زيمور في غلاف غزّة: طنبور «الحروب الحضارية»

فور ذيوع أنباء «طوفان الأقصى» تشكلت في فرنسا نماذج شتى لما يشبه «جوقة» واحدة متماثلة، تولت التهليل لجرائم الحرب التي سارعت إلى ارتكابها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضدّ قطاع غزّة، بشراً وحجراً ومدارس ومستشفيات ومخابز ومساجد؛ ضمن تنميطات منسّقة تجمّل الهمجية الإسرائيلية، وفي الآن ذاته تذهب في تأثيم حركة «حماس» إلى مستويات تتجاوز صفة «الإرهاب» والإحالة إلى نموذج «داعش»، فتبلغ شأو استحضار الهولوكوست، ليس أقلّ.

المنخرطون في «جوقة» التهليل تلك تنوّعوا بين صحافي ومعلّق وخبير وباحث (في الإسلاميات بالطبع!)، وبين ساسة في صفوف المعارضة في غالبية تياراتها (إذْ اجتمع أقصى اليمين مع فلول زاعمي الانتماء إلى الديغولية الجمهورية، وديناصورات الحزب الاشتراكي مع الحزب الشيوعي)؛ ثمّ الساسة في الحكم، الذين تدافعوا في «حجيج» لاهث إلى دولة الاحتلال، ابتداء من رئيس الجمهورية ووزيرة خارجيته، وليس انتهاء برئيسة الجمعية الوطنية/ البرلمان. ولم يكن ينقص الطنبور هذا سوى صاحب النغم الأوضح عنصرية وقباحة وكراهية وسطحية: إريك زيمور، زعيم حزب «الاسترداد» اليميني المتطرف العنصري، والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2022.

وكي يبزّ جميع زائري دولة الاحتلال الفرنسيين، تعمّد زيمور تكرار معزوفته الكلاسيكية، عالية التحريض الشعبوي وبائسة المحتوى الفعلي، حول «الحروب الحضارية» التي يخوضها «الغرب اليهودي – المسيحي» في وجه «إسلام القرآن»، هذا النصّ الذي هو «أصل العداء للسامية» في رأيه؛ من دون أن يرفّ له جفن في عقد مقارنات بين جمهور «حماس» في فلسطين وسكان «الضواحي الإسلامية» في فرنسا؛ ومع تلهّف مسرحي على إطلاق هذه التصريحات من كيبوتز كفار عزة، مرتدياً السترة الواقية من الرصاص، يصحبه عضو كنيست عن حزب «شاس» اليميني المتطرف.

لا جديد هنا، قياساً على تاريخ زيمور في العداء للإسلام والمسلمين والمهاجرين واللاجئين، ما خلا أنّ أبرز المنظمات اليهودية في فرنس(الـCrif، التي يحدث أنها عريضة النفوذ واسعة السطوة (سبق أن تذوّقت الطعم الحلو/ المرّ جراء مواقف زيمور وخياراته السياسية والسلوكية والتاريخية: ثمة فارق بين أن تحرّض على مسلمي الضواحي الفرنسيين، المتعاطفين عموماً مع حقوق الشعب الفلسطيني؛ وبين أن تنزّه شخصية مثل فيليب بيتان، رئيس نظام فيشي المتعاون مع الرايخ الثالث، عن اضطهاد يهود فرنسا، كما فعل زيمور (وبسببه يخضع، حتى الساعة، للقضاء).

كذلك تنبه بعض قياديي الـCrif إلى أنّ زيمور لم ينخرط في «حجيج» الساسة الفرنسيين إلى دولة الاحتلال كي يواصل العزف على الطنبور ذاته فقط؛ بل سعى، من خلال لقاء حاشد عقده في نهاريا، إلى إطلاق أولى الأنشطة في حملته الانتخابية الشخصية للرئاسيات الفرنسية المقبلة؛ وحملة حزبه، كذلك، في انتخابات البرلمان الأوروبي. ليست هذه الانحيازات على أجندة مجموعات الضغط اليهودية الفرنسية، حتى إشعار آخر على الأقلّ، بالنظر أيضاً إلى انعدام أيّ اعتبار جدّي يدفعها إلى نقض تحالفاتها الوثيقة مع قصر الإليزيه وحزب «النهضة» الذي يمثّل الرئاسة.

ومع ذلك، كان محتماً أن يحضر نموذج زيمور في غلاف غزّة، لاعتبارات إسرائيلية داخلية بينها أنه يتكامل في سمات كثيرة مع بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الأشدّ يمينية في تاريخ الكيان الصهيوني؛ ولأنّ زيارته تشفي غليل ساسة فرنسيين كثر يزعمون النأي بالنفس عنه علانية، ولكنهم ضمناً يتشوقون إلى «الزيمورستان» كما شاء البعض توصيف فرنسا التي يبشّر بها زيمور.

يبقى توضيح على نيّة التذكير: هنيئاً لدولة الاحتلال بمواطن فرنسي يهودي ولد لأبوين من الجزائر، وترعرع في ضواحي العاصمة باريس، واقتيد مراراً إلى المحاكم بتهمة العنصرية ونشر الكراهية والدعوة إلى طرد العرب والمسلمين والسود لأنهم، أجمعين، لصوص ومجرمون وقتلة؛ وكتب أنّ راتب المرأة لا يجوز أن يتساوى مع راتب الرجل، كما حثّ على إعادة تحريم الإجهاض قانونياً.

وسوم: العدد 1057