خسائر تل أبيب ستجبرها على حلول واقعية

دراسة فلسطينية تستعرض الحسابات الإسرائيلية وموقف “حماس”:

استعرضت دراسة أعدّها “مركز الزيتونة للدراسات والأبحاث” إمكانية أن تطول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بعد أن تجاوزت شهرها الثاني، وذلك من خلال استعراض الموقف الإسرائيلي الحالي، المسكون بـ “رعب الفشل”، وموقف المقاومة التي تعي أن أي انتصار للاحتلال وسيطرته على القطاع سيعني اجتثاثها.

وأشارت الدراسة إلى أنه بعد أن دخل العدوان الإسرائيلي على غزة يومه الستين، يظهر أن الأهداف المعلنة للاحتلال الإسرائيلي ما زالت بعيدة المنال، سواء في “سحق” “حماس”، أو تحرير الأسرى، أو في فرض منظومة حكم بديلة، أو في أخذ ضمانات كاملة ألا يشكل قطاع غزة تهديداً لأمنه في المستقبل.

وذكرت أنه، في المقابل، بالرغم من الأعداد الكبيرة من الشهداء والجرحى، والدمار الذي غطى القطاع، فإن “حماس” وقوى المقاومة، “مدعومة بالحاضنة الشعبية، ما زالت تبدي مقاومة باسلة، وتلحق خسائر كبيرة بقوات الاحتلال”، لافتة إلى أنها تمكّنت من فرض شروطها في الهدنة الإنسانية وصفقة تبادل الأسرى الأولى.

الدراسة: بعد أن حققت المقاومة انتصارها يوم 7 أكتوبر، ليست في وارد الاستسلام للشروط الإسرائيلية، التي تجهد لاجتثاث المقاومة في القطاع

وتشير الدراسة، التي أعدها الدكتور محسن محمد صالح، إلى أنه بعد أن “حققت المقاومة انتصارها يوم 7 أكتوبر، ليست في وارد الاستسلام للشروط الإسرائيلية، التي ليس لها معنى سوى اجتثاث المقاومة في قطاع غزة، أو إفراغها من محتواها”.

وفي ظل هذين الموقفين، يصبح الوضع أقرب إلى حالة “كسر عظم” و “عض أصابع متبادل”، وهذا يعني أن الحرب قد تطول، لكن الدراسة استعرضت المدى الذي من الممكن أن تطول بموجبه هذه الحرب.

أبرز الحسابات الإسرائيلية

وذكرت الدراسة أن الحسابات الإسرائيلية محكومة بـ “استعادة نظرية الأمن والردع، واعتبار ذلك معركة مصيرية”.

وأشارت إلى أنه، بالنسبة لدولة الاحتلال، معركة “طوفان الأقصى”، في 7 أكتوبر، قد ضربتها في الصميم، وأسقطتها في أعين الكثيرين، إذ إن عدم استرجاع البيئة القوية الآمنة، سيعني أن مشروع الدولة الصهيونية كملاذ آمن لليهود قد فقد معنى وجوده، وأنه أصبح بيئة طاردة، كما أن دور هذا الكيان كقلعة متقدمة للقوى العالمية الغربية، وكشرطي للمنطقة سيفقد معناه أيضاً.

وتوضح، في ذات الوقت، أن الاحتلال الإسرائيلي مسكون بـ “رعب الفشل” في عدوانه على غزة، ويرفض أن يُمنى بفشل إستراتيجي جديد، بعد أن صُدم بفشله الكبير في 7 أكتوبر، لأن ذلك قد يعني “تجرؤ قوى المقاومة عليه، وفرض شروطها، ما قد يعني ضمناً بدء العد العكسي للاحتلال”.

وتذهب الدراسة إلى الإشارة لوجود “شبه إجماع حكومي وشعبي إسرائيلي على الانتقام من حماس ومن القطاع، واسترداد الأسرى الصهاينة، ومنع قوى المقاومة في القطاع من تشكيل تهديد للاحتلال ولمستوطنات غلاف غزة”، وإن كان هناك اختلاف في المدى الذي يمكن أن تستمر فيه الحرب، والشكل النهائي الذي يمكن قبوله.

وتؤكد أن الاحتلال يستفيد من الاختلال الصارخ في ميزان القوى العسكرية، بتوفر أحدث الأسلحة الفتاكة لديه، براً وبحراً وجوّاً، ليصبّ في غرور القوة عنده.

وتشير أيضاً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحزب “الليكود” يعانيان من تراجع كبير في الشعبية، ويرى كثيرون أن معركة “طوفان الأقصى” أنهت الحياة السياسية لنتنياهو، ما قد يدفعه للاستمرار في الحرب “سعياً لتحقيق انتصار، أو شبه انتصار، يُرمّم فيه صورته، محاولاً تفادي مصيره”.

كذلك توضح بأن التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، يلعب دوراً كبيراً في التأثير على مدى إطالة الحرب، وفي رفع أو خفض الأهداف الإسرائيلية، وتضيف: “هذا التحالف أعطى الاحتلال غطاءً دولياً لعدوانه وارتكاب مجازر بشعة أدت إلى 15 ألف شهيد، بينهم أكثر من 6 آلاف طفل، و4 آلاف امرأة، ووفّر لها الدعم بالسلاح والمال، وأحضر قواه للمنطقة لإظهار الدعم ولمنع أي تدخل إقليمي”.

لكن رغم ذلك تشير إلى أن هذا التحالف يشعر بضغط الوقت، مع استمرار المجازر، ومع تزايد الضغوط الشعبية في العالم الغربي، ومع استمرار الفشل الإسرائيلي في تحقيق “منجزات حقيقية” سوى الدمار وقتل المدنيين. ولذلك، ظهرت حالة التململ في أطرافه التي أخذت تسعى لأهداف أكثر واقعية.

وترى الدراسة أن الاحتلال يستفيد من وجود “بيئة عربية ضعيفة أو متواطئة، غير قادرة أو غير راغبة في تقديم دعم عسكري أو لوجيستي حقيقي للمقاومة يمكن أن يحدث فرقاً نوعياً لصالح المقاومة”.

وفي ذات الوقت تؤكد أن تزايد الخسائر العسكرية والبشرية الإسرائيلية “يشكّل عاملاً ضاغطاً على الاحتلال للانتهاء من الحرب”، إلى جانب أن تزايد الخسائر الاقتصادية وتكاليف الحرب، وتعطّل الإنتاج في الكثير من المرافق، وتعطّل السياحة، وفقدان الأمن، يشكّل عاملاً ضاغطاً آخر، علاوة عن فشل قوات الاحتلال في تحرير الأسرى، ونجاح “حماس” في فرض شروطها على الاحتلال.

حسابات “حماس” والمقاومة

وحين استعرضت الدراسة حسابات حركة “حماس” والمقاومة الفلسطينية، فقد أشارت إلى أن المقاومة تراهن على “إنجازها الكبير” في 7 أكتوبر، وعلى جاهزيتها لمعركة طويلة الأمد، وعلى نوعية مقاتليها المستعدين للتضحية، الذين يزيد عددهم على 60 ألفاً، وعلى حاضنتها الشعبية التي تلتف حولها.

وذكرت أنه بالنسبة للمقاومة، فإن انتصار الاحتلال وسيطرته على القطاع وفرض شروطه سيعني “اجتثاث المقاومة”، وهو ما سيدفعها للقتال حتى النهاية، ولن تقبل أن يكون ثمن المنجزات والتضحيات أقل من مكاسب جديدة للمقاومة وللشعب الفلسطيني.

وجاء في الدراسة: “إذا كانت المقاومة قد أثبتت قوتها وكفاءتها وسيطرتها الميدانية على مدى خمسين يوماً، وهي ما زالت قادرة على إيقاع خسائر كبيرة ومتزايدة في قوات الاحتلال، وكذلك ما زالت قادرة على إطلاق الصواريخ على معظم مناطق فلسطين المحتلة 1948، فإن احتمال هزيمتها في المدى المنظور يصبح بعيداً جداً إن لم يكن مستحيلاً”.

وتؤكد أنه بشكل عام أن البنية القيادية السياسية والعسكرية لـ “حماس” ما زالت قوية ومتماسكة، وتملك كفاءة عالية في السيطرة والتحكم في القطاع، وهو ما يعني “فشلاً إسرائيلياً ذريعاً في ضربها، بعد ستين يوماً من عدوانه”.

وتشير الدراسة إلى أن المقاومة ما زالت تملك ورقة الأسرى الإسرائيليين، حيث لم ينجح العدوان العسكري في تحرير أسير واحد، وهي ورقة قوية تُمكّن “حماس” من لعبها في أي ترتيبات مستقبلية.

الدراسة: احتمال إطالة أمد العدوان ما يزال وارداً، غير أن قدرة المقاومة على الاستمرار في أدائها النوعي، والخسائر الإسرائيلية، ستجبر التحالف الدولي على حلول أكثر واقعية

وقد استعرضت الدراسة، في تحليلها لموقف وحسابات المقاومة، “التضحيات الهائلة”، خصوصاً على مستوى الحاضنة الشعبية، وعلى مستوى الدمار الهائل في المنازل والبنى التحتية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس، لكنها رأت أن هذه التضحيات “لم تعد عنصر إخضاع وتطويع لدى الاحتلال، بل تحولت إلى عنصر يصبّ مزيداً من الوقود للمقاومة وللثورة واتساعها”.

وتشير إلى أن تصاعد الدعم الشعبي العربي والإسلامي والدولي للمقاومة “يصبّ في رفع معنوياتها، وفي الضغط على الأنظمة السياسية لوقف العدوان وإسناد المقاومة”.

وتؤكد أيضاً أن استمرار العدوان واستمرار المجازر قد يدفع في النهاية إلى تصاعد حدة التوتر في المنطقة، وقد تخرج الحالة عن قواعد الاشتباك المستمرة منذ بداية الحرب في جنوب لبنان، وهو أمرٌ يقلق القوى الإقليمية والدولية، من احتمالات تحولها إلى حرب إقليمية أو عالمية.

الخلاصة

وتشير خلاصة الدراسة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي سيحاول بكل قوة “انتزاع انتصار أو صورة انتصار”، باعتبار ذلك ضرورة أساسية لوجوده واستقراره ولهيبته ومكانته في المنطقة، كما أن المقاومة ستحاول تعزيز انتصارها الذي حققته في 7 أكتوبر، ولن ترضى بأي تنازلات تؤدي لاجتثاثها أو تطويعها أو إفراغها من محتواها، خصوصاً بعد التضحيات العظيمة التي قدمتها هي وحاضنتها الشعبية.

وتوضح أنه بسبب ذلك فإن احتمال إطالة أمد العدوان ما يزال وارداً، غير أن قدرة المقاومة على الاستمرار في أدائها النوعي، والخسائر الكبيرة العسكرية والبشرية والاقتصادية المتوقعة في الجانب الإسرائيلي، وتصاعد الضغوط الشعبية العربية والدولية، واتساع دائرة الاشتباك في جنوب لبنان، “سيجبر التحالف الدولي للاتجاه إلى حلول أكثر واقعية؛ كما سيجبر الاحتلال الإسرائيلي على التراجع عن معظم مطالبه”.

وحسب الدراسة فإن ذلك قد يحتاج لأسابيع، وتضيف: “لكن كلما ازدادت حدة المقاومة، ولم يبقَ للاحتلال أهداف حقيقية يضربها أو نقاط يضغط عليها، فإن المدة الزمنية ستقل أكثر فأكثر، وسيلجأ لحلول لحفظ ماء الوجه”.

وبسبب قرارات حكومة الاحتلال التي تدعم استمرار الحرب ضد غزة، فإن هناك مخاوف من إطالة أمد الحرب بشكل خطير، يحصد الكثير من أرواح الضحايا الجدد.

وتشير الإحصائيات إلى ارتفاع عدد الشهداء جراء الهجمات والغارات الإسرائيلية لأكثر من 16 ألف شهيد، بخلاف المفقودين تحت ركام المباني المدمرة، وتجاوز عدد المصابين 40 ألفاً، علاوة عن تدمير مئات آلاف المنازل بشكل كلي وجزئي، وتدمير كبير في البنى التحتية.

وسوم: العدد 1061