وعسى أن تكرهوا شيئاً

خليل الجبالي

مستشار بالتحكيم الدولي

[email protected]

إن الإنفتاح علي المجتمع وإنشغال الإسلاميون بتحقيق الجانب السياسي من شمولية الإسلام بدخول إنتخابات مجلسي الشعب والشوري ومن بعدها الإنتخابات الرئاسية التي جاءت قصراً بدخول الدكتور مرسي في تلك المعركة الإنتخابية التي آلت بفوز الإسلاميين ... إنشغل الجميع عن الجانب التربوي الذي يرقي الذات وينميها في جوانبها الإيمانية والتعبدية نتيجة محاولة إثبات تواجدهم الخدمي والسياسي في المجتمع المصري حتي يشعر المصريون أن ما وضعوه من أصوات لصالح الإسلاميين كان في محله ، بل كان محل ثقة.

مر عام من حكم  مرسي في كبد وهم ونكد لمن تولوا مسئولية البلاد واتباعهم، حيث مغص الليبراليون والعلمانييون أوقاتهم وأعمالهم بل حياتهم بكل ما هو سيئ من قبل وسائل الإعلام التي سيطروا عليها، ومؤسسات الدولة التي عشش فيها رجال مبارك من زمن بعيد ، بل إن الدولة العميقة بكل قدراتها المؤسسية من المخابرات والجيش والشرطة وغيرهم نالوا مما يقدمه الإسلاميون للمجتمع بالسخرية والإستهزاء والتضئيل والإتلاف، بل وضعوا كل المعوقات والتخلص من السلع الرئيسية في المجتمع حتي لا تكون النتيجة مرضية للشعب المصري ومن ثم يسخط علي من تولوا الحكم في تلك الفترة.

إن أعداء الحرية في الخارج عاونوا وساندوا كل الفشلة والخاسرين في جولاتهم الإنتخابية ليكونوا حجر عثرة في طريق مرسي ورجاله حتي لا تقوم لدول الربيع العربي قائمة ، فدفعوا ما يملكون من أموال، وقدموا ما يستطيعون من خدمات لمن خانوا أوطانهم، ورضوا أن يكونوا متآمرين علي بني جلدتهم ليعوقوا مسيرة الحرية بعد ان عطلوا مسيرة التقدم الفعلي لمؤسسات البلاد.

وفي ظل التآمر الدولي من أمريكا والإتحاد الأوربي ودول الخليج وغيرهم مع تآمر الفاشلين من الأحزاب الخاوية ، والليبرالية المضللة، والعلمانية المستهلكة، والشرطة الحاقدة، والمخابرات الممتلئة بالتبعية لأعداءها والعسكر الذين تخلوا عن وطنيتهم بعد أن تخلوا عن مهمتهم الحقيقة في الحفاظ علي مؤسسات الدولة وكياناتها من الداخل، مع كل هؤلاء المتآمرين سقط حكم مرسي بالإنقلاب العسكري المدعوم من المؤسسات الدينية المتمثلة في شيخ الأزهر وبابا الكنيسة.

ولم ينته سقوط الإسلاميين في الحكم فقط بل استتبعه إسقاطهم قتلي وجرحي وحرقي كما حدث في فض الإعتصامات والمظاهرات والمسيرات ، بل فتح العسكر والشرطة سجونهما ليكونا بيوتاً آوية وغير آمنة لكل مؤيدي الشرعية وأنصار مرسي عامة، والإخوان المسلمين خاصة الذين كان لهم نصيب الأسد في القتل والسجن والحرق.

لقد دخل الإسلاميون السجون مرة أخري ، وهذا ما تعودوا عليه في ظل حكم الفرد الذي تألهه الشعوب مثلما حدث في عهد عبدالناصر وما استتبعه من سجون السادات، مروراً بحقبة مبارك الذي سطي فيها علي حكم مصر فطغي وتكبر.

لقد عاد الإسلاميون إلي السجون يشعلوا منابر العلم فيها ، ويضيئون محاربها بالذكر والتجويد وقيام الليل من جديد، حتي يستردوا قوتهم الحقيقة من الإيمان والتعبد والطاعة لله رب العالمين ، وليعيدوا ترتيب علاقاتهم بربهم بعد إنشغالهم في عام من الحكم مضي مما أفقدهم دعامتهم الأساسية من قوة الإيمان والعقيدة التي إن تخلوا عنها سلط الله عليهم أعداءهم فأذاقهم ألوان العذاب والألم.

( وعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ واللَّهُ يَعْلَمُ وأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) سورة البقرة.

إن فترة الإنقلاب العسكري وما استتبعه من أحداث فرز كثيراً من الناس ليظهروا علي حقيقتهم بعد أن بدي حقدهم وغلهم وتآمرهم علي الإسلام والإسلاميين .

لقد رأينا البرادعي وحمدين وعمرو موسي كيف طفي بريقهم السياسي ، ورأينا حزب النور كيف هوى في بئر الخيانة والتآمر بعد أن باع نفسه لينال شرف الفروسية السياسية في ظل غياب الفرسان الحقيقين داخل السجون، حتي وصل بهم الحال ليحق فيهم قول الله تعالي ( لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ولَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا ولَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ (179)  سورة الأعراف.

إن فترات الشدة والكرب تكون أحياناً فترات إيمان وتوثيق صلة بالله لتقوى العقيدة، وترقى النفوس، وتعيد التفكير من جديد حتي يتحقق مهمتها الأساسية التي خلقها الله من أجلها وهي إعمار الأرض وتعبيد الكون لرب الناس.

( ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ومَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) سورة الذريات

سيسود الحق يوماً ويعود للإسلام بريقه من جديد ليحمل نور الحرية للبشر علي يد رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ليتخلصوا من ظلم العبودية لغير الله.