(السُنّة) في لبنان... والمكاشفة الصّريحة

حسن قاطرجي

ابتداءً: لا أتكّلم عن (السنّة) في لبنان بالمنطق الطّائفي اللّبناني، لذا فلا أقصد (القبيلة اللبنانية!) التي يتعصّب لها وينضوي تحتها حتى مَنْ يَسْخر بالدين ولا يؤمن برسالته ودَوْره في الحياة ومن يتشدّق بعلمانيّته وقناعته بعدم صلاحية الدين للتدخّل في الأمور العامّة... بل حتى من لا يؤدّي الصلاة! ومن لا يمتّ بصلة إلى مدلول هذا الاسم المبارك وهو (سُنّة وهَدْي) سيّد البَشَر صلوات الله وسلامه عليه...

هذا أوّلاً، ثانياً: يعيش (السنّة) في لبنان مرحلة تهميش واستضعاف، ومنذ شهور طويلة تتفاقم المشكلات والتعدّي عليهم واعتقال بعض مشايخهم وإهانة شبابهم على الحواجز الحزبية وتترنّح الدولة على وقع تخبُّطها في فشل تشكيل حكومة وبقاء البلد في حالة شَلَل، وعلى وقع تردّدات الوضع المأزوم في سوريّة هذا عدا عن كثرة القتل والتفجير والاعتقالات الكيديّة، وآخر الحوادث تفجير المسجدَيْن في (طرابلس) المأساوي و(أحداث بعلبك) المؤسفة! وتتداول وسائل الإعلام والأحزاب المعارضة لسياسات (الحزب) المتبنّي للمشروع الإيراني مَعْزوفةَ إدانتِهِ في إدارته للدولة وللوضع الداخلي، وتتعالى صرخات الإدانة له أيضاً على إجراءات أَمْنِهِ الذاتي الذي يمارسه وعلى تعطيله للدولة ومؤسّساتها... وهذا صحيح بلا شكّ! ولكن الاقتصار على هذه الإدانة يُخفي النقد الذاتي ووضع اليد على جذور المشكلة ويَطْمس أسباباً حقيقية لها:

1- الدولة في لبنان أساساً هشّة وهي لا تقوم على (القانون والمؤسّسات) كما كان يُوهم أو يتوهّم كثيرون ، ومنهم إسلاميّون تعاطَوْا ويتعاطَوْن الشأن السياسي الرسمي، وإنما تقوم على غَلَبة القويّ وظُلمه للآخرين الضعفاء... ولنتذكّر عهد امتيازات المَوَارنة في لبنان وتهميشهم للآخرين لعقود طويلة إلى أنْ اندلعَتْ الحرب اللبنانية عام 1975م، ثم هيمنة النظام الأمني السوري الذي كان متناغماً مَعَه آنئذٍ (تيّار السمتقبل)، والآن عهد (الحزب)... لنستوثق من سلامة الحكم بفشل الدولة وهشاشتها!!

2- ما نحن فيه الآن يتحمّل مسوؤليّتَه بالدرجة الأولى (الحزبُ) بالتأكيد ومن معه من قُوى 8 آذار، والدولة اللبنانيّة الهشّة وهذا صحيح، ولكنْ أيضاً (التيّار العلماني بكل قواه -14 آذار) ومن شايعه واستمات في الدفاع عنه حتى من بعض المشايخ والمجموعات السياسيّة والدينيّة وعلى رأسها دار الفتوى في سنوات ولائها الكامل لهذا التيار! عِلماً أنّ هذا التيّار كان - بالإضافة إلى علمانيّته وإفساده - ساذجاً عندما ظنّ أنه على (مِخَدّات الحرير) تحصل جميع الطوائف على حقوقها ويتحقّق العدل! وسببُ هذه السّذاجة:

أ‌)     قراءتُه الخطأ للواقع ولميزان الصراع الدّولي واستخدامُه من أمريكا لضَرْب هَوية الأمة الإسلاميَة،

ب‌)                         وجُبْنُه المُفرط ... وما حصل في 8 أيار 2008 أكبر شاهد على ذلك،

ت‌)                         وارتباطُه بالمشروع المُتماهي مع مصالح أمريكا والغرب في المنطقة المُمْعِنَيْن في إضعاف (أهل السنّة) في العالم الإسلامي السُّنّي وخاصة في الجوانب الثلاثة التالية:

الأول: منع وصول إسلاميّين شرفاء ونزيهين إلى سُدّة الحكـم، الثاني: تعميق التشرذم والتّخاصم وإثارة الصراعات وتعزيز نَزَعات التصارع، وأخطرها: تعظيم «الأنا» وتضخيم الخلافيّـات! ودَوْر أصابع أمريكا ودول أوروبا وروسيا في سوريّة ومصر والسودان وتونس والعراق لا يَخْفى على يَقِظ، والثالث: هو الإصرار العنيد منهم على إبقاء (السنّة) في العالم شعوباً ودولاً في حالة الضّعف المادّي وعدم امتلاك القوّة.

3-  وبما أنّنا - أهلَ السنّة - يجب أن نعتمد على الله عزّ وجلّ أوّلاً ثم على أنفسنا فنحن أيضاً جزءٌ أساس من المشكلة! - عن غير قصد - بسبب أننا لم نعتمد على الله حقّاً بما يستلزمه التوكُّل الحق من واجبات، ولا عَمِلنا بجِدّ، ووحدة صفّ، وجُهد متتابع، وانضباط تنظيمي كما يأمُرُنا دينُنا!!

ثم إنّنا وإنْ مَلَكْنا الرغبة الصادقة في النهوض وحِفْظ كرامتنا واستعادة هَيْبتنا إلا أننا تَنْقُصنا: 1) الإرادة الحقيقيّة، 2) والجِدّيّة العالية، 3) والتخطيط المشفوع بالتطبيق، 4) ووحدة الصفّ الصادقة التي لا تتحقّق إلا بهضم النفس ونُكران الذات وتحطيم صنم «الأنا»، 5) وبالبُعد العملي لا الوعظي عن الممارسات الحزبيّة والفئويّة! 6) كما يَنْقُصنا تحمّل أصحاب الاختصاص مسؤوليّة المشاركة الفعّالة في كلّ المجالات وبأُطُر منظَّمة...

ومع ذلك كلّه لا نشكّ ثقةً منا بالله عزّ وجلّ ووعده وقراءة للواقع ومتغيّراته المتسارعة خاصّة على مستوى المآلات المنتظرة من الثورة السورية العظيمة، ومن الصمود المُدهش للشعب المصري المؤمن الحُرّ ضدّ الإنقلابيين الخائنين، كذلك من صمود أهل غزّة والمقدسيّين الباهر في وجه الاحتلال الصهيوني البشع والمؤامرات ضدّ غزَّة وسائر فلسطين، ومِنْ ظاهرة الانتشار السريع للإسلام في الغرب... لا نشك بإذن الله وتثبيته أننا على مستوى الأمّة نشقّ الطريق نحو النّصر... فإلى مزيد من الجِدّ ومتابعة السير في طريق النهوض والعزّة...

)اللهم آتنا من لدُنك رحمة، وهيّئ لنا من أمرنا رَشَدا(