وقفات مع شيخ الأزهر وقضية الانقلاب على الشرعية

العلامة يوسف القرضاوي

وقفات مع شيخ الأزهر

وقضية الانقلاب على الشرعية

الشيخ العلامة يوسف القرضاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه   وبعد،،

كنت أحب أن يكون موقف علماء الأزهر الشريف – وبخاصة كبارهم- على موقف واحد من الأحداث الكبيرة، التي تجري في أرض مصر العزيزة، ولا سيما ان رؤيتهم تنبثق من مصدر واحد، هو مصدر المعرفة الإسلامية، المتمثل في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وهو مصدر يجمِّع ولا يفرق، ويبيِّن ولا يلبِّس، ولكني وللأسف الشديد، فوجئت بموقف شيخ الأزهر، وهو موقف أنكره علماء الإسلام، وأنكرته معهم.

ومن هنا كانت وقفاتي الفقهية، والفكرية، والدعوية، من مشيخة الأزهر، ومن كل من يعاونها على الباطل لا على الحق، وعلى الظلم لا على العدل، وعلى الفساد لا على الصلاح.{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ  } [البقرة:205 ]، { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } [المائدة:64 ] .

موقف صديقنا الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر:

وكنت أحسب أن يكون موقف صديقنا شيخ الأزهر: الدكتور أحمد الطيب، إذا عرض عليه مثل هذا الأمر، أن ينتفض انتفاضة العالم الغيور، الذي يخاف على شعبه، ويخشى قبل ذلك ربه، ويقول لمن عرضوا عليه هذا الأمر: هذا لا يجوز شرعا.. هذا عقد شرعي ملزم، بين الرئيس وبين الشعب، مؤيد بالقرآن والسنة، ويجب على الجميع رعايته وحفظه، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة:1 ]. وهو عهد يجب الوفاء به، ككل عهود الله المصونة المحفوظة : {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل:91 ]{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا }[النحل:92].

{ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:77 ]

ولهذا جاء القرآن الكريم آمرًا بطاعة أولي الأمر منا طاعة ملزمة، وإذا اختلفنا في شيء يجب أن يُرد إلى أصول الشرع المستمدة من القرآن والسنة، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } [النساء:59 ].

وجاءت أحاديث الرسول الصحاح المستفيضة، تأمرنا بطاعة من اختارته الأمة، برضاها وبيعتها، ومن ذلك حديث أبي هريرة مرفوعا:" كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون» قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأول فالأول"

"اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة" عن أنس بن مالك.

 "من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا، فيموت، إلا مات ميتة جاهلية" عن ابن عباس.

وفي لفظ: " من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية".

 وفي حديث عرفجة، مرفوعا:" من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه".

  "السمع والطاعة حق على المرء المسلم، فيما أحب وكره، مالم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة" عن ابن عمر.   "إنما الطاعة في المعروف" عن عليّ. 

كنت أود أن يقف شيخ الأزهر أمام العسكر، الذين عرضوا عليه فكرة الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب، أن يردهم عما عزموا عليه، ويذكرهم بالآيات الزاجرة، والأحاديث الناهية. كنت أود أن يقف شيخ الأزهر هذا الموقف، ليعلم الناسُ أن العلماء قادرون أن يقولوا: لا، لما يعتقدون أنه شر وظلم، وأن رؤوسهم بأيدهم، لا بأيدي الحكام.

كان عندي بعض حسن الظن في مشايخ الأزهر وعلمائه، فكنت أعتقد أن أحدهم – وخصوصا إمامهم الأكبر- إذا عرض عليه أمر يرى فيه خطرا على الأمة، ولا يقره صريح الدين: أن يقول بملء فيه: لا. وسيجد كثيرا من علماء الأزهر يرددونها معه، ويقفون إلى جانبه منتصرين له.

كنت أرى أن الرجل – وقد أصبح الإمام الأكبر، شيخ الأزهر- سيصلب عوده، ويقوى عضده، ويقف مواقف شيوخ الأزهر، الذين سمع عنهم، وسمعنا عنهم، من أمثال الشيخ المراغي، ولشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ الخضر حسين، وأمثالهما. لكن خاب أملي كله، في ضوء مواقفه، التي أعلنها في هذه الآونة.

(1) متابعة المشهد المصري

ولا ينكر من يتابع المشهد المصري، ما آلت إليه الأمور في هذا البلد العظيم، الذي ذكره القرآن باسمه  خمس مرات، وقد دخله إبراهيم ، وأقام به يوسف، وهاجر إليه أبوه يعقوب وبنوه، ونشأ فيه موسى وهارون، و مرت به مريم ابنة عمران، وابنها رسول الله وكلمته عيسى، عليهم السلام.

مصر بلد الأزهر، وقلعة الدعوة، ودار الثقافة الإسلامية، ومنارة لغة الضاد، وقلب العروبة النابض، وحصن الإسلام الصامد، وذخيرة الأبطال، وموطن الرجال، الذين صدوا موجات الصليبيين في حطين، وقهروا جحافل التتار في عين جالوت، وكانوا خير مدد للإسلام والمسلمين.

لقد سعد كل المصريين، وسعد معهم كل العرب والمسلمين ؛ بل وكل أحرار الدنيا، بثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، ووجدوا فيها خلاصا من نير العبودية، وكسرا لقيد الإذلال، الذي عاناه الشعب المصري عقودا وسنين عددا، بلغت ستين عاما، فقال الجميع: آن للمصريين أن يستردوا كرامتهم ، وحُق لهم أن يحصلوا على حريتهم!

غير أن يد الشر، ومعاول الهدم، وأصحاب الضمائر الخربة، والأنفس المريضة، والقلوب الميتة، الذين يفضلون مصالحهم على مصالح البلاد، ويؤثرون أهواءهم على حقوق العباد، أخذت تضمر شرا، وتزرع شوكا، وتمكر بهذه التجربة الوليدة، وهذا الحلم الباسم، حتى تحقق لهذه الطغمة ما خططوا له، وأجهضوا ذلك الوليد الشرعي، واستبدلوا به آخر، جاء سفاحًا بين آلة بطش دموي، ومعارضة نفد رصيدها، ولم تستطع أن تنجح في استحقاق ديمقراطي واحد. وزعموا أن أكثرية المصريين اجتمعوا في صعيد واحد، هو ميدان التحرير، وضخموا عدد الحاضرين بملايين، حتى قيل: إنهم عشرون مليونا أو أكثر، شكوا إلى الجيش أن يخرجهم مما هم فيه، بالانقلاب على الشرعية التي جاءت بها صناديق انتخاب حر، لا ريب فيه، ولم يمضِ على رئيسه المنتخب أكثر من سنة، لم يعينوه فيها بموقف مؤيد، أو بكلمة طيبة، فقرروا  عزل الرئيس، وإلغاء الدستور، وحل مجلس الشورى.

وحتى تكتمل الحبكة الانقلابية، جاءوا بشيخ الأزهر، وبابا الكنيسة، وممثلٍ لفصيل إسلامي ، لم يخبر السياسة وأغوارها، ولم يعرف دهاليزها وأسرارها، فظن الخير في غير أهله، إن لم يكن طامعًا في مغنم، أو خائفا من مغرم!

المشيخة تكليف لا تشريف

   أولا: أحب أن أشير إليك يا فضيلة شيخ الأزهر أن هذه المكانة التي بوأك الله إياها: تكليف لا تشريف، وأن لها ضريبة لابد أن يقوم بها من تولى هذا المنصب، وارتقى إلى هذه المنزلة.

لقد كان شيخ الأزهر يمثل أعلى هيئة إسلامية في العالم، كان الاحتلال يخشى فتاويه وقراراته، وكانت الدول العظمى تترقب بياناته وتصريحاته، لما يمثله هذا المنصب من تقدير واحترام واصطفاف من عموم المسلمين، فكانت غضبته غضبة لكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وتوجيهاته محل اعترافهم وتأييدهم ومناصرتهم، فكان واجبك يا شيخ الأزهر أن تكون شيخا لكل المسلمين، فضلا أن تكون شيخا لكل المصريين، وليس لفئة منهم.

ثانيا: إن التدخل في أمور السياسة والحكم ينبغي أن يكون له ضوابطه وأطره، وينبغي أن يكون عن إحاطة وعلم، وأن يرجع فيه إلى شرع الله، لا هوى الأنفس، وأن يرد إلى أقوال الأئمة، لا إلى البطالين والمفسدين .. لا أن يناديك فصيل فتهرع إليه، ويبث لك باطلا، فتتلقفه وتجعله من المسلمات، دون رجوع إلى مصادر، ولا مشاورة مع أهل الاختصاص.

 إن لم يكن لك علم بالواقع وبالمكايد السياسية، والدسائس الحزبية، وما يفعله كل فريق ليشيطن الفريق الآخر، وما هي ردود الأفعال في الشارع، وموازين القوى في المجتمع، وما يؤول إليه الأمر بعد اتخاذ قرارات متسرعة، لا تستند إلى حق، ولا تقوم على شرع، ولا تمثل الضمير الجمعي للأمة .. إن لم يكن لك نصيب من إدراك هذه المناكفات السياسية التي تموج موجا، وتلك المؤامرات الحزبية، فحري بك أن تتبين، وألا تنقض بيعة في عنقك يسألك الله تعالى عنها يوم القيامة، وألا تتحمل آثام دماء تسفك، وأرواح تزهق، وحريات تقمع، وأحرار يبطش بهم.

كان ينبغي ألا تلوث عمامة الأزهر، ولحية شيخه، بمساندة هؤلاء، الذين أثبتت الأيام القليلة الماضية فساد طوياتهم، وسوء مكرهم، وظمأهم نحو السلطة،  وسعيهم إلى سدة الحكم عبر دماء الشهداء، وأشلاء الأحرار .

أكتب إليك يا شيخ الأزهر؛ مؤمنا بأن التواصي بين المسلمين: التواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والتواصي بالمرحمة، من الفرائض الأساسية التي ألزم بها القرآن، وبأن المسلمين ليس فيهم من هو أصغر من أن يوصِي، ولا أكبر من أن يوصَى، فلا خير فينا إن لم نقلها، ولا خير فيهم إن لم يسمعوها.

فالنصيحة واجبة في شرع الإسلام، كما في حديث تميم الداري عند مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».

 أكتب إليك مذكرا بوصية أمير المؤمنين عمر لأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما:"لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك اليوم، وهديت فيه لرشدك: أن تراجع الحق فإن الحق قديم، وإن الحق لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ".

أكتب إليك وأنا أعلم أن رصيد الإيمان في قلبك، وآيات القرآن في صدرك، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في فؤادك، وأقوال أئمة الأمة في ذاكرتك، ستأبى عليك حتى ترجع، وتخاصمك حتى تنزع.

يا شيخ الأزهر أذكرك بإثم من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة، لا بموقف واضح مساند للظلم، ولا مؤيد للباطل بخطبة ، جُعلت غطاء لأعمال لا يرضى الله تعالى عنها، ولا رسله المصطفون، ولا ملائكته المقربون، ولا عباده المؤمنون.

أكتب إليك مستنكرا انفرادك بهذا الأمر الجلل، دون مشورة إخوانك من أهل العلم، في هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، وغيرهم من العلماء الصادقين، وما أكثرهم في الأمة لمن أراد أن يستعين بهم، والله تعالى يقول: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }[الشورى:38 ]  وقال سبحانه لنبيه{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } [آل عمران:159]. 

وفي الأثر: " ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار". 

وعن علي رضي الله عنه : من استبد برأيه هلك ، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها.

وما أصدق قول بشار:

   إذا بلغَ الرأيُ المشــــورةَ فاستعــــــنْ        برأي نصيحٍ أو نصيحة حازمِ

   ولا تجعل الشُّورَى عليكَ غضاضةً        فإن الخوافِــــــي قــــــــــــــــوةٌ للقوادمِ

(2) حول كلمة عزل الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي 3/7/2013

لقد كان خطابك للشعب المصري، بعد كلمة السيسي الانقلابية، مؤيدة لجرمه، معضدة لفعلته، داعمة لسعيه، ممهدة للقبول الشعبي لها، فهل ما قمتم به من الموافقة على عزل الرئيس محمد مرسي: عزل شرعي يا شيخ الأزهر؟ وأنت تعلم أن الدكتور مرسي رئيس شرعي منتخب انتخابا حرا، وأن طاعته لا تزال واجبة عليك، وعلى السيسي، وعلى كل من تطاول عليه. وأن هذا ما فرضه الله ورسوله، وما أوجبته قواعد الشرع وأحكامه، وما توجبه المصالح الوطنية العامة.

وأن القرآن والسنة أمرا الناس جميعا بطاعة الرئيس، فيما أحبوا وكرهوا، ما لم يأمر بمعصية، فإن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة. أي لا يسمع ولا يطاع في هذه المعصية. ولكن السمع العام لازم، والطاعة العامة لازمة، ما لم يظهر من الرئيس كفر بواح، عندنا فيه من الله برهان. والواقع يقول: إن الرئيس مرسي ، لم يأمر الناس بمعصية، ولا ظهر منه كفر بواح عندنا من الله فيه برهان!

وأنت تعلم يا شيخ الأزهر ما قامت به أجهزة الدولة ومؤسساتها العميقة، من محاولة تعويق مسيرة الإصلاح، بافتعال الأزمات، وتعطيل عجلة الإنتاج ، وكذلك التراخي الأمني المتعمد، الذي أظهر الداخلية في صورة المريض الذي أشرف على الموت، واصطناع أزمتي الكهرباء والسولار، إلى غير ذلك.

فلما تم للمفسدين ما ارادوا، إذا بالكهرباء لا تعرف طريق الانقطاع، ومحطات الوقود لا تجد من يبحث عن السولار والبنزين لكثرتهما، وإذا بجهاز الشرطة الذي يدعي الوهن ينتفض، مكشرا عن أنيابه، يضرب بمخالبه ذات اليمين وذات الشمال، في حركة مارد لا يهدأ، وجبار لا يرعوي!

هل الإسلام يدعو المسلمين إلى التخاذل البغيض، والاستسلام اليائس، أم يدعو المسلمين إلى مناصرة الحق، ودعم المصلحين؟!

وأما من الناحية الشرعية، فإن الشرع الإسلامي الذي يريده أهل مصر مرجعا لهم في دولة مدنية، لا دولة دينية ثيوقراطية، يوجب على كل من آمن به ورجع إليه؛ طاعة الرئيس المنتخب شرعا، وتنفيذ أوامره، والاستجابة لتوجيهاته، في كل ما يأمر به، وذلك بشرطين:

الشرط الأول: ألا يأمر الشعب بمعصية ظاهرة لله، بينة للمسلمين. وهذا ما صحت به الأحاديث النبوية المستفيضة التي رواها البخاري ومسلم وغيرهما:

"اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة" عن أنس بن مالك.

 "من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا، فيموت، إلا مات ميتة جاهلية" عن ابن عباس.

"السمع والطاعة حق على المرء المسلم، فيما أحب وكره، مالم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة" عن ابن عمر.

"إنما الطاعة في المعروف" عن عليّ.

وهو تأكيد لما أشار إليه القرآن حين قال عن بيعة النساء للنبي: { وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } [الممتحنة:12].

والشرط الثاني: ألا يأمر الشعب بأمر يخرجهم به عن دينهم، ويدخلهم في الكفر البواح، ويعنى به: الكفر الصريح، الذي لا يحتمل الشك والجدال، وهو ما جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: "بايعنا رسول الله على السمع والطاعة وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله" قال: "إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان" متفق عليه.

وقد تبينا بيقين: أن الرئيس الشرعي مرسي لم يأمر بمعصية، ولم يرتكب كفراً بواحاً، بل هو رجل صوامٌ قوامٌ، حريص جِدّ الحرص على طاعة الله تعالى.

فالواجب أن يظل رئيساً، ولا يجوز لأحد أن يدعي على الشعب أن له الحق في خلعه.

إن دعم الدكتور محمد مرسي رئيس مصر المنتخب، في أول تجربة ديمقراطية عرفها المصريون واجب شرعي، والخروج عليه معصية ظاهرة، لله تعالى، الذي يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}  [النساء:59 ].

 والنبي صلى الله عليه وسلم يقول، كما في حديث ابن عمر، عند مسلم: " من خلع يدا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية"

وفي حديث عبد الله بن عمرو، عند مسلم أيضا: " ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر".

هذه هي الحجة في الكتاب والسنة، يا شيخ الأزهر، ليس مصلحة مظنونة، ولا أخف الضررين، كما ظننت!

وهل ما قام به السيسي من الانحياز لفئة دون فئة، وأن يقسم شعبه إلى موالين شرفاء، ومعارضين إرهابيين ظلاميين؟! هل هذا أخف الضررين؟!

هل قضاء مصر الشامخ المُسَيَّس الذي افتتح مهرجان البراءة للجميع بحق رجال مبارك، والمتهمين بقتل ثوار25يناير، ثم أخذ يلفق التهم لأنصار الرئيس المختطف؟! بل للرئيس نفسه!!

ورجال القوات المسلحة الأبطال، الذين قتلوا وأصابوا الساجدين عند (الحرس الجمهوري)، وقتلوا وأصابوا القانتين الصادقين عند ( المنصة)، وقتلوا وأصابوا الألوف من المرابطين في ميادين رابعة والنهضة، بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله!!

 وقوات الشرطة البواسل، الذين قاموا باعتقالات واسعة في حق المظلومين من الشرفاء، واستعانوا بالبلطجية وأعانوهم، على قتل وجرح الآلاف من المصريين؟!

هؤلاء هم الذين سيشرفون على انتخابات نزيهة، تذكرنا بنزاهة انتخابات عصر مبارك، الذي لا يغيب عن مثلك، ما كانت تديره لجنة السياسات في حزبه،  وأنت تعلم كيف كان  أحمد عز ورجاله  يديرون هذه الانتخابات بالطريقة البائدة؟!

وهل بهذا الظلم البيِّن، والاغتصاب للحقوق، سيستسلم الفريق المظلوم، وسيتمكن الفريق المعتدي، ثم تقول بعد ذلك : يصلح الله به بين فئتين متخاصمتين؟!

هل غاب عنك يا شيخ الأزهر، منهج الإسلام في الصلح بين المختلفين، بل المتقاتلين من المسلمين، عندما قال سبحانه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الحجرات:9-10 ]. وقوله سبحانه{ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } [ النساء:59]

ألم يكن الأحرى بك، وأنت إمام الأزهر، أن تتدخل للإصلاح بين الرئيس مرسي ومعارضيه، وأن يكون للأزهر من المبادرات الشرعية ما يجفف منابع الخلاف، ويقتلع جذور الاحتراب؟!

ألم يكن أجدى بمشيخة الأزهر، وأنتم على رأسها، أن تأخذوا بزمام المبادرة، وتدعو الأطراف كلها لحوار جاد، يدعمه الأزهر، وتعلن نتائجه على المصريين، ويرفع الغطاء عمن لا يستجيب إلى هذا الحوار المجتمعي، بدلا من أن ترتضي لمؤسسة الأزهر العريقة أن تكون تابعة للمؤسسة العسكرية؟!

ليت الدكتور الطيب تعامل مع الدكتور مرسي، كما تعامل من قبل مع حسني مبارك، الذي أوجب على الناس تأييده، وحرم عليهم الخروج عليه!

 (3) بيان شيخ الأزهر بعد مجزرة الإسكندرية

حذر فضيلته من فتنة مهلكة تذهب بوحدة المصريين، تصرف قواتنا المسلحة عن مهمتها الأصلية، متجاهلا أن ما حدث في الأسكندرية وغيرها إنما هو اعتداء ظاهر، وتعدٍ بيِّن من قوات الشرطة المصرية المدعومة بعدد غفير من البلطجية، الذين يحملون الأسلحة النارية، والأسلحة البيضاء، ويصوبونها شطر إخوانهم المصريين، لا لشيء إلا أنهم أبوا أن ينزلوا على رأي الانقلابيين، ودافعوا عن حقوقهم وأصواتهم في الاستحقاقات الانتخابية كلها!

وهل صورة ما حدث في الإسكندرية فتنة تطل برأسها، أم مجموعة من المأجورين، الذين تحركهم الداخلية، وتحمي ظهرهم، يعتدون على المصليين في المساجد، ثم تقول لنا يا شيخ الأزهر: إنها فتنة!

لو أن ما حدث يا شيخ الأزهر، قد حدث في كنيسة أترى أساقفتها سيقولون: فتنة تطل برأسها، أم سينتفضون دفاعا عن دور عبادتهم، ودماء المتعبدين فيها، المعتدى عليهم؟!

ثم شرعت تذكر المسلمين بأحاديث حرمة الدماء، وإثم من ولغ فيها، والجزاء الذي ينتظر من أراق دمًا بغير حق، ووقوف المقتول أمام الله يوم القيامة مطالبا بالقصاص، إلى غير ذلك، فهلا وجهت الكلمة لمن يحرك هذه الأيدي، وهلا صدعت بالحق مطالبا من أقض مضاجع المصريين، وحرك الفتنة بينهم، أن يكف عن ذلك العمل الخبيث، وهذا المكر السيء؟!

هلا ذكَّرت هؤلاء الناكثين عهودهم بقوله تعالى:{فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ }[الفتح:10 ]

هلا تلوت لهؤلاء الماكرين المخادعين قول الله سبحانه وتعالى: { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر:43 ] ؟! هلا حذرت البغاة المعتدين ، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون بتحذير الله لهم: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُم} [ يونس:23]؟!

أم أن فضيلة الإمام يلقي هذه الكلمة هكذا حتى يريح ضميره الذي آلمه، ويهدئ نفسه التي ثارت عليه، وعمامته التي أبت عليه الصمت أمام هذه الفاجعة؟! ووالله لا تبرأ ذمتك بمثل هذه التصريحات الشاحبة، وهذه العبارات التائهة، وإن جاز هذا للضعفاء فلا يجوز لشيخ الأزهر، وإن قُبل هذا من الصغار، فلا يقبل من الكبار، أمثال الإمام الأكبر!

كان ينبغي أن تخاطب من بذر بذور الشر، وغرس غراس الانقلاب، كان ينبغي أن تخاطب من اعتدى ليكف عن عدوانه، ومن روع المسلمين ليكف عن ترويعهم، لا أن تضيع القضية، وتخاطب من لا يملك مفاتيح إنهاء الصراع، تاركا من بيده كل مجامع اللعبة!

(4) مذبحة الحرس الجمهوري 8/7/2013

ثم تحدث الدكتور الطيب: الإمام الأكبر شيخ الأزهر، بعد مجزرة بشعة، شاهد العالم أجمع وقائعها، وسجلت الكاميرات الحرة أحداثها، وقتل أحد المصورين الشرفاء وهو يصور قاتله، على مرأى ومسمع من الدنيا كلها، واتضح لكل ذي عينين: كذب ادعاءات الجنرال السيسي ومعاونيه، وما يبطنه هؤلاء الانقلابيون للأطهار من أبناء هذه الأمة، فاخترقت رصاصات الجيش صدور أبناء مصر العُزل ورؤوسهم، في حادثة لم يعتدها المصريون من جيشهم.

 لقد عرف المصريون جهاز الشرطة بفساده وإفساده .. عرفوه بقهره وعدوانه .. عرفوه بإذلاله وامتهانه! ولكن المصريين لأول مرة تخالط رصاصات الجيش المصري دماءهم وعظامهم وأفئدتهم، وهذه هي المفاجأة!

جاء في بيانك يا دكتور الطيب مطالبات منها: التحقيق الفوري في هذه الدماء وتحديد مرتكبيها، وتقديمهم للعدالة الناجزة، فجاءت نتيجة التحقيق لتقول: إن الجاني هو ذاته الضحية! والقاتل هو عينه المقتول! 

وإنني لأتعجب في أي عالم نعيش، وأي قانون يحكم الناس ؟! أهو قانون الغاب ، أم أننا نعيش في مصر الإسلام، ومصر العروبة، ومصر الحضارة؟! أما من حمرة الخجل لهذه الدماء الزكية؟! أما من وخز الضمير لهذه الأرواح البريئة؟!

كما جاء في بيانكم المطالبة تشكيل لجنة مصالحة وطنية تشكل خلال يومين على الأكثر!

فأين هذه اللجنة؟ ومن أعضاؤها؟ وهل انتهى اليومان اللذان حددتهما أم ما زال علينا أن ننتظرهما؟! ويا ترى كم من الأرواح ستزهق، وكم من الدماء ستسيل حتى ينتهي هذان اليومان؟!

وطلبت من وسائل الإعلام أن تتوقف عن التحريض على العنف، وعن شيطنة المخالفين، وتجنب ما من شأنه أن يزيد الاحتقان في الشارع المصري، وما زالت وسائل الإعلام تزداد سعارا، وما زال دعاتها ينفخون في النار، ويؤججونها.

وطالبت بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين الذين تم اعتقالهم عقب قرار الجنرال السيسي بعزل الرئيس، فلم نجد إلا زيادة في الاعتقالات، التي نالت رموز الإخوان، وغيرهم من السياسيين المعارضين لهذا الانقلاب العسكري، فهل أجابك الانقلابيون إلى مطلبك؟!

ثم طالبت بحماية المتظاهرين السلميين، ، فكلف الانقلابيون ألوية البلطجية، وكتائب المجرمين ، لحمايتهم على طريقة الداخلية، ولم يكن بد من إصابة هؤلاء المتظاهرين بالأسلحة البيضاء حينا، وبالخرطوش مرة أخرى ، وبالرصاص الحي أحيانا، ليعلم المتظاهرون قوة جهاز الأمن في بلدهم، وأنه قادر على حمايتهم!

وختمت مقالتك باعتكافك في بيتك حتى يتحمل الجميع مسؤوليته، وأود أن أسألك يا شيخ الأزهر، من الذي يتحمل مسؤوليته في هذا الوقت؟! الحمل الذبيح الذي اعتُدِي عليه، أم الذئب الغادر الذي انقض عليه وهو في محراب الصلاة؟!

ومتى كان الاعتكاف في البيت وسيلة من وسائل تغيير المنكر، وتأييد الحق؟!

وإذا جاز الاعتكاف لعوام الناس، فهل يجوز للعلماء، وبخاصة لشيخ الأزهر، لا سيما وأنت تتحمل مسؤولية كبرى عما يجري؛ جراء دعمك للانقلاب.

الله تعالى يقول:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ المائدة:8].

 لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أبي سعيد الخدري، عند مسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ". 

 (5) الدعوة إلى التظاهر لتفويض السيسي

كنا نظن شيخ الأزهر بدأ يراجع نفسه، وكنا نظن أن رصيد الإيمان في قلبه سيأبى عليه إلا الانحياز إلى الحق، وأن آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في صدره، ستدفعه إلى أن يكون من شهداء الحق، القائمين بالقسط، كما قال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ  } [النساء:135 ]، وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ  }  [ المائدة:8].

كنا نظنه نسي عضويته في لجنة سياسات الحزب الوطني، ونسي قوله في إحدى الفضائيات، حين سُئل: أيهما تفضل: الأزهر أم الحزب الوطني؟ فقال: كيف أفاضل بين الشمس والقمر؟! وظننا أن ثورة يناير وما أعقبها من الحريات، التي تمتع بها المصريون في عهد الرئيس مرسي، ستغير من ولائه للنظام السابق.

كنا نظن أن شلال الدماء المتفجر من شباب مصر وفتياتها، ورجالها ونسائها، بل وأطفالها، وأن آلاف الجرحى، ومئات المعتقلين، وما يحدق بمصر من مخاطر ستغير من ولاء شيخ الأزهر، وتجعله حكما عدلا، وقاضيا منصفا.

ولكنه أبى إلا السير في ركاب الفاسدين إلى آخر الطريق، لا يلوي على ناصح، ولا يستجيب لمشير، فإذا به يفاجئنا، وقد خرج من اعتكافه، على طريق  الرهبان والأساقفة، لينادي المصريين: أن يقفوا خلف السفاح القاتل المجرم عبد الفتاح السيسي.

ولا أدري ما معنى هذا البيان الطائفي، الذي يعلن فيه ثقته في الأهداف النبيلة لدعوة السيسي للتفويض بمحاربة الإرهاب والخارجين على القانون، وأين هو هذا الإرهاب؟! بل أين هذا القانون؟! هل الإرهاب الأسود والجهل والتخلف، هو التمسك بالشرعية وبالحرية يا شيخ الأزهر؟!

ثم ينادي جموع الشعب المصري لدعم قواتهم المسلحة والشرطة لمواجهة العنف والإرهاب الذي يكاد أن يحرق مكتسبات الثورة .

ولعمري أي إرهاب هذا الذي يستدعي الشعب المصري لمواجهته، وللتعاون مع الجيش والشرطة في القضاء عليه؟! أتريدهم أن يقضوا على إخوانهم المصريين الذين يخالفونهم؟! أتريد تفويض الجيش والشرطة في حصد الأرواح، وسفك الدماء؟!

أتريد تفويض السيسي ليصادر الحريات، ويقتلع جذور الديمقراطية، وينقض على إرادة الشعب، ويعيد الحكم العسكري من جديد؟!

ثم شرع يستجدي الناس ويذكرهم بحق الله وقدسية الأزهر أن يهبوا لإنقاذ مصر مما يتربص بها. فأي شيء يتربص بمصر يا شيخ الأزهر، وتريد أن تحمي مصر منه؟!

هل تريد أن تحميها من دينها؟! من إسلامها؟! من حريتها؟! من حقوق أبنائها؟!

إن الذي يتربص بمصر هم قادة العسكر، الذين لم يروِ ظمأهم ما نهبوه من خيرات مصر طوال (60) سنة، ويريدون ألا يدعوا فيها لمصري شيئا. الذين أكلوا اللحم، وضنوا بالعظام على المصريين، الذين لا يصبرون عن صفقات الأسلحة، والميزانيات السرية، التي لا رقيب عليها ولا حسيب، الذين يزعجهم نمو شجرة الديمقراطية، ويؤرقهم ظهور ثمارها، وقد اعتادوا أن يذيقوا الناس القهر، ويسوموهم الخسف!

(6) بيان شيخ الأزهر بعد مجزرة (النصب التذكاري)

وبعد مجزرة النصب التذكاري في شارع النصر، وما سالت فيه من دماء بريئة، وما ارتقت فيه من أرواح طاهرة.

جاء بيانكم يا شيخ الأزهر، مستنكرا لهذه المقتلة البشعة، والمجزرة المروعة، التي ارتقى فيها قرابة المائتي مصري، وأصيب الآلاف منهم. والذين قاموا بهذه المقتلة هم رجال الشرطة الشرفاء، الذين أثنيت عليهم في خطابك يوم عزل الرئيس مرسي، هؤلاء الذين يقتلون زهرة أبنائه، وخيرة شبابه.. أرادوا أن يطهروا مصر من كل حر شريف! وأن يجهزوا على كل أمل بريء، وأن يذبحوا معاني العزة والكرامة والإباء.

 هؤلاء المعتصمون الذين عرفوا الإسلام وتمسكوا به، وصفّوا أقدامهم في سكون الليل، يدعون ربهم رغبة ورهبة، وتضرعا وخيفة. يقتسم أحدهم جرعة الماء وكسرة الخبز مع أخيه، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، لقد أحيوا القرآن في حياتهم الطاهرة، وجسدوا خلق النبي محمد صلى الله عليه وسلم في معاملاتهم النبيلة، وأخلاقهم الفاضلة.

وذكرت أن هذه الممارسات ستفسد جهود المصالحة، وأنا أناشدك يا شيخ الأزهر فاصدقني: أين هي جهود المصالحة؟ وما هي شروطها؟ ومن هم طرفاها؟ ومن يملك أن يحكم في هذه المصالحة؟ هل هذه المصالحة في نظرك تعني: إما أن تستجيب لأوامر الانقلابيين وإما فالمقصلة أو غياهب السجون، أهذه هي المصالحة؟! أن تنزل على رأي المفسدين؟!

وإذا كان موقف الأزهر أنكم تستنكرون مواجهة العنف خارج دائرة القانون، فأين هذا العنف يا فضيلة الإمام الأكبر؟! هل مازلت تصدق تقارير الشرطة المصرية، التي قالت عن خالد سعيد،  شهيد الحرية ومفجر ثورة يناير: إنه مات بسبب جرعة (بانجو) زائدة، مع أن آثار التعذيب الوحشي ظاهرة على جسده؟!

وطالبتَ الحكومة المؤقتة ( الانقلابية) بسرعة الكشف عن أسباب هذه المجزرة البشعة وسرعة تقديم المسئولين إلى العدالة الناجزة، فجاءت الإجابة كسابقتها، لقد قتل الإخوانُ الإخوانَ، وفي رواية أخرى: لقد قاوم أهالي منطقة النصب التذكاري المتظاهرين! وعقلاء الأرض يعلمون أن المنطقة التي سالت فيها دماء مئات المصريين، وأصيب فيها آلاف منهم ليس حولها مناطق سكنية، بما يشير إلى سذاجة القول، وعدم إحكام كذبهم.

ودعوت إلى مائدة حوار جادة، ومن يدعو إلى ذلك لابد أن يكون لديه القدرة على إلزام المتنازعين برأيه الذي يراه، فهل باستطاعتك يا سماحة الإمام الأكبر ذلك؟!

هل تستطيع أن تعلن أن ما حدث لم يكن عن رغبة من جموع الشعب المصري، وإنما كان رغبة بعضهم، وأن الواجب علينا أن نعيد الحق لأصحابه، وألا نتمادى في الباطل؟!

ثم جاء استشهادك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، بأن القاتل والمقتول في النار، وكان حريا بك يا شيخ الأزهر وأنت تذكر هذا الحديث: أن تنظر إلى الواقع الحادث على الأرض، هل ما حدث في شارع النصر قتال بين فئتين، رفع كل منهما السلاح في وجه أخيه؟! أم هو اعتداء صارخ، وعدوان صريح من فئة تملك السلاح بمختلف أنواعه، ولديها أدوات البطش بتعدد وسائله، على متظاهرين عُزْل، لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم؟! الواضح أن القتلة  ظالمون فجرة، والمقتولين شهداء بررة.

كان يننبغي أن نصور الواقع على حقيقته، كيف لا، والله تعالى يقول: { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [ الأنعام:152].

 (7) بيان شيخ الأزهر بعد محرقة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة

وبعد مذبحة رهيبة، ومقتلة عظيمة، ولغ فيها الانقلابيون في دماء الأحرار من أبناء مصر وحرائره، وقُتل فيها الآلاف من خيرة شبابه وفتياته، ورجاله ونسائه، في هجوم لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر القديم أو الوسيط أو الحديث، انقض هؤلاء المجرمون على اعتصامي (رابعة العدوية) والنهضة، كالضباع الضارية، لا يخافون خالقا، ولا يرحمون مخلوقا..جاؤوهم من كل حدب وصوب، وأحاطوا بهم إحاطة السوار بالمعصم. في حين سلم الصهاينة من هؤلاء الجنود، فلم توجه نحوهم طلقة واحدة، منذ أربعين عاما، وهذا ما ذكرني بقول عمران بن حطان الخارجي يهجو الحجاج الثقفي:

أسَدٌ عليَّ وفي الحروبِ نعامةٌ    فتخاءُ تنفرُ من صفيرِ الصَّافرِ!

هلَّا برزتَ إلى غزالةَ في الوغَى    أم كان قلبُك فِي جَناحَيْ طائرِ؟!

  شاهد العالم كله صورا تدمي القلوب، وتمزق الأكباد، وتبكي الأعين، ونحن نرى رؤوسا تتفجر، ووجوها تتمزق، وأبدانا تتحرق، ولا يشفي هذا غليل الظالمين، بل يظل سُعارهم يشتد طلبا لمزيد من الدماء.

لقد كانت نتيجة ذلك يا شيخ الأزهر تلك المقتلة العظيمة من هذه الفئات المسالمة، التي تربت على الخشوع والقنوت، والصيام والقيام، في حر الشمس، ومشقة الصيام، وعلى صلاة التهجد، وعلى الأخوة والحب والإيثار، هؤلاء الصائمون القائمون، الراكعون الساجدون، الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر، الحافظون لحدود الله.

 وقد شهد الجميع – مصريون وأجانب- أنهم سلميون مسالمون، تقدموا بصدورهم العارية للرصاص الحي،

وكانت الحصيلة من الشهداء والجرحى بالآلاف، ممن ضُربوا في رؤوسهم، أو في رقابهم، أو في بطونهم، وليسوا كما هونتهم بقولك (عدد من الضحايا) !!

هؤلاء شهداء يا شيخ الأزهر، وإن أبيت، وهذا وصف ثابت لهم في السنة النبوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قال إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله".

وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:" من قتل دون ماله فهو شهيد".