لا أيها الدارسون والباحثون.. بلادنا أقرب للوحدة والانسجام منها للتعدد والافتراق

وقضية الأقليات عندنا عنوان مورَّد وموظف وليس حالة مزمنة.. ولا تضِلّوا فتُضلوا.. ومراحنا قبالة الشاطئ الشرقي للمتوسط أرض الأنبياء والنبوات، وحيث أزهرت اللغة، فانتظمت الأبجدية، وارتسم الحرف.. ولسنا من الشعوب التي أكلت بنيها وإنما ما تزال تضمهم، وإن وهنا على وهن، إلى صدرها، وتحميهم وتدفع عنهم كل وكس وشطط …

ذاك قولي في قضية المكونات، أو ما يسمونه الأقليات، وبه أجهر، وإلى وعيه أدعو، وأنادي على الذين بيوتهم من زجاج أن لا يقذفوا بالحجارة الذين ينشدون: "سقف بيتي حديد ركن بيتي حجر"

والسباحة على شطآن العلوم لن تجعل منك لا باحثا ولا دارسا فتعلم. ولا تقل قولا لا تملك زمامه.

والاختلافات الديمغرافية بأبعادها العرقية والدينية واللغوية والثقافية.. ليست خاصة ببلد دون بلد ولا بحضارة دون حضارة وحين ينتصب لعلم الحضارات المقارن سوق، نتحدى فيها كل من يحضر.

القضايا السكانية الديمغرافية هي قضايا ذات حضور إنساني وحضاري وعالمي ودولي..وظلها في وطننا سورية هو الألطف، وثقلها هو الأخف، وتداعياتها في الأصل هي الأقل، وهي ليست من مشكلاتنا التاريخية ولا المزمنة؛ ولكنها من المشكلات الموردة أو المستوردة. والتي ما يزال يستثمر فيها عدو طامع، أو بعض أصحاب المطامح. وهذا الكلام لن يكون موظفا، ليكون مدخلا لبغي أو عدوان أو ظلم أو تمييز أو نبذ أو إقصاء أو استئثار أو غلبة.. فليعلم هذا طلاب التوظيف.

ولكن وأقول ومن أول الظلم أن يشار إلى "السوريين" وهم القوم الذي كانوا أولَ من رسم الحرف، ونظم الألفباء والأبجد هوز، بأنهم على صعيد العيش المشترك:

عيّوا بأمرهم كما .. عيت ببيضتها الحمامة

ويتحدثون في سورية عن "فسيفساء" ولكي أقرب دلالة صورة الفسيفساء لأذهان القارئين أكثر، أقول هي لوحة جزئياتها أصغر من جزئيات لوحة بزل!! مقطعة مبعثرة على عوج هنا، وعلى التفاف هناك.

أقول هذا وأذكركم أن في الدولة الروسية التي يقودها بوتين اليوم: 180 مكون عرقي، يحكمهم السلاف- الأرثوذكس…ولعلنا نتفكر..ولا تكادون تشعرون.

وفي إيران: أذريون وأكراد وعرب وبلوش وتركمان ولور..

وشيعة اثنا عشرية، وسبعية، وسنة وزرادشتيون وبهائيون..

وفي بريطانيا وفيها من فيها من المكونات الأصلية تزاحم الأنغلو-ساكسون..

وفي فرنسة قبل المهاجرين وقبل أن تسود قبائل الغال كانت قبائل وقبائل..

وحتى العرق الجرماني في ألمانيا، لم يكن أولا، ولم يكن الوحيد؛ بل كان السابع أو الثامن.

 وفي جزر اليابان المنعزلة أيها السادة لم يكن ثمة نقاء مدعى أو مزعوم.

وفي الصين ستة وخمسون قومية أو إثنية، وفي شبه القارة الهندية حدث عن البحر ولا حرج، أقوام وأجناس وأعراق وبعضهم يغسل وجها ببول البقر، وآخرون ينصبون معابد للفئران ولا يزالون..

ولو أبحرت فيكم بهذا العالم لقلتم الحمد لله على سكنى العالم الأوسط، واستمعت بالأمس إلى شيخ من مشايخ العقل يصلي على جنازة فوجدته في نيته ينوي التكبير أربعا ويقول وهو في أقصى الجنوب كما في أقصى الشمال نقول: أربع تكبيرات مستقبلا الكعبة الشريفة.. الله أكبر!!

أسرد كل هذا لأصادر قول الذين يقولون إن بلدنا سورية هو بلد أقليات!! وأن مشكلتنا الأقلوية مشكلة بنيوية مزمنة قديمة ليس لنا منها براح..

وأرد متبنيا جمعنا؛ لسنا وطن أقليات. نحن أبناء وطن فيه أقليات، والأقليات بيننا شاهد على رفاهنا وليس على بؤسنا، ونحن لا نرفض ولا نفتش ولا نثرب، ووطن السواء عندنا للسواء.. وبالتي هي أحسن وبالبر والقسط يتعاطى بعضنا مع بعض…

قيمنا العليا على أرض الأنبياء من مشكاة الأنبياء مبعثها. الأخلاق الملية كذا دعاها شيخ الإسلام ابن تيمية. أملي في كل الذين يحملون على شيخ الإسلام هذا أن يقرؤوه كاملا أو يمسكوا، وذاك حق العلم وحق العقل وليس فقط حق الدين…

أعراقنا كما يقولون إلى الجد إبراهيم مرجعها.. فلا يكن بيننا تثريب

وأختم مقالي بهذا التقريب: كل البشر أبناء تسعة، كل البشر كان موطنهم الأول ظلمة رحم، كلهم خرجوا من مخرج واحد، واستهلوا بطريقة واحدة، ثقافتهم لم تولد معهم. كل البشر في صدورهم قلوب، وفي رؤوسهم عقول. كل البشر تنبض قلوبهم سبعين، كل البشر درجة حرارتهم المثلى 37- وضغط دمهم 120/ 8- كل البشر إذا فرحوا يضحكون، وإذا ألموا يبكون، كل البشر ينامون ويحلمون ويأكلون ويشربون..وإذا فقدوا يتألمون، كل البشر عندهم تطلعات لما وراء الجدار يقولون إن جلجامش كان أولا.. لو بقيت أعد المتفق لما انتهيت، وقال أهل العلم: إن مساحة الفروق الطبيعية التكوينية بين البشر لا تتجاوز الواحد بالألف…

مشكلاتنا الأقلوية العرقية والثقافية وصلتنا معلبة جاهزة، وكُتب على علبها بكل لغات العالم: صُنع خصيصا لبلاد الشام..

وحيّ الله المتفقين، وهدى الله المختلفين..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1125