حين يختزل الإسلام في السلطة: دفاع عن الإسلام الحضاري

eerqereq1130.jpg

في زمن باتت فيه المفاهيم متشابكة، والحقائق مشوشة، أصبح من اللافت أن يختزل الإسلام، هذا الدين العظيم الذي جاء لبناء الإنسان والعمران، في مجرد صراع على السلطة أو برنامج انتخابات موسوم بما يسمى " الإسلام السياسي". و هو اختزال لا يظلم الإسلام فحسب بل يختصر حضارة كاملة في لحظة سياسية طارئة.

لقد درج كثير من المحللين، والخصوم قبل الأنصار على استخدام تعبير الإسلام السياسي، لوصف أي تيار إسلامي يشارك في الحياة العامة أو يسعى لتغيير الواقع من منطلق مرجعيته الدينية، وكأن مجرد استلهام القيم الإسلامية في الفضاء العام، جريمة سياسية. وهكذا يتحول الإسلام من منظومة قيم إلى تهمة.

لكن الحقيقة، كما يعلم كل من غاص في التراث الإسلامي، أن السياسة جزء من الإسلام لكنها ليست كله. والإسلام لا يتوقف عند أبواب الحكم، بل يبدأ من إصلاح النفس وبناء الأسرة و إقامة العدل ومحاربة الفقر وتحرير الإنسان من الاستبداد والجهل والتبعية.

لقد كتب ابن تيمية قديما في السياسة الشرعية عن مقاصد الحكم وعدله، لا عن تغول الدولة بإسم الدين .وتحدث عبدالوهاب خلاف حديثا عن السياسة باعتبارها رعاية شؤون الأمة بالعدل، لا باعتبارها مجرد سلطة. وكلاهما لم يكن يسعى لتأسيس إسلام حزبي، بل لاستلهام روح الشريعة في إدارة الشأن العام.

ثم جاءت محاولات فكرية نهضوية متميزة، مثلا كتابات مالك بن نبي، الذي نبهنا أن معضلتنا الحقيقية ليست في الأنظمة فقط، بل في قابلية الاستعمار، أي في تراجع الوعي وتآكل الإنسان وتفكيك المجتمع. لذلك دعا إلى مشروع النهضة نهضة تبدأ من التحرر الفكري والاقتصادي والتعليم و الكرامة الإنسانية.

أما عبدالوهاب المسيري، وقف موقفا نقديا من النموذج المادي الغربي، لكنه لم يستنسخ بديلا شعاراتيا، بل سعى إلى صياغة مشروع حضاري إسلامي يوازن بين الفرد والمجتمع والروح والمادة والحرية والعدالة.

هؤلاء وغيرهم من مفكري النهضة الإسلامية لم يدعوا إلى دولة دينية بالمعنى الكهنوتي، ولم يختصروا الإسلام في الشعارات الانتخابية، بل فهموا أن الحضارة تبنى من القاعدة إلى القمة، لا العكس! وأن الشارع قبل البرلمان والمجتمع قبل الدولة.

  • الإسلام أوسع من السياسة:
  • الإسلام منظومة حياة متكاملة هو لا ينكر السياسة لكنه لا يختزل فيها . هو مشروع عمران شامل يهتم بالعدالة كما يهتم بالزكاة، يحث على إقامة الصلاة كما يحث على تحرير الرقاب ويدعو لتوحيد الله كما يدعو لصون كرامة الإنسان.
  • إن استحضار هذا البعد الحضاري للإسلام أمر ملح، خصوصا في زمن اختنق فيه المجال العام بالصراعات وتراجعت القيم الأخلاقية، وتآكل الثقة بكل من يتحدث عن الدين .
  • ختاما: لسنا بحاجة إلى تسييس الإسلام، بل إلى تحضير الإنسان به. ولسنا بحاجة إلى رفع شعار الدولة الإسلامية، بل إلى بناء مجتمع مسلم بروحه، أخلاقي بسلوكه وعادل بتعامله، وحر في اختياره. إن الإسلام لا يحتاج إلى من يتحدث باسمه فقط، بل إلى من يحييه في النفوس ويجسده في الأفعال .

وسوم: العدد 1130