في سبيل التحرر من البغي المعرفي..

صالح بوشلاغم

إذا كان من المشتهر في الأدبيات الإسلامية تسمية الخارجين عن القانون وعلى الحاكم الشرعي بغير حق بالبغاة، وكان ذلك ضمن محاربة تصرفهم وتشنيعه؛ فإن هنالك فئة باغية غُض الطرف عنها حينا من الدهر قد يكون خطرها أشد وضررها أنكى... إنها تلك الفئة من العلماء وأشباههم ممن نصبوا أنفسهم قادة للبغي المعرفي، ولعل اضطلاعهم بمخالطة العلم وتعاطيه وتسويقه وتوظيفه... أتاح لبعضهم تصميم قوالب البغي تلك وفرضها. ولما كان العالم في الدين هو الذي يتولى توليد المصطلحات ونحتها في دائرة الشريعة على الأقل فإن ذلك دعا كثيرين إلى استغلال هذه الميزة لتحقيق سياجات سلطوية تبوئهم مقام السلطة التي لا تستخدم وسائل العقوبة المادية لفرض الالتزام بها؛ بل استندت إلى أسلحة فكرية تبث الرعب في قلوب الأتباع بما يدفعهم إلى الاستسلام والخضوع والتقديس تدريجيا.

ومرادنا بالبغي المعرفي ذلك التصرف المستبد باسم المعرفة والعلم، الذي يتخذ من المعرفة وسيلة للقهر والاستبداد والسيطرة، وفق آليات تتكيف مع العصور وتتطور، وتنتخب لها الشكل المناسب حسب الأحوال كلما أتيح لها أن تظهر في ظروف يغيب فيها الرادع العلمي والوازع الشرعي لدى عالم الدين نفسه. وأفراد هذه الفئة الباغية -غالبا- مصطفون في جنب طغاة السلطة السياسية؛ يناصرونهم ويزينون قبائح أفعالهم إذ البغي ملة واحدة، وقد يسعون أنفسهم لتشكيل سلطة اجتماعية في مجتمع ذي خصائص معينة تسمح بذلك، وقد تراهم يتنافسون فيما بينهم في من يظفر بلقب الطاغية المعرفي!

ولمحاربة هذا الفكر السلطوي البغيض الذي يتخذ من قداسة العلم وسيلة للترهيب وممارسة السلطة الاجتماعية والتحكم في حرية التعلم والنقد؛ لابد من بيان بعض أساليبه ووسائله؛ التي في ظاهرها حرص على الدين والعلم والحقيقة والمجتمع ومصالح الأمة... لكن باطنها حماية سلطة البغي الحاصلة لطغاتها والذود عنها ولو بقداسة الدين! ولا يفارق هذا كثيرا في الوسط الإسلامي شبيهه الكنسي الذي استعبد الناس دهرا طويلا، وفرض على العلم سلطته، وتمدد على حساب الحقيقة خاصة مع غياب النص المحفوظ الذي قد يحد من غلواء أولئك البغاة؛ المتهمين أساسا بالضلوع في فساد اجتماعي ومعرفي كبيرين. وبغية قطع الطريق أمام أولئك البغاة يسعى هذا المقال لكشف بعض أدواتهم.

1- التكفير:

يتم توظيف أسلوب التكفير ويكون ناجعا في زرع الرعب ضد أي محاولة للاستكشاف المعرفي ونقد المسلمات؛ خاصة ما يكون مبناها على الأوهام والأغاليط. وقد وظف التكفير توظيفا سياسيا وطائفيا على مر التاريخ الإسلامي باسم حماية الدين من الزنادقة والمنحرفين و... ولذلك شواهد لا تخفى. وما ينبغي أن يعلم في سياق التكفير أنه لا يحق لأي كان أن يذهب إلى تكفير أي باحث عن الحقيقة أو غيره ما لم يجحد إحدى ضرورات الدين، ولا نعني بتلك الضرورات ما ادُّعي وقوع الإجماع عليه ولو أطبق عليه الأولون والآخرون إذ الإجماع نفسه ليس ضروريا من ضرورات الدين! –ولعل هذا القول نفسه مكفر عند بعضهم!- فكل ما ينتج عنه استقلالا لا يمكن أن يرتقي به إلى هذه المنزلة؛ من هنا فإن الضروري الذي يكفر جاحده هو ما جاء النص القاطع اليقيني به مما لا يحتمل اختلافا ولو يسيرا. وكل توظيف للتكفير في المختلف فيه أو فيما لم يرد به النص اليقيني القاطع ليس إلا فرضا لسياج معرفي في محاولة الصد عن استكشاف الحقيقة. وخطر هذه الأداة ما يستتبع التكفير من تبعات واقعية إذ ليس القتل وسفك الدم إلا ترجمة واقعية للتكفير.

2- المنع من المعرفة بحجة القصور العقلي والعجز عن الفهم:

 وهذه وسيلة ماكرة يلجأ إليها بعض المنتسبين إلى العلم من بعض العلماء وأشباههم، فعندما يقف السائل أمامهم يقنعونه أن الحكم الذي يطلبون الامتثال له لا يمكن للسائل أن يصل إليه فهمه مهما حاول! وأن العامي فرضه تقليد عالم، وقد يرد ذلك العامي على العالم إنكاره فلا يجيبه إلا بتعقيد المصطلحات بما يجعل ذلك العامي يرى أمامه ألغازا وبحارا من العلم لا يمكنه أن يفهمها بله أن يناقشها، أو أن يقدم على ارتكاب جنحة مراجعة قول العالم وفحصه ونقده إلا بعد أن تحصل له معارف من قبل الإحاطة بالقرآن الكريم ناسخه ومنسوخه، عامِّه وخاصه، محكمه ومتشابهه، وبالسنة ضعيفها وصحيحها، مرسلها ومتصلها ومنقطعها، ومرفوعها وموقوفها ومقطوعها ... ويعرف أوجه استنباط علل الأحكام وطرائق القياس، ويحفظ مواطن الإجماع وطرق معرفة مقاصد الشارع ومسالك مراعاتها... كل ذلك لمجرد أن يقدر هذا المسلم الحر الفكر على فهم ما يقوله ذلك العالم في مسألة ما. وإذا كان ما سبق التمثيل به جزءا من شرائط الاجتهاد فإنه بالتأكيد ليس جزءا من شرائط النقد والفحص والمراجعة والتوقف في العمل بقول العالم؛ إذ المكلف مهما قلَّت معارفه يمتلك حاسة عقلية فاحصة قد تقف على ما غاب عن العالم، وتستشكل ما غفل عنه، وتكون سببا لنقض أقواله ولربما قواعده في الاستنباط كلية، ومهما يكن فإن السائل حقه أن يجاب جوابا علميا موضوعيا بعيدا عن شخصه وقدراته.

3- المنع من المعرفة بحجة عدم التخصص والتشويش على الناقد بعدم الاختصاص:

وهذه من وسائل القمع الفكري، فتجد العالم أو شبيهه يرفع راية التخصص في كل ناد؛ لا للاحتكام إلى ذوي الاختصاص لمعرفة آرائهم، ولكن بناء على أغلوطة لا يصرَّح بها، ويتم إعمالها وتطبيقها مباشرة وهي أن أهل التخصص لا يخطئون، من هنا تجد هذا القائل يعترض على السائل أو الناقد بأنه ليس من أهل التخصص بغرض الإسكات والقمع. هذه مغالطة كبرى؛ فأهل التخصص مهما بلغوا في قممهم المعرفية لا يمكنهم أن يكونوا حكاما على المعرفة، لأنهم جميعهم مقاربون للصواب فيها وقد يكونون مجمعين على خطأ معرفي لا يكشفه إلا تخصص آخر لم تتح له بعد فرصة الاحتكاك بتخصصهم. لا تُنكر في هذا السياق الميزة التي يتيحها التخصص المعرفي من حصر روافد البحث في سياق معين يمكن الباحث من تركيز نظره في جزئيات محددة تعينه على مقاربة الصواب؛ ولكن ما ينكر هو المغالطة بتكميم أفواه السائلين والناقدين بحجة عدم التخصص، وتصوير قول المتخصص أنه دوما هو الأقرب إلى الصواب، والأمر ليس كذلك. وإذا جاز اتخاذ المتخصصين في مجالاتهم مراجع لمقاربة الصواب فيها لأغراض سياسية أو اجتماعية تحقق الوحدة في التنزيل الواقعي وذلك أمر مفروض؛ فإن الطغيان والبغي هو في اتخاذ التخصص ذريعة للقمع والتعسف على حساب السائلين الباحثين عن الحقيقة. فهذه سلطة خرافية يسعى المتخصص لتثبيتها كما يقول بوبر[1].

4- دعوى الحرص على المصلحة العامة:

 يصور بعض الطغاة المعرفيين أنفسهم أنهم المنقذون من الضلالة وأنهم بوجودهم يعصَم الناس من الضلال ومصالحهم من الضياع والهدر؛ وهذه أغلوطة أخرى! ذلك أن وجودهم قد يكون في كثير من الأحيان السبب الأول في ضياع الحقيقة وقمع الساعين وراءها بما يفرضونه أو يحاولون فرضه من سياجات وموانع تحول بين الناس وما يشتهون من الحقيقة، فيعرض طغاة المعرفة مجتمعاتهم لصنوف من العذاب العلمي الذي تضيع معه كل مصلحة. ويحاول طغاة المعرفة دوما أن يقرروا في أذهان الناس ومخيال المجتمع أنهم حراس الحقيقة وأن موافقتهم هي موافقة الحق، وأما مخالفتهم فليست إلا ارتكاسا في الضلالات والباطل، ولو أن ذلك كان في المعلوم من الدين ضرورة –كما عرفناه سابقا- لكان مستساغا مع التأكيد على أن ذلك مبعثه الجانب الموضوعي في تلك المعلومات الضرورية لا موافقة قولهم، ولكن الكارثة أن ذلك يقع في مسائل الاجتهادات والفروع الظنية، بل في مسائل التاريخ والمجتمع فأي طغيان هذا؟!

ومن المفارقات أن تجد هذه الفئة الباغية من المنتسبين إلى العلم والثقافة يشنون الغارات على المصلحين الغيورين حقا على مصلحة الأمة والمجتمع ومن ذلك أن يتهموهم بالبغي على حد قول القائل: "رمتني بدائها وانسلت"!

5- دعوى الخوف من الفتنة وانشقاق الصف:

ويوظف طغاة المعرفة من أشباه العلماء التحذير من انشاق الصف للإيهام بأن مخالفتهم أو عدم الخضوع المعرفي لهم على طريقة قال سيدنا الشيخ! سيورط المجتمع في انشقاقات كبرى تجعله متنازعا متصارعا، ونسي أولئك أن الحق سبحانه خلق تلك الشؤون، وأراد لها أن تكون ظنية لا يظهر الصواب فيها إلا على وجه المقاربة والناس جميعا سواسية في حق مقاربته من دون أي منع أو قمع، وأن الانشقاق إنما يقع بفعل ذلك الطغيان المستبد الذي يسعى لإسكات الناس بهذه الوسائل الشنيعة التي تتلاعب بالمقدس لتحقيق شهوات سلطانية. فلو أن أولئك الطغاة لم يحولوا بين الناس والمعرفة ومكنوا لهم سبل الوصول إليها وعرفوهم بوسائل نقدها وفحصها؛ لكان ذلك سبيلا لنقد كثير من الموروث الذي يُخلد إلى الأرض ويرسخ في الأمة ومجتمعاتها التخلف المعرفي ومستتبعاته.

واقع الأمر أن الفتن غالبا ما يكون وراءها أولئك المتصدرون الطغاة الذين يوظفون المعرفة للتسلط على الخلق، ويجتهدون في نقض أي شيء والتخويف منه ولو كان حقا إذا لم يكن صادرا بإذنهم وإشارتهم، على منوال قول فرعون: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} [سورة طه:71] فالقضية ليست في كون ما آمنوا به حقا، إذ لا مشكلة في اتباع ذلك الحق ولكن في إطار من المنظومة الفرعونية التي تتولى الإذن للناس في اتباعه. وقد أثبتت التجارب أن عموم الناس إذا استمعوا لدعاة الحق واقتنعوا بهم فإن أول ردة فعلهم هي الكفر بتلك السلطة الطغيانية المعرفية. يقول القطب امحمد بن يوسف أطفيش في مسألة الديوان: "تذكرت أنهم يقولون: لو جهرنا بها لقامت الفتنة، وليس كذلك! لأن القائلين ذلك هم أفراد متقدمون على العامة، مثيرون للفتن، موقدون لها؛ لكراهتم الجهر بها، فلو تركوا إثارة الفتنة، لم تكن فتنة؛ لأن العامة وسائر الطلبة منقادون، محبون للجهر بها، ومن كره فإنما هو مساعد لمن يثير الفتنة"[2].

ومما تجدر الإشارة إليه أن الدعوة إلى المرجعية العلمية في الأمور الدينية بما يجمع الناس على قول واحد ليس إلا إجراء سياسيا يحقق المصلحة العامة في تطبيق بعض الأحكام المتعلقة بعموم الناس مما لا يمكن تفرد الأفراد فيه برأيهم لتشابك المصلحة العامة، وذلك من دون شك أمر مشروع يدخل ضمن دائرة الإباحة الشرعية المؤقتة التي تنتج ما يتناسب من الإجراءات والأحكام مع الواقع الراهن؛ أما أن يكون وجود المرجعية بمعنى فرض السلطة والوصاية المعرفية على المجتمع وتحديد المقدس من المقاربات المعرفية وتصنيف ما خالفها ضمن دائرة المشنع عليه، فإن ذلك ليس إلا وجها من وجوه البغي والاستبداد المعرفيين إذ آفاق المعرفة يجب أن تبقى مفتوحة مشرَعة كما أراد لها المولى.

6- التخويف من لحوم العلماء!:

 وهذه وسيلة كثيرا ما تغنى بها طغاة المعرفة فجعلوا لحوم العلماء مقدسة مما يعني أن لحوم غيرهم -على الأقل- هي أقل قداسة وحرمة، فأي مفارقة هذه في فكر إسلامي مبني على التسوية بين البشر جميعا في حق المعرفة ومقاربة الصواب، فلحوم العلماء وغير العلماء هي لحوم مسمومة عندما يتم التعرض لها بوجه غير شرعي كالغيبة أو البهتان وقول الزور؛ أما عندما يتعلق الأمر بالمعرفة فليس هنالك لحم مسموم إطلاقا، بل لا مجال إلا لمقارعة الحجة بالحجة، وتفقد المسلمات ومراجعتها ونقد كل شيء للوصول إلى الحقيقة ومقاربتها بقناعة تشبع شهوتها التي ركزت في الإنسان كما ركزت كافة الشهوات!

هذه على وجه السرعة بعض أساليب البغي المعرفي وأدواته ولو أمعن الباحث فيه للحظ كثيرا من الوسائل التي تسعى لفرض رأي من الآراء على الكافة، وإلزامهم بقبوله، والسير وراءه... وإلا شهرت أمامهم سيوف البغي المعرفية من تكفير، وتقليل من شأن الباحث ومحاولة التخوين وضرب الثقة فيه ليتخلى عن مسار بحثه.

ومن المفارقات العجيبة أن الاستبداد المعرفي والطغيان باسم العلم غالبا ما يخفي وراءه عجزا علميا رهيبا، وما تلك التصرفات والوسائل إلا حواجب يُبتغى بها تحقيق مكاسب سلطوية على رأسها التعمية على جهل المتسلطين المتصدرين، فلعل أحدهم قد حصل له منصب اجتماعي ما بناء على فرصة واتت ذات يوم قد لا تتكرر فاستغلها بوجه من الأوجه التي غطت جهله وقدمته أمام العامة واحدا من أرباب المعرفة! ومن ثم واحدا ممن يسمع أمرهم، وأما مخالفتهم فهي في حد ذاتها خطر بالغ وشر مستطير على الدين والمجتمع والمصير!

تلك أهم وسائل البغي المعرفي والقائمة مفتوحة كما هي قائمة الجرائم الأخرى التي تتكيف وتتطور مع الوقت والمستجدات، ومواجهة هذه الفئة الباغية لا تتطلب أكثر من بث الوعي بكسر الحدود بين الخلق والمعرفة، وفتح المجال واسعا لكل من شاء أن يسأل ويتابع السؤال ويبحث، وترسيخ الحق بعدم الاقتناع عند عدم حصول الحجة الكافية، ومن ثم تقليب النظر والاستعانة بعلماء الآفاق ومصادر المعرفة من كتب وغيرها... مما يجلي الحقيقة ويقاربها. وبالتأكيد فإن السائل الجاد الباحث عن حقائق الأمور سيقف -بمرور الوقت- على حقائق ما كان له ليبلغها لو ظل مستكينا خاضعا قانعا بما يرميه إليه أولئك الطغاة من فتات معرفي منتقى بما يخدم مصالحهم ويحفظ سلطتهم الاجتماعية التي بنوها باسم الدين.

ما سبق بيانه ليس دعوة إلى التمرد على العلم والعلماء باسم البحث عن الحقيقة، فذلك أيضا استغلال للسؤال بوجه غير أخلاقي ليس مراده البحث عن الصواب ومقاربته ولكن التشكيك في علم العالم ولو بالغوغائية واللغو في علمه ابتغاء مكاسب عاجلة تافهة. ولا بد من التأكيد قبل الفروغ من هذه المقالة أن ما أوردناه هنا لا يتعارض مع التوجيه القرآني بسؤال أهل الذكر، الذين تدل تسميتهم على سبب الرجوع إليهم؛ فهم أهل الذكر في مجال معرفي ما والرجوع إليهم فقط من أجل بيان الذكر الحاصل لديهم فيه، ولا يعني ذلك أن لهم حق الحجر على السائلين أو منعهم من متابعة إشكالاتهم وإشباع نهمهم المعرفي بما يشفي غليلهم ويرفع عنهم الحيرة. ومن المؤكد أن الذي يوظف تلك الأدوات السابق ذكرها لتركيز سلطانه باسم العلم والدين يفتقر أولا إلى جانب أخلاقي إيماني، وغيابه يضرب مصداقيته في الصميم ويجعله غير أهل للاقتداء به والوثوق فيه.

لقد بات ضروريا بما لا مجال للشك فيه وجوب السعي الحثيث لاجتثاث جذور الطغيان المعرفي وتأكيد فتح آفاق المعرفة للناس جميعا لمن شاء منهم أن يبحث ويتابع أسئلته في مشارق الأرض ومغاربها، ولا يقتنع بما قد يواجه به من أسباب غير موضوعية كدعاوى التكفير والاختصاص ومراعاة المصلحة والخوف من الفتنة وسمية لحوم العلماء... فما هذه غير وسائل حاجبة يستخدمها طغاة المعرفة لتركيز سطوة عالم الدين في المجتمع ولو كان جاهلا لا يفقه من مجريات الواقع وعلوم الاجتماع وكل ما يتعلق بالإنسان في حراكه الفكري والاجتماعي.

لقد آن الأوان أن تكفر المجتمعات بهذه السلطة الطاغية التي تقيد عقولها عن الانطلاق إلى آفاق المعرفة الرحبة، وتصر متعنتة على قولبتها وفق قالب فولاذي صهرته من خليط فكري يحفظ لها سطوتها ويرعى طغيانها وبغيها المعرفي.

في الختام، فإن الواقع الإسلامي والعربي خصوصا إذا كان يسعى جاهدا للتحرر من أغلال طغاة الكراسي فالأولى أن يصحب ذلك ويرفقه سعي أكبر للتخلص من طغاة الألقاب والدعاوى العلمية التخصصية الفارغة!

               

[1]بوبر، منطق البحث العلمي، ص41.

[2] أطفيش، القنوان الدانية في مسألة الديوان العانية، ص26.

المصدر : أعزام