ما القيمة المضافة لاعتراف ماكرون المفترض بدولة فلسطين؟

بتاريخ 24 يوليوز ورد بجريدة هسبريس الإلكترونية خبرٌ نصه كالتالي: "أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في شتنبر المقبل.

وقال ماكرون عبر منصتي إكس وانستغرام "وفاء بالتزامها التاريخي بسلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، قررتُ أن تعترف فرنسا بدولة فلسطين. سأُعلن ذلك رسميا خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في شتنبر المقبل" ".

من أهم ما لفت انتباهي في هذا الخبر نقطتان اثنتان، الأولى تتعلق باستعماله حرف التسويف "س" مرتين في كلمتي "ستعترف"، و"سأعلن"، والثانية باعتماده الازدواجية في التعبير عن هذا الاعتراف المفترض، ذلك أنه أعلن في الفقرة الأولى بأن "بلاده ستعترف بدولة فلسطين"، في حين صرح في الفقرة الثانية بأنه "قرر أن تعترف فرنسا بدولة فلسطين".

إذا علمنا أن حرف السين من حروف التسويف شأنه شأن حرف سوف، على اختلافٍ في المدة الزمنية التي تفصل بين التصريح بفعلٍ معين، وبين تجسيده في الواقع، كما ورد في تعريف الذكاء الاصطناعي للحرفين بحيث: تُعرف السين بـ "حرف التنفيس" لأنها تُحوّل الفعل المضارع من الحال إلى الاستقبال القريب، بينما تُعرف سوف بـ "حرف التسويف" لأنها تُفيد معنى التأخير وتبعث الفعل إلى المستقبل البعيد.

وإذا افترضنا أن استعماله لحرف السين جاء للدلالة على قصر المدة الزمنية الفاصلة بين لحظة تصريحه ووقت عزمه الاعتراف بدولة فلسطين المحدد في تاريخ انعقاد الجمعية العامة، وإذا سلمنا بكونه جاد في تصريحه، فإن هذه المدة الزمنية التي قد تبدو قصيرة بالنسبة لعامة الناس، فإنها تقدر بالسنين بالنسبة للغزاويين الذين يعانون الجوع والعطش والمرض، وكل أنواع الاضطهاد، كما عبر عن ذلك حتى الذكاء الاصطناعي حينما ابتدع البيت الشعري التالي:

تمرُّ ليالي الأنسِ كالبرقِ إن بدتْ                  وفي الكربِ يمضي اليومُ كالسِنينِ

ومن ثم تصبح كلمة سوف أدق تعبيرا من حرف السين، ولعل هذا هو الأصح، إذ لو كانت نيته صادقة لما أجَّل الاعتراف إلى شهر شتنبر، فما الذي يمنعه هو وباقي الدول الغربية التي أصبحت تعزف على هذا الوتر سوى المماطلة، التي تُستشف من تلك الشروط التعجيزية، التي يُراد فرضها على المقاومة، من قبيل تخليها عن سلاحها، مع العلم أنه تَرك الباب مُشرعا أمام إمكانية إخلافه وعده باعتماده صيغتين في التعبير عن المسؤول عن الاعتراف، أهو أم فرنسا؟ ذلك أن اعتبار "فرنسا دولة ديموقراطية" يستلزم الرجوع إلى البرلمان كلما تعلق الأمر باتخاذ قرارات مهمة، وهو الاعتبار الذي يمكن استعماله كمخرج للطوارئ أو كنافذة للإغاثة في حالة عجزه عن تنفيذ وعده أو اصطدامه بالمشروع الاستيطاني للعدو. ثم بعد هذا وذاك، ما هي القيمة المضافة لهذه الاعترافات التي لن تكون، إن نُفذت، سوى صورية، على غرار اعترافات أكثر من 130 دولة، التي لم تتجرأ ولو واحدة منها على تمكين هؤلاء الجوعى من شربة ماء أو رغيف خبز أو حقنة دواء أو توفير خيمة تقيهم الحر والقر.

واعتبارا لكون المكر والخداع من مميزات الصهاينة، فإنهم لم يتوانوا عن ممارسته منذ وطئت أقدامهم أرض فلسطين، وخاصة منذ مفاوضات أوسلو التي كان يُفترض أن تُفضي إلى حل الدولتين، على اعتبار حدود 1967، حيث تجسد هذا المكر في البداية في توسيع المستوطنات، وتهجير عدد كبير من الفلسطينيين وإخراجهم من ديارهم بالقوة، ليبلغ مداه في الوقت الحالي الذي نسمع فيه يوميا عن قرب حصول اتفاق لإيقاف الحرب على غزة، في الوقت الذي تزداد فيه شراسة العدو في إبادة الشعب الفلسطيني دون اعتبار لأدنى حق من حقوق الحيوان، بله حقوق الإنسان. ألم يكن جديرا بفرنسا الدولة التي تملك حق الفيتو، ورئيسها الذي أبان غير ما مرة عن انحيازه الكلي للعدو الصهيوني، كما عبر عن ذلك خلال استقباله بالبرلمان المغربي في زيارته للمغرب أواخر أكتوبر 2024، قلت ألم يكن جديرا به، تعبيرا عن حسن نيته بخصوص الاعتراف المفترض، التوقف الآني عن تزويد العدو بالعتاد الحربي، واعتماد الفيتو لإرغامه على فتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية، عوض اللعب بالمصطلحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، إذ ماذا يعني الاعتراف بدولة دون أرضٍ؟ أو لنقل على أرض تبتلعها المستوطنات يوما بعد يوم، في نفس الوقت الذي يرفض فيه العدو مبدأ الدولتين من الأصل. يضاف إلى ذلك أنه حتى في الوقت الذي تم التحدث فيه عن حل الدولتين خلال اتفاقيات أوسلو، لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، على غرار اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة الصهاينة، وإنما تم الاكتفاء بالاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، وهو ما فتح الباب واسعا أمام تصنيف باقي الحركات التحررية في خانة الحركات الإرهابية على غرار حماس والجهاد الإسلامي...

ختاما لا أريد استباق الأحداث بخصوص ما سيتمخض عن عزم فرنسا ونظيراتها من الدول الغربية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكن استقراء التاريخ البعيد والحديث لهذه الدول، يفصح بما لا يترك مجالا للشك، أنها لا تتبنى موقفا معينا إلا إذا كان مبرِّرا لخدمة مصالحها المادية والمعنوية في ارتباط وثيق بينهما. ولنا في موقف فرنسا من الصحراء المغربية خير مثال على ما أقول، بحيث على الرغم من كل الصفقات التي حصلت عليها، لم يتجاوز موقفها "دعم" مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب كحل لقضية الصحراء، أما الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء، فيندرج في إطار التسويف الذي يُعتمد مصدرا أساسيا لابتزاز الدولة المغربية من أجل الرضوخ لإملاءاتها، التي لا يمكن أن تنتهي إلا باكتساب عوامل الندية، ولعل تشبث حركة حماس بالاحتفاظ بسلاحها من أهم هذه العوامل التي ساهمت في استعمال ماكرون أسلوب التسويف، في انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات التي تستهدف استسلام المقاومة لا قدر الله لتكون بذلك القيمة المضافة للاعتراف صفرا على اليسار.

وسوم: العدد 1130