كنا نعيش في "فتنة"

عابدة المؤيد العظم

كنا نعيش في "فتنة"

والثورة أنقذتنا منها

عابدة المؤيد العظم

ليس شيء أسوأ في الثورة السورية من اعتبارها "فتنة":

يتحمس المرء ضد الطاغية، ويستنكر أفعاله، فيخرج في مظاهرات سلمية ويطالبه بالإصلاحات، فيقذفه ولي الأمر بالصواريخ والدبابات، ويسوقه إلى الموت أو المعتقلات، ويهدم بيته ويعطب أعضاءه... فيطلب النجدة فيخذلونه فيدفع عن نفسه، فيُفتونه أنها خروج عن الحاكم!؟ ويرى تقاعس المشايخ عن نصرته بقولهم في أول الثورة، ثم بفعلهم آخرها، ويسمع في الإعلام أنها مؤمراة كونية وحرب طائفية، فيقتنع ويقف ضدها، أويقعد في بيته ملوماً محسوراً وهو يحسب أنه يحسن صنعاً.

فهلا فقه أولاً وفهم معنى "الفتنة"؟

الفتنة في اللغة:

مصدر فتن، ولها عدة معان منها: (1) اختلاف الناس في الآراء وما يقع بينهم من القتال ، (2) وتعني الضلال، (3) وتعني الكفر...

وأما الفِتْنَةُ في القرآن:

فهي الاضطرابُ وبلبلةُ الأفكار : "فَيتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ" (آل عمران آية 7)، والفِتْنَةُ أيضاً الضَّلالُ : "ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بهِ تَسْتَعْجِلُونَ" (الذاريات آية 14).

وقال الجصاص في أحكام القرآن: كان مذهب أبي حنيفة مشهوراً في قتال الظلمة وأئمة الجور.
وروى ابن بطال عن الفقهاء أنهم اشترطوا في طاعة المتغلب إقامة الجهاد والجمعات والأعياد، وإنصاف المظلوم غالباً ، فإن لم يفعل جاز الخروج عليه.
فهل ترون "حاكم سوريا" الذي جاء بانقلابات عسكرية وسيطر على مقاليد الحكم بالقوة والحيلة، وجعل الحكم ملكياً في عائلته... هل ترونه حاكماً شرعياً؟

وهل ترون الحاكم الذي يقاوم الجمع والجماعات وينهى عن الصلاة ويظلم ويسرق، ويلغي الشريعة، ويمكن للشيعة الكفرة... هل ترونه حاكماً صالحاً؟ 
لقد قال القاضي عياض في شرحه لصحيح مسلم في حكم عزل الحاكم :لو طرأ على الحاكم كفر أو تغيير للشرع، أو بدعة خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه. والعجيب أن بعض العلماء ادعى الإجماع أنه لا يجوز الخروج على أئمة الجور، مستهيناً بالتاريخ كله، وبأحكام الشرع الثابتة.
هذا ما قيل.
وإن معنى الفتنة الذي يعنينا: "هو مَا يَقَعُ بَيْنَ الناس مِن اخْتِلاَفٍ فِي الرَّأْيِ يَجْعَلُهُمْ يَتَطَاحَنُونَ وَيَتَقَاتَلُونَ"، وعَرَفَتْ خِلاَفَةُ عُثْمَانَ فِتْنَةً كُبْرَى، واِنْشِقَاقاً فِي صُفُوفِ الْمُسْلِمِينَ أَدَّى بِهِمْ إِلَى الْقِتَالِ فِيمَا بَيْنَهُم. وهذه هي الفتنة الخطيرة والممنوعة، الفتنة التي تؤدي إلى انشقاق المسلمين السنيين،واختلافهم على أمر لا علاقة له بالكفر والإيمان وإنما يتقاتلون من أجل اختيار خليفة أو من أجل غنيمة.

أما القتال لإعلاء كلمة الله ومحاربة الكفر وحقناً لدماء المسلمين فهذا مطلوب ولا يسمى "فتنة"، فلا تخلطوا بين العمل المحبب والعمل المنهي عنه. ولكنه ذنب العلماء الذين صمتوا ولم يبينوا للناس هذه الحقيقة ولم يُفتوهم في أمرهم، وفي ثورتهم وتركوا القضية الهامة مائعة، وانصرفوا للوعظ والإرشاد العام، فضاع الناس وأضاعوا وخذل بعضهم الثورة المباركة.

إن ما يحدث الآن في سوريا من اقتتال الطائفتين مباح وحلال، لأنها طائفة الإيمان وطائفة الكفر، طائفة الحق وطائفة الباطل، بل إن القتال واجب شرعي، ووطني وإنساني، لأنه دفاع عن العرض الذي يغتصبونه، ودفاع عن المال الذي يسلبونه، ودفاع عن العقل الذي يذهبونه من هول التعذيب، ودفاع عن الحياة التي يهدرونها برصاصة طائشة، ودفاع عن الدين الذي هدموا دوره وشقوا كتابه وفرقوا أهله وجعلوهم شيعاً.

إنهم يتجرؤون على الضرورات الخمس وهي أصول الشريعة ولا تقوم قائمة لمسلم إلا بالحفاظ عليها، كلها، ولو مات المسلم دون واحدة منها لكتب الله أجره، فكيف لو مات دونها جميعاً؟
إن ترك العدو في البلد هو الفتنة بعينها.

أيها الناس

ليست الفتنة فيما يحدث الآن وإنما نحن كنا نعيش في فتنة وقد أنجانا الله منها، وإني أخشى حين تقولوا "فتنة" أن يكون هدفكم: أوقفوا الجهاد ومكنوا العدو في الأرض.