قاتل الشريف هو نفسه قاتل أبو عاقلة و263 آخرين.. للصحافيين الإسرائيليين: وتصفقون.. أي عار؟

“إذا وصلتكم هذه الكلمات فاعلموا أن إسرائيل نجحت في قتلي وإسكات صوتي”، هذا ما أوصى به المراسل أنس الشريف. “الله يعلم أنني بذلت كل جهد وقوة لأكون دعامة وصوتاً من أجل شعبي، منذ فتحت عيني على الحياة في أزقة مخيم جباليا للاجئين. كان أملي أن يطيل الله عمري إلى أن أعود مع عائلتي وأحبائي إلى مدينتنا الأصلية عسقلان – المجدل. ولكن إرادة الله سبقت وقضاءه نفد”.

ليس قضاء الله هو الذي حسم مصير أنس الشريف ومعه أربعة من رجال الطاقم في خيمة الصحافة التي كانت قرب مستشفى الشفاء في غزة. ليست إرادة الله، بل مسيرة مجرمة يقودها الجيش الإسرائيلي التي وجهت لقتل الشريف، المراسل البارز في قناة “الجزيرة” في فترة الحرب.

ليست إرادة الله، بل إرادة إسرائيل في إعدامه بذريعة أنه “قائد خلية” في حماس، بدون أن تعرض أي دليل على ذلك. العالم صدق رواية الجيش بالضبط مثلما صدق في السابق بأن الجيش ليس هو الذي قتل الصحافية شيرين أبو عاقلة في جنين. ومن يريد التصديق بأن الشريف كان قائد خلية فعليه أن يسال: ماذا بخصوص القتلى الآخرين؟ هل كانوا نواب قائد الخلية؟ الجيش الذي يقتل المراسلين بالجملة، بصورة تقشعر لها الأبدان، والدولة التي لا تسمح بالتغطية الصحافية الحرة للحرب، لا يمكن تصديقهم في أي شيء، ولا حتى تصديق القصص حول رئيس الخلية من جباليا.

يصعب التصديق بأي عدم اكتراث يمر قتل المراسلين من هنا. الصحافة الإسرائيلية انقسمت إلى قسمين، الذين تجاهلوا القصة والذين قالوا إن إسرائيل قتلت مخرباً. مزودون بلا شيء من المعلومات، جميعهم تجندوا لتكرار الرواية التي أملاها عليهم الجيش الإسرائيلي، ولتذهب الحقيقة إلى الجحيم. ليس فقط الحقيقة، بل أيضاً التضامن مع زميل شجاع في المهنة.

الدليل الوحيد الذي تم عرضه هو صورة مشتركة للشريف مع يحيى السنوار.هل هذه ذريعة للإعدام؟

شجاع أكثر بمليون مرة من أي مراسل إسرائيلي، ومجند بدرجة أقل لخدمة دعاية بلاده وشعبه، من كل من نير دبوري واور هيلر، فإن الشريف كان يمكنه أن يعلم الصحافة الإسرائيلية أسس الصحافة. وقاحة الصحافة هنا لا تعرف الحدود: قناة “الجزيرة” هي شبكة دعاية، يصرخ مراسلو القنوات الإسرائيلية التي شوهت سمعة الدعاية القومية المجندة وأخفت حقيقة هذه الحرب. هل “الجزيرة” قناة دعاية؟ وماذا عن القناة 12 والقناة 11 والقناة 13 والقناة 14 والقناة 15؟ ألها صلة بالصحافة في هذه الحرب؟

مع موت الصحافة ماتت الحقيقة ومعها التضامن. عدد المراسلين الذين قتلوا في هذه الحرب أكثر مما في أي حرب أخرى في التاريخ، 186 حسب لجنة حماية الصحافيين سي.بي.جي، 263 حسب “بتسيلم”، سيصوبون البنادق إلينا أيضاً ذات يوم، نحن المراسلين الإسرائيليين، الذين لا نروق لهم. يصعب معرفة كيف ـن الصحافيين الإسرائيليين لا يستوعبون ذلك، ربما ينوون مواصلة خدمة آلة الدعاية الإسرائيلية بكل خضوع، لأن هذا هو تعريف الصحافة عندهم.

لكن في هذا الأسبوع، قصف الجيش الإسرائيلي خيمة صحافة، والمشاهد التي لم تشاهدوها كانت مخيفة: تم اخراج جثث مراسلين من الخيمة المشتعلة، وهتف زملاؤهم الإسرائيليون لذلك أو صمتوا. أي عار هذا، هو عار إنساني ومهني. بماذا يقل ذلك صدمة عن قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي؟ هل لأن جثة الشريف لم تقطع؟

أصدقاء الشريف وطاقمه يقولون إنه عرف بأنه مستهدف وفي مرمى النار. عندما بدأ الجيش الإسرائيلي في تهديده في تشرين الأول، أعربت آيرين خان، مقررة الأمم المتحدة المعنية بحرية الصحافة، عن قلقها على مصيره. وأضافت بأن الشريف كان آخر المراسلين الذي بقي على قيد الحياة في شمال القطاع. لذلك قتلته إسرائيل. وكانت آخر كلماته في وصيته: “لا تنسوا غزة”.

وسوم: العدد 1130