الوقت غير مناسب

أحلام النصر

توطئة

الوقت غير مناسب ! .. عبارة يلوّح بها بعض الناس كلما دعا المجاهدون إلى أمر معيّن أو قاموا بتصرف ما ، مع ملاحظة أن هذه العبارة لا تُرفع إلا في وجه المجاهدين ! ..

وإلا : ففسوق الفسقة ونعيق الناعقين والاستهزاء بالدين والتهاون في الطاعة وسائر هذه الأمور : توقيتها مناسب جدّاً خاصة في وقت الحرب والنكبات !!!!!!!!!!!!!! ..

وشمّاعة (لا تدققوا) تسع كل المخالفات ! ، أما المجاهدون : فالتدقيق عليهم بات عملَ مَن لا عمل له ، حتى لو لم يكونوا مخطئين في الأصل على فكرة !! ..

من هذا المنطلق كتبتُ مستعينة بالله تعالى المقالات التالية : 1- تحكيم الشريعة ، 2- تصرفات المجاهدين ، 3- الأسلوب ألاً .. وأخيراً !! ، 4- الانتخابات .. وما أدراك ما الانتخابات !! .. لنرى معاً : هل الوقت غير مناسب فعلاً ؟؟ وإلى متى ؟؟ وانتظار الوقت المناسب عند أولئك : على أي أساس سيكون ؟!!! ..

والله الموفق .

(1) تحكيم الشريعة

إزاء ما نعيشه من مآس مريعة ... وخاصة أننا مخذولون من العالم كله إلا من ثلة مؤمنة مجاهدة من إخواننا هي عون لنا بعد عون الله عز وجل ، وأمام ما نسمع ونشاهد مِن صفاقة ساسة العالم الذين تسمح لهم وقاحتهم بالحديث عن مستقبلنا والتحكم في أمورنا رغم مساعدتهم للظالم المجنون علينا : نجد مِن بني جلدتنا قوماً بلغ منهم الذل والضعف مبلغه : فباتوا يميلون في أمورهم مع العدو كيفما مال ؛ على أمل أن يصبح جيداً يوماً أو يخفف من توحشه حيناً !!!! ، ولا أعرف لمَ عليه أن يفعل بينما هو يرى الذل منهم ولا يرى الردع !!! .. وبات الإيمان بالله عندهم لا يتجاوز حدود إقامة الصلاة (إن أَذِن العدو بذلك طبعاً !) ، أما مسألة أن الله أقوى الأقوياء وأن أمورنا بيده وحده لا بيد أولئك الذين ينهارون أمام أبسط كارثة أو أزمة أو ثلة شبابية مجاهدة : فهذا مما لا يجوز الحديث عنه أصلاً عندهم !! ..

فلا عجب إذاً أن نراهم يشنّعون على المجاهدين لأنهم يريدون الخلافة على منهاج النبوة بدعوى أن الوقت غير مناسب !! ، مع أن المناداة بالخلافة صفعةٌ كبيرة – حتى من الناحية السياسية - لمن يحاول التسويقَ لحكم مجنون ظالم جديد أو يدعو إلى تقسيم سوريا من أعدائنا ، ويريد إفهامنا بأن هذا الحل هو حبل النجاة لما نحن فيه !!! .. فسيجد الأعداء إزاء مناداتنا بتحكيم الشريعة أن عليهم هم مجاملتنا حتى لا يجلبوا على أنفسهم ما يكرهون ! ..

إضافة إلى أن الله أمرنا بالعمل مهما كانت الظروف ، وأوجب علينا ذلك دون أن نسأل عن النتيجة فهي بيده وحده جل جلاله ، وإن كنا سننظر إلى النتيجة ونظن بعقولنا القاصرة أنها لن تكون لنا ونتخلى بسبب هذا عن العمل : فهذا يعني أننا تحولنا إلى قضاة نحقق مع الله عز وجل والعياذ بالله !!!!! بدل أن نكون عبيداً مطيعين ننفذ ما علينا والسلام ! ..

هل يستقيم عقلاً أن يترك المزارع الزراعةَ لأن الأشجار لن تنهض حالما يضع البذور في الأرض بل ستستغرق زمناً قبل ذلك ؟؟؟ لا طبعاً ! .. نحن عندما نعمل نكون على الأقل قد قرّبنا المسافة على الأجيال القادمة !! .. عدا عن أن الله تعالى يبارك في عمل العاملين ، شرط أن يكونوا مخلصين وأن (((يعملوا))) !! ..

هذه نقطة ، النقطة الثانية : هل جعل الله تعالى عملَنا سبباً حتميّاً لقيام الخلافة وتحكيم الإسلام ؟؟ ألا يقدر الله عز وجل أن يُرسي الخلافة في أقل من طرفة عين ودون أن نعمل نحن شيئاً ؟ .. بلى إنه على ذلك قادر ، ولكنه عز وجل أمرنا بالعمل ليتحقق الابتلاء وليتميز الخبيث من الطيب وليهلك من هلك عن (بيّنة) ويحيى من حيّ عن بينة ، ليدخل المؤمن الجنة بعد جهاد ، وليدخل الكافر النارَ عن استحقاق !! .. فإن كنا سنساوم على النتيجة : فمن أين لهذا الابتلاء أن يتحقق ؟؟؟

ما أدرانا نحن بالوقت المناسب ؟ هل فينا أصلاً مَن يعرف ما سيجري في المستقبل ؟ هل فينا مَن توقع أن تقع هذه الأحداث كلها على هذه الشاكلة ؟؟ فلمَ لا نركز في دائرة اختصاصنا (العمل) ونكل النتائج إلى الله تعالى كما أُمرنا ؟

بعضهم كان يقول : جيلنا عانى الكثير ولذلك وصل إلى قناعة أن الخلافة لا يمكن أن تقوم وأن الأعداء أقوياء جدّاً ولا يمكن أن نهزمهم فالأفضل أن نجاملهم عل الأوضاع تتحسن !!! .. فكنتُ وما زلتُ أجيب : آه نعم إنها ستتحسن بالتأكيد !!! .. والدليل أنهم يحاربون الحجاب والنقاب والصلاة والزكاة وقبل كل هذا : الجهاد !!!! .. فيا لها من مبشرات للتحسن !!!! .. إن معاناتكم السابقة ينبغي أن تدفعكم إلى مساعدة جيلنا حتى لا تضيع ثمار الثورات التي قام هو بها ، لا أن تقفوا في وجهه لأسباب أكل الدهر عليها حتى شبع وشرب بعد الأكل الشايَ ... في حين أن قوى الشر باتت الآن مفلسة ضعيفة !! ..

 ألا يكفي أنكم عانيتم أنتم ؟؟ هل يجب أن نعاني نحن أيضاً ؟؟ وإلى متى هذا الحال إن شاء الله ؟؟ ولمَ لم تساعدوا المجاهدين عندما جاهدوا ضد أولئك الأقوياء جدّاً حسب زعمكم ؟؟؟؟ أليس في مساعدة المجاهدين وعدم خذلانهم مكسب للإسلام والمسلمين كبير ؟؟ بأي شيء أفادكم التخاذل ؟؟؟؟ هل ثمّن لكم (الأقوياء جدّاً !!!) خذلانكم للمجاهدين وكفوا شرهم عنكم ؟؟؟؟ أم ازدادوا غطرسة وجنوناً ؟؟؟ ثم هل هؤلاء الأقوياء جداً أقوى من الله ؟؟؟؟ لا أريد أن تنفوا هذا الكلام شفهيّاً .. لسبب بسيط : وهو أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل !! .. وليس من الإيمان في شيء أن نتعامل مع أعدائنا وكأنهم آلهة لنا !!! ..

وإن سألناهم عن البديل لحكم الله تعالى : تعبت أقدام فكرهم الأعوج من اللف والدوران !!! .. وتلقى كل اهتمامهم منصبّاً على رأي الآخرين وقَبول الآخرين ولو كان الآخرون شياطين أو مجانين أو ظالمين !! .. بدل أن يكون مركّزاً على ما يليق بالتضحيات ، ومعتمداً على وعد الله تعالى بالعون والتوفيق !! .. خاصة وأن النصر للحق والعاقبة للمتقين !! ..

وسأختم بأمر أخير : ألوّح به لأولئك الذين يقولون : دعوا الناس تختار فإن اختارت غير الشريعة فنحن مقصرون في الدعوة ..... وأقول لهم : هل نسيتم يا سادتي أنكم - في حين يتعاون أعداؤنا على إعداد العدة الظالمة للمستقبل - تقفون أنتم وفي هذه الظروف بالمرصاد لكل من يحاول ممارسةَ الدعوة وعرضَ الأحكام وتدريسَ الشريعة وتهاجمونه إلى درجة نسيان الظالم الحقيقي أحياناً : بدعوى أن الوقت غير مناسب؟؟؟؟

فلو كنتم صادقين : لأعنتموهم على الأقل في رعاية زهور النصح والإعداد للغد ، بدلاً من خنقها بعبارات (ليس وقته ليس وقته) !!! مع أنهم يعدُّون ويجاهدون ، بينما غيرهم لا يجاهد ولا يفكر إلا في مصالحه الشريرة وطرق فرضها على المستقبل دون أن يجد من يصفع وقاحته بكلمة واحدة !! ..

فقولوا بصراحة ماذا تريدون ! .. لأن موضوع (المجاهد يكافح ويضحي ، والعلكاني يقطف الثمرة ويُدخل الناس في الجدران) : بات مكشوفاً وقد بَلِيت موضته ، فواكبوا العصر وفتشوا عن حجة أخرى !! ..

يتبع ،،،

(2) تصرفات المجاهدين

عندما يوشك الغريق على الغرق ولا يجد سوى يد واحدة تمتد إليه : فإنه يسارع إلى الاستنجاد بها دون أن يسأل عن صاحبها أو يحرص على معرفة قصة حياته ! ، وهذا ما كان كثيرون يصدّعون رؤوسنا به عندما كان التسويق للناتو على أشده !! ، فقد صار الناتو ذا قلب كبير وعطف غزير !! ، وعلينا أن ننسى كل شروره ، وأن نكون أنانيين فلا نحاسبه على جرائمه بحق إخوتنا ، وعلينا أن نكون واقعيين فلا نتحدث عن غاياته وأجنداته وما يريد فرضه علينا في سوريا الغد !! .. كل هذا علينا أن نصنعه : من أجل أن يتنازل حضرة الناتو ويفكر بأنه قد يقرر في يوم من الأيام أن يقول عنا إننا محقون في الثورة ولا بأس من مساعدتنا !!!!! ..

ولكن ويا للعجب ! .. لم نجد هذه القاعدة مطبَّقة عند هؤلاء على إخواننا المجاهدين الذين تحدوا العالم كله وهبوا لنصرتنا هازئين بالصعاب !! ، وكانت جريمة المجاهدين أنهم يريدون تطبيق الشريعة التي لن ننتصر إلا بها !! ، وظهر الكاذبون على حقيقتهم ، وذاب طلاء حرصهم الكاذب على الشعب واستخدام هذا التبرير لتمويه مغازلتهم للغرب !! ، وتجلى ذلك في هجومهم العجيب على المجاهدين ، ومحاولتهم تشويه كل أعمالهم وبطولاتهم ، وحتى اختراع الأخطاء والسلبيات عند اللزوم !! .. 

لكن الله لهم بالمرصاد ! .. فمَن أين لهم هذا الحرص العجيب وهم لم يجاهدوا ولم يبذلوا ولم يضحوا ولو إلى فترة بشهواتهم ومصالحهم ؟؟؟ فيا هؤلاء : لا تبالغوا في استحماق الناس لأنهم ليسوا حمقى !! ، واسمحوا أو لا تسمحوا بأن أوجه لكم هذه الصفعة : ما رأيكم أن تتعاملوا مع المجاهدين على أنهم (ناتو) إن لم تريدوا التعامل معهم على أنهم مجاهدون مسلمون يضحون بأرواحهم من أجلنا ؟!! .. إذ لو دخل الناتو إلى سوريا وفسق وعربد وفجر وسكر : لولولتم علينا بأن نغض الطرف عن كل ما فعل ويفعل وينوي أن يفعل ! ؛ بحجة أن المهم هو محاربته لبشار الجزار !!! ولصرعتمونا بعبارة : لا تدققوا !!! ... وكلنا نعلم غايات الناتو وجنون الناتو وأجنداته الظالمة الشريرة ، ولن أذهب بعيداً ، فها هو مع بشار ومع ذلك هناك من يريد منا تقديس الغرب ومجاملته !!!!!! .

وها أنتم أولاء تطلبون عدم التدقيق على مظاهر التبرج والتدخين وترك الصلاة ووو إلخ – مع أننا في حالة حرب ضروس - !! ، فما رأيكم أن تضيفوا المجاهدين إلى قائمة عدم التدقيق عليهم إن طبقوا شريعة الله ومارسوا الدعوة ؟!!! .. أطلب هذا فقط ، ولن أطلب ما هو فوق الطاقة بأن تغاروا أنتم أيضاً على محارم الله وتقوموا بواجبكم تجاه شريعته ! .. 

غير أن عبيد الهوى هؤلاء : يريدون التهاون الآن في حال الحرب ؛ ليكون هذا التهاون ممهّداً لإسقاط الحكم بالشرع في حال السلم ! .. ويا لها من غاية خبيثة لا ينبغي أن يصلوا إليها ! ..

ولذلك يا إخوتي المسلمين : لا تساعدوا الفاسدين في الوصول لغاياتهم الشريرة ، بل كونوا للمجاهدين عضداً في جهادهم القتالي والفكري ، وانفضوا عنكم بقايا التأثر بالإعلام الخبيث ؛ فالصواب هو وحده المقدس ، وآراء الآخرين نرميها في سلة المهملات ، كما أن العلكانيين والفسقة والعصاة لن يقدّروا لنا تضحيتنا بالشريعة ، ولن يقدّروا لنا شجارنا مع إخوتنا من أجلهم وأجل معاصيهم وشهواتهم !!!! .. والنصر من عند الله تعالى فقط لا غير ولا بد أن نتعاون في طاعته حتى يكرمنا به ، وحتى إن أردنا معاتبة المجاهدين أو مراجعتهم في أمر من الأمور : فليكن هذا بأخلاق الإخاء الإسلامي أذلة عليهم ، لا كما غرس الإعلام الخبيث في أذهان أبناء الأمة ؛ فصار البعض منا يبالغ في ملاطفة غير المسلمين إلى حد البلاهة رغم كل جرائمهم في حقنا ، بينما تجده كالمقاتل في معركة إن تكلم مع مسلم مثله !!! .. 

الثورة لكي تكون كاملة : لا بد أن تقتلع الفساد من جذوره ، وتقيم مكانه الحكم الإسلامي الذي يسع كل إنسان ، ويمنحه العدالة والأمان والحقوق ، وإلا .. فسيكون كل عنائنا هباء منثوراً ! ..

(3) الأسلوب أولاً وأخيراً !!!!!

معلوم أن النفس لا تتقبل إلا الكلام اللطيف الحسن ، ولا تسمح لسواه أن ينفذ إلى أعماقها ، كما أنها تستثقل الشدة والفظاظة والكلام الغليظ ، وقد أرشدنا الله عز وجل إلى الدعوة الحكيمة والأسلوب الحسن فقال تعالى : {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} ، وقال عز وجل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم : {ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلب لانفضوا من حولك} .

كل هذا لا غبار عليه فهو أمر الله تعالى أولاً وأخيراً ، ولكن الغبار بل والزوابع هي في خبث أعداء الإسلام الذين يحاولون أن يجعلونا (مائعين) لا ناصحين ، وأن يحولونا إلى (مذبذبين) بدل أن نكون ثابتين ... وكل هذا من باب الأسلوب ! .. ويجدون من المتأسلمين الحمقى مَن ينصاع لهم ويعبث بالأمر الإلهي ليحرفه عن الغاية منه وينفّذ ما يريدون ! ..

ففي رأيهم الأعوج الذي صرعنا به إعلامهم الخبيث : الأسلوب الحسن هو أن نشحذ رضا الآخرين ، وألا نمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأساس ! ، وألا نفكر في الاعتراض على أي شيء ! ، كما لا بأس أبداً أن يقوموا هم بالتوسع في الموضوع – في ظل انهزامية بعض المتدينين ونكوصهم عن النصح خوفاً من تهمة الأسلوب الفظ ! – فنجدهم يفرضون معاصيهم علينا ، ويحاربوننا حتى في الحجاب واللحية والصلاة والجهاد !! ..

أي أن الأمر صار متعلقاً بالمضمون !!! ، ولكن وسيلتهم لإغفالنا عن هذه الحقيقة : هي التبجح بالأسلوب !! ..

وأنا هنا لا أريد التعرض إلى أصحاب الهوى والشهوات أكثر من ذلك ؛ فما يعنيني أمرهم في كثير ولا قليل ، إنما أريد أن أنبه إخوتي في الإسلام إلى أن الأمر قد يبدأ بـ (أسلوبكم فظ مهما فعلتم : فلا تنصحوا) وينتهي بـ (الشرع مرفوض دائماً وأبداً : فلا تحاولوا) ! .. ولا بد أن نقف على المسألة بقوانين شرعنا وحده ، لا بتأثير الآخرين الذين لا يدانيهم أحد في الصفاقة ويريدون منا في الوقت نفسه أن نجاملهم !!! ..

********

إن ديننا – يا إخوتي – دين دقيق يضع الأمور في مواضعها دون أن يتركها تحيد عن ذلك قدر أنملة ، وعلى هذا الأساس علينا أن نتعامل مع كل أمر من الأمور ، ومنها الأسلوب ..

1- فالأسلوب لا بد أن يكون في نطاق اختصاصه دون أن يتعدى عليه ؛ إنه يكمن في (طريقة عرض الفكرة) وليس في (الفكرة) نفسها !! .. فالمضمون هو الأهم ، وهو الغاية التي يكون الأسلوبُ وسيلتَها وليس العكس ! ، والحرام يبقى حراماً ولو لطم عشاقُه ، والواجب يبقى واجباً ولو غضب الكسالى ، وما يكون لأحد منا أن يغيّر من أحكام الشرع مقدار ذرة لإرضاء أحد كائناً مَن كان ، ولو وُصف بسبب ثباته على الحق : أنه فظ وذو أسلوب غليظ ! .. فالتحجج بالأسلوب : موضة مكشوفة ! ..

وبالمناسبة : مهما كان الأسلوب جيداً : فإن أصحاب الباطل لن يصفوه كذلك ، بل ستأخذهم العزة بالإثم فيرفضون ، ويتحججون – ليدفعوا عن أنفسهم التهمة ! - بأن أسلوب النصح كان فظّاً ! .. دون أن يقرّوا بأنه كان حسناً ، وأن أسلوب رفضهم هم : كان غاية في الوحشية ! ..

ولماذا يفعلون ذلك ؟! ؛ لسبب بسيط : ((وهو أن المضمون هو المهم ، وهم (في النتيجة) لا يريدون الانصياع للحق والسلام)) !! .. إذاً : فليكن اهتمامنا بالأساس منصبّاً على الحق لا على مجاملة الآخرين ! ..

2- كما أن الأسلوب أيضاً يتنوّع حسب الشخص المتعامَل معه ؛ فلا يكون لطفاً دائماً ، ولعل أهم درس يلخص تنوّع الأسلوب وحالاته : هو ما قام به الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه مع الروميِّيَن في معركة اليرموك .

إذ جاءه رومي وقال له بتكبر ووجه مكفهر وخد مصعّر ولهجة متعالية صفيقة : لقد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم إلا الجهد والجوع !!! ، فإن شئتم أعطيتُ كل واحد منك عشرة دنانير وكسوة وطعاماً, وترجعون إلى بلادكم , وفي العام القادم أبعث إليكم بمثلها !!!! ..

فلو أن خالداً رضي الله عنه تصرف بمبدأ مذبذبي هذا الزمان : لقبَّل الأيدي والأرجل ، وتوسل لذلك الصفيق أن يقتنع بأن المسلمين قوم لا بأس بهم دون أن ينسى شكره على كرمه الكاذب المليء بالتعالي !!! .. مما يعني أن يزداد الرومي غطرسة وتكبراً وتعجرفاً .. فلا يرفض الحق وحسب ، بل علاوة على ذلك : سيستصغر الحق وأصحابه لما رأى فيهم من الخنوع والذل !! ..

ومِن أين للطف أن يُجدي مع ذلك الرومي ... بينما في نفسه (سد) يحول بينها وبين القناعة والتفكير السليم ؟؟ ومثل هذا السد سيكبر إن وجد أن الطرف الآخر ذليل يستجدي ويتوسل !! ، بينما الصواب يقتضي (تحطيم) هذا السد حتى يستطيع صاحبه أن يفهم ! .. والتحطيم يحتاج إلى (قوة) و(شدة) ! ..

ولذلك انتفض سيدنا خالد بعزة المؤمن وكرامته وقال : إنه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت , ولكننا قوم نشرب الدماء,  وقد علمنا أنه لا دم أشهى ولا أطيب من دم الروم , فجئنا لذلك ... نحن قوم نحرص على الموت كما تحرصون أنتم على الحياة !! ..

فبُهِتَ الذي كفر ! ، وخنس وانكسر !! .. وهذا ما يجب أن يكون ؛ فلا ذل مع أصحاب الباطل الوقحين الصفيقين !! .

ثم جاء رومي آخر وتكلم بأدب وسأل سؤالَ مَن يبحث عن الحقيقة ويريد الوصول إليها : أصدقني القول : لمَ جئتم إلينا يا خالد ؟ .. ومثل هذا الشخص : لا (سد) في نفسه يحول بينه وبين الفهم والقناعة ؛ إذاً لا حاجة لتحطيم شيء غير موجود ! ؛ لذلك اختلف الأسلوب واختلف الكلام ، وبعد حوار صغير : أسلم الرومي – واسمه جرجة – وقاتل في صفوف المسلمين ومات شهيداً ! ..

فمع الباحث عن الحقيقة : النقاش واللطف والظرف ، ومع الصفيق المتبجح : الردع وإيقافه عند حده بعزة المسلم ، ومع الظالم القاتل المجرم : خلع الرقاب ولا كرامة ! .. أما إن حدث خلط بين ما سبق : فسينتج لنا كوكتيل مرّ المذاق ! ..

 فليت شِعري أين هذا كله من مذبذبي عصرنا من المتأسلمين ؟؟ والذين يحرصون على رضا الآخر وملاطفته ولو كان ظالماً ووقحاً ومجرماً يذبح أطفالهم ويسخر من دينهم ليل نهار ؟؟ ولو أدت بهم تلك المجاملات الذليلة إلى الشجار مع إخوتهم المسلمين وبأسلوب فظ قاسٍ – إذ اللطف حكر على الأعداء عندهم !! - ؟!!! ... بينما الأعداء أنفسهم يحترمون مَن يحترم نفسه ويقدّس دينه ويدافع عن حرماته !! ، ويستصغرون مَن لا يعرف طريقة الأسلوب الأمثل للتعامل معهم !! ..

ألا إن أتباع الحق لن يرضوا بحق ممزَّق أو مقنَّع !! ، وإن عشاق الهوى لن يرضوا بهوى مرتَّق أو مرقَّع !! .. فلا تكن من المذبذبين .. لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ؛ فلن تكسب واحداً منهم !! ، بل كن من العاملين المخلصين ، والعاقبة دوماً وحصراً للمتقين .

(4) الانتخابات !! .. وما أدراك ما الانتخابات !!!

يتكلم قوم عن الانتخابات ويدندنون بها ويزعمون أنها الخلاص ، وكفى بأننا سنقلد الغرب عبرها لنعتقد أنها محطة الآمال !! ؛ لدرجة أنهم جلبوا إلي شعوراً أننا ثرنا من أجل الحصول على هذه المخلوقة المقدسة : الانتخابات ! ..

ولا يغفلون طبعاً عن الاستشهاد بما جرى في سقيفة بني ساعدة وكيف صار الصحابي الجليل أبو بكر الصديق خليفة ! ، كعادتهم في طرح كلامهم ثم الإتيان بأية قصة من التأريخ وإلصاقها بكلامهم دون دراستها بشكل دقيق ، ودون إسقاطها على واقعنا بشكل صحيح ! ..

ولكن الأمر يحتاج إلى دقة في تناوله وعرضه من جوانب عدة !! ؛ ولنبدأ مع سقيفة بني ساعدة التي كان التشاور فيها دائراً بين (كبار الصحابة) حول (الشخص) الأجدر بالخلافة ليطبّق (الشريعة) ويسير بالناس على درب محمد صلى الله عليه وسلم ، وانتهى الأمر بمبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو مَن هو في صفاته ومزاياه .

ولا ننسى في الوقت نفسه أن سيدنا أبا بكر رضي الله عنه أوصى بالخلافة إلى عمر رضي الله عنه ، وأن سيدنا عمر بن الخطاب اقترح أسماء عدة صحابة ليكون التشاور دائراً حولهم ، وقد اختلف شكل الحكم في العصور التالية أيضاً وهكذا .. وها هنا عدة نقاط مهمة :

1- فالانتخابات من حيث هي : وسيلة وليست غاية (وهذا مهم جدّاً) ؛ بمعنى : أن الغاية (والتي هي : أن يصل للحكم حاكم تطابق صفاته مواصفات الحاكم في الشريعة الإسلامية المبيّنة في مواضعها من كتب الفقه) هي الأهم ؛ فليس علينا أن نطلق صيحات الفرح إن حصلنا على الانتخابات ولم نحصل على النتيجة ! ، وما دامت الانتخابات وسيلة : فهذا يعني أن هناك وسائل أخرى فليست هي الوسيلة الوحيدة ! ، والمهم في كل حال هو الوصول إلى الغاية ! ..

والدليل على هذه النقطة : اختلاف طرق التعيين عند السابقين رضوان الله عليهم ، فكل واحد منهم وصل بطريقة مختلفة إلى الحكم ، ولكن المهم : أن كل واحد منهم كان حاكماً عادلاً ، بل الأهم : (أن الشريعة الإسلامية كانت مطبَّقة) ! .. وتفصيل ما بين القوسين في البند الثالث ..

2- والانتخابات لا بد أن يقوم عليها – شأنها شأن كل وسيلة أخرى – أهل الاختصاص المشهود لهم بأنهم مختصون فعلاً علميّاً وخلقيّاً .. هل يرضى أحد بأن يعالجه بائع خضار ؟ أو أن يصبغ له بيته طبيب جراح ؟ فكيف نرضى أن يقوم على هذا الأمر المهم والخطير غير أهل الاختصاص ؟!! .. وعوداً أيضاً على حادثة السقيفة : كبار الصحابة هم الذين دار بينهم النقاش ، ولم يكن بينهم شخص واحد من المنافقين ! .. فلم يكن الصحابة يجاملون في هذه القضايا الخطيرة ! ، كما لم يكونوا يغامرون بمستقبل الناس ومصالحهم من أجل خاطر هذا وزعل ذاك ! ..

3- الانتخابات لها اختصاص معيّن ؛ وهو اختيار شخص للحكم بناء على مواصفات الشرع ؛ لأن الله تعالى لم يقل لنا : فلان حاكمكم ، بل وضع لنا صفات لا بد من توفرها في شخص الحاكم .

هذا هو اختصاص الانتخابات ، فلا يجوز أن تخرج من نطاق اختصاصها هذا والمتعلق بـ (الشخص) إلى تناول موضوع الحكم وماهيته كما يشتهي البعض أن يكون !! .. وهكذا بقية الوسائل الأخرى : كلها تتعلق بـ (شخص) الحاكم لا بماهيّة الحكم .

فالانتخابات إذاً : لا علاقة لها بمضمون الحكم ومادته ؛ لسبب بسيط ؛ وهو أن الله تعالى هو الذي حدد لنا موضوع الحكم وماهيته ، وأنه الحكم بما أنزل الله تعالى ، وأحكام الفقه استوعبت ذلك تماماً بالشرح والتفصيل ، وكتب علماء الإسلام وعباقرته بناء عليها تآليف رائعة في أسس الحكم وشكل الدولة وحتى أدق التفاصيل ! ، وهذه الأمور التي يريد منا حمقى بني جلدتنا أن نتركها : الغرب نفسه أخذ منها الكثير ! ..

ولا يخفى على عاقل ما في ذلك من حفظ عظيم لمصالح الناس في مختلف النواحي ؛ فحتى لو كان الحاكم ظالماً فإنه لا يستطيع أن يُطلق لظلمه العنان الكامل لأن القانون هو الشريعة وهو ملزَم به ! ..

كما لا يخفى على عاقل ما في تجاهل ذلك من خطر كبير ؛ فالحكم بغير ما أنزل الله تعالى : يعني الحكم بما يريده البشر ، ويعني أن تكون الشعوب تحت رحمة فلان وتتعلق مصالحها بعقل فلان الجاهل القاصر ، أو تكون كما يشتهي علان صاحب الهوى ؛ حتى ندخل في الجدران ! .. ولمَ كل هذا العناء وشرع الله واضح كالفجر الأبلج ؟! .. بل متى عانت البشرية من الظلم والفساد والجهل والتدهور إلا عندما عُطلت الشريعة الإسلامية عن الحكم ؟! .. في زمن الحكم بها : لم يبقَ فقير ! ، في زمن الحكم بها : عاش الجميع مسلمين وغير مسلمين خيرَ حياة في كل صعيد ! ؛ وذلك كله بفضل أحكامها لأنها من عند رب العالمين ! ..

وقد حذَّرنا الله تعالى من اتباع الهوى وعدم الحكم بما أنزل في آيات كثيرة ؛ منها قوله تعالى : {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون *} ، ومَن رفض الحكم بشرع الله تعالى فإما أنه جاهل لا يفقه من الشرع شيئاً ، وإما أنه صاحب هوى على صعيد شخصي : لن يتمكّن من الفساد والإفساد والجنون والمجون في ظل الشريعة التي تقف بالمرصاد لكل مفسد ومجرم ، وإما أنه صاحب هوى على صعيد عام : يريد أن يحكم هو بهرائه وضلاله ليضحك على الناس ويستعبدهم ويجني الأموال ويستحوذ على المناصب دون حق ! .. وماذا لو أنه كره أحداً أو كانت بينه وبينه عداوة شخصية ؟ ماذا لو ظلمه أو أكل حقه ؟! .. وأي قانون هذا الذي سيجبره على العدل ولو مع وجود البغض إن كان قانوناً وضعيّاً يستطيع أن يعدله أو يقفز فوقه ؟!! .. لا يضمن الحقوق إلا الإسلام ! ..

فأين هذا ممن يعطي الانتخابات قدسية ويجعلها الغاية المرجوة ، ويريد أن تعم الانتخابات كل أمر ؛ من شكل الدولة إلى مضمون الحكم إلى اختيار الحاكم ؟! .. وأين هذا ممن لا يجد بأساً في أن يتقدّم لها شخص غير صالح متحججاً بحجج سخيفة وجاعلاً من رضا الغرب الغايةَ الكبرى ... متناسياً أن الغرب سيدعمون كل فاسد خاصة إن كان المسلمون مذبذبين ضعيفي الشخصية لا هم لهم إلا إرضاء الآخر ولو كان ظالماً مجنوناً ؟!! .. وأنا أتساءل ساخرة إن كان العلكاني أو الفاسق سيقدّر للمتأسلم ترحيبَه هذا بأن يتقدّم للحكم !!! .. (إن الموضوع عند هؤلاء أكبر من مجرد انتخابات فالحذر الحذر !!) ..

وأين هذا ممن يريد إقحام غير أهل الاختصاص في آلية اختيار الحاكم ... بينما ما كل الناس مختصين ، ولا كل الناس يعرفون المعايير الإسلامية ؟؟!!! .. فتراه يريد إقحامهم جميعاً لخداعهم والضحك عليهم بتعليلهم بالأماني ... ثم يُلقي باللائمة عليهم !!! .. ويقولون ببساطة : الناس لا تستحق !! .. اها ! .. ولتذهب التضحيات والدماء إلى الجحيم !! .. ولا مشكلة في أن نموت ونعاني ما دامت النتيجة وفق ما يشتهي أعداؤنا من حكم فاسد وحاكم جائر !!! ..

بل أين هذا ممن يجعل المقياس عشوائيّاً غير منضبط وهو الحكم بما تريد الأغلبية ؟ وماذا إن كانت الأغلبية غير واعية ؟ لا سيما وأن كل محاولة إصلاح يتم استئصالها قبل أن توجد ليبقى الناس في حيص بيص ؟! ..

إن إطلاق القول بحكم الأكثرية وجعله المقياس : يذكرني بانتقاد الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله لما ضرب على ذلك مثالاً فقال ما معناه : إذا احتاج المريض إلى عملية ضرورية ، وقال الطبيب المختص إنه لا بد من إجرائها ، ولكن عمال النظافة في المستشفى والممرضات والموظفين (وهم أكثر من الطبيب) رفضوها ، فهل نسير على رأي الأغلبية ونقتل المريض بعدم إجراء العملية ؟!! ..

ولعمر الله : إن قتل مريض واحد على فظاعته وبشاعته : لَهو أهون من العبث بمصير الشعوب ، لا سيما إن عانت الويلات ، وتكبدت التضحيات ، وسالت دماؤها بحاراً ومحيطات !! .. {أفحكم الجاهلية يبغون ومَن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون *} ؟!!! ..

وأختم بشيء صغير أوجهه للمتأسلمين الحريصين على إرضاء الغرب ، والمدافعين عن الانتخابات بدرجة توازي دفاع المجاهدين عن المقدسات (الحقيقية) : يا هؤلاء ! .. إن الغرب نفسه لا يهتم إلا بالنتيجة ! ولا يدندن بالوسيلة إلا للضحك على الناس ولتسهيل حصوله هو على النتائج !! .. هل أعطيكم مثالاً على ذلك ؟ حسناً ! .. لنتذكر معاً كيف تم تعيين بشار الجزار رئيساً عبر تزوير الدستور !!! .. فما رأيكم – للمرة المليار !!! – أن نتجاوز الغرب وأن نركز على مصالحنا باتباع شرع الله تعالى ؟!!!! ..

شرع الله هو الصواب وهو الحق ، {فماذا بعد الحق إلا الضلال} ؟! ..