تقرير حقوقي يرصد عدد السوريين الذين ماتوا حرقا على يد النظام بعيدا عن الكاميرات

تقرير حقوقي

يرصد عدد السوريين الذين ماتوا حرقا

على يد النظام بعيدا عن الكاميرات

يمنى الدمشقي

ريف دمشق ـ «القدس العربي» كان المشهد يومها يحمل الكثير من الفظاعات، سلطت الأضواء على الرجل المحبوس داخل القفص، وقربت منه الكاميرات وتباعدت، ثياب برتقالية عادت بذاكرتنا إلى معتقلي غوانتنامو وفضيحة التعذيب الشهيرة حينها، نضع أيدينا على عيوننا في محاولة منا لتكذيب ما نرى، وتكاد أصواتنا تتعدى المكان الذي نجلس فيه، في محاولة يائسة لتوقف عملية الحرق. 

يحرق الطيار، ويبكي عليه الجميع، يبكي المسلمون والمسيحيون، الأقليات والأكثريات، أعوان النظام ومعارضوه، يبكي المجتمع الدولي ويندد الحكام العرب، وتتوالى التنديدات والبيانات يوما بعد آخر عن هذا التجمع الإرهابي الذي يهدد سلام العالم ويدعى «داعش».

على الجهة الأخرى من البقعة نفسها أو الأرض التي قتل عليها الطيار الأردني، أحرق منذ بداية الثورة 82 شخصا حيا على يد قوات النظام بينهم 47 مدنيا و18 طفلا وسبعة نساء إضافة إلى 35 فردا من عناصر الجيش الحر، على أيدي قوات النظام وشبيحته والميليشيات الطائفية المؤيدة له بحسب التقرير الصادر مؤخرا عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

وتحدث التقرير عن عشرات المجازر التي ارتكبت لأناس مثل بجثثهم بعد قتلهم عن طريق حرقها وتركزت هذه العمليات بحسب الشبكة السورية في حماة تحديدا.

ووثقت الشبكة السورية حــــرق 773 جثة بعد قتلها على نطاق سوريا، بينهم 146 امرأة و69 طفـــــلا و22 شخصا ماتوا تحت التعذيب ثم أحرقت جثثهم على يد قوات الأسد.

وأشار التقرير أن أكثر عمليات الحرق تمت بشكل جماعي واتخذت بعدا طائفيا واضحا، حيث وثق حتى الآن 44 مجزرة ذات بعد طائفي وقعت في سوريا، خاصة في دير بعلبة في حمص وريف حلب والنبك، أي في الأحياء السنية التي تجاور الأحياء العلوية المؤيدة.

نور ، شابة من دمشق، عثر على والدها الذي يبلغ من العمر ثمانين عاما محروقا في أحد بساتين دمشق بعد اقتحام قوات النظام لها، حيث كان والدها يفضل أن يذهب للحقل الذي يعمل فيه على أطراف دمشق يوميا، في محاولة منه لتناسي الواقع المرير فاشتبهت به قوات النظام، وحاصرت المنزل الذي كان ينام به، عندها وصلت الأنباء إليهم أن قوات النظام تحاصر المنزل ظنا أنهم لن يطالوا رجلا ثمانينيا بأذى، فما حاجتهم إليه! وما زاد ثقتهم أن والدها أصلا يعاني من أمراض المسنين والعجزة فلربما يرأفون بحاله، لكن ما هي إلا ساعات حتى وصلت الأنباء إليهم أن قوات النظام قامت بقتل الرجل وسكب المازوت عليه ثم إشعاله مما أدى إلى تفحمه.

تستذكر نور الحادثة التي حصلت السنة الفائتة وتقول، «لم يكن أبي مسلحا ولا إرهابيا ولا ناشطا، كان رجلا وادعا وشيخا هادئا حاول أن يخلق لنفسه فسحة هدوء في ضجيج الحرب، لم نحظ بوداعه، فقد تم دفنه ليلا بصمت بعد انتشار قوات النظام في الحقل، عندما شاهدت تعاطي العالم مع قضية الطيار عاد لي مشهد أبي المتفحم وبكيت، بكيت لأننا وحيدون، وحيدون في عالم نقتل فيه في حرب بلا هوادة».

أما في دوما التي تحرق يوميا بعشرات الصواريخ، من قبل قوات النظام، فقد جسد مجموعة أطفال بالتعاون مع ناشطين في المدينة هناك مشهدا مستوحى من طريقة إعدام الطيار الأردني، حيث ارتدى جميع الأطفال هناك ثيابا برتقالية، وحبسوا أنفسهم في قفص حديدي كان أمامه كتلة من النيران الملتهبة، وبدت الدهشة والخوف على عيون الأطفال ليوصلوا رسالة إلى العالم عن كم الرعب الذي يعتريهم عند استهداف قوات النظام لهم، وأراد هؤلاء الأطفال أن يوصلوا رسالة إلى العالم.

وختمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها بأن تركيز المجتمع الدولي على جرائم داعش المتشدد، وإغفاله بشكل شبه دائم ما يقابلها من جرائم لقوات النظام، يعطي حافزا لدى النظام لأن يستمر في إجرامه ويثبت براءته من التهم الموجهة إليه، ومن هنا ينبغي على المجتمع الدولي أن يأخذ موقفا واحدا من الإرهاب من أي طرف كان.