدانات الفارغة البالية الكلمات لعدوان إسرائيل ، ودعوتها للتهدئة حفاظا على مسيرة سلمية لا وجود لها . المتوقع وفق تباين القوة الهائل بين طرفي المعركة أن تنتصر إسرائيل فيها خلال ساعات إلا أنها لم تنتصر ، وأنهتها مجبرة بفعل صمود المقاومة بعد يومين متجاهلة حديث  قادتها ، ومنهم نتنياهو ، عن إطالة أمدها حسب الحاجة للقضاء على المقاومة . لم تقضِ على المقاومة . المهزوم لا يقضي على من هزمه . وعند انسحابها ، اشتبك معها مقاومون قرب مستشفى جنين من مسافة قريبة اشتباكا وصفه الإعلام الإسرائيلي بأنه عنيف وطويل اضطر فيه الجيش لسحب القوة الإسرائيلية بالمروحيات بعدما عجزت عن الانسحاب برا . حدث هذا في آخر ساعات  المعركة ، ويكفي وحده شاهدا على هزيمة إسرائيل فيها . ولرفع معنويات الجنود والمستوطنين شوهد   هاليفي رئيس الأركان في أرض المعركة ، والأشد دلالة على تعاسة تدني الروح الإسرائيلية القتالية هو وصول نتنياهو إلى نقطة تفتيش قريبة من جنين ، وفي المكان ادعى استكمال المهمة ، يقصد بنجاح . وما كان أكثر شواهد  تألق الروح الفلسطينية . أسرة من الأسر التي أرغمتها  القوات الإسرائيلية على ترك بيوتها في المخيم ؛ تخبر من التقتهم من المقاومين بمكان الطعام في بيتها و، وتقول لهم : " فداكم كل الدار " . وبيانات قادة المقاومة بعد المعركة تفيض  بذلك التألق الذي يبهرك سطوعه  لحظة سماعها  أو قراءتها . وأضافت عملية الشهيد عبد الوهاب خلايلة في تل أبيب زخما  عمليا لتألق الروح الفلسطينية القتالية ، وصبت في قلوب الإسرائيليين  نار الخيبة واليأس صبا . " كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا " . رصاص مقاومة جنين في ظهورهم عند انسحابهم خائبين مقبوحين ، وعملية الشهيد خلايلة في وجوههم عند رجوعهم ليزيدها سوءا . وفي الإعلام الإسرائيلي يأس مظلم  طاحن للروح من فائدة العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين ، وينبه كتابه القادة السياسيين والعسكريين إلى أن المقاومين الفلسطينيين الذين قاتلوا القوات الإسرائيلية في المعركة الأخيرة ولد أكثرهم بعد معركة أبريل 2002   التي أرادها شارون  القاضية التي لا تنهض بعدها مقاومة فلسطينية . وأبدا يخيب أمل الإسرائيليين . هذا مراد عابث مستحيل  . كتب جاكي خوري في " هآرتس "  أن إسرائيل ما حققت في عمليتها الأخيرة في جنين سوى  خلق جيل لا هم له سوى حمل السلاح . الروح الفلسطينية الباسلة المؤمنة بحقها في وطنها ستهزم السلاح الإسرائيلي الظالم المعتدي الذي تحمله روح واهنة ، ومن أكبر مصادر وهنها شك عميق دفين فيها ببطلان قضيتها في الصراع المصيري العصيب مع الفلسطينيين ، وهو شك لا تخفيه كل صيحات الكذب والتضليل والتزييف التي يطلقها الإسرائيليون عن حقهم في وطن الفلسطينيين .  

وسوم: العدد 1039