هل يجوز قتل العلوي لأنه علوي؟

د. محمد كمال الشريف

هل يجوز قتل العلوي لأنه علوي؟

د. محمد كمال الشريف

تفزعني هذه الأيام بعض الفتاوى من إخوة أفاضل دافعها الرغبة في الانتقام والأخذ بالثأر لقتلى الثورة ومصابيها ولكثيرين قتلوا بغير حق في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات في القرن الماضي، وكنت قد تطرقت لهذا الأمر في مقالي الثالث عن الثورة السورية المعنون "الطائفية والثورة في سورية" وارتأيت اليوم أن أقتطع جزءاً منه متعلقاً بهذا الموضوع وأعيد نشره لعل الله ينفعنا به في هذه الأزمة، وقد قلت فيه:

"ستقولون هم كفار فهم يؤلهون علياً بن أبي طالب، وهذا شرك ورِدَّة، وستخرجون فتوى ابن تيمية رحمه الله فيهم وتسمعونا إياها. ابن تيمية هو شيخ الإسلام وعبقري من عباقرته، لكن ذلك لا يعني أنه لا يخطيء، ولا يعني أن كل ما قاله علينا الأخذ به دون نقاش. الإمام مالك رضي الله عنه ذات مرة قال: كل رجل يؤخذ من كلامه ويُرَدّ إلا صاحب هذا القبر وكان يشير إلى قبر محمد صلى الله عليه وسلم. ستقولون دعنا من ابن تيمية وفتاواه، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم:)أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ،وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى)؟ وسأجيبكم بلى قال ذلك وهذا حديث صحيح رواه البخاري ومسلم لا أشك في ثبوته، لكني أشك في فهم أغلب المسلمين بعد جيل الصحابة له.

      الأصل في الإسلام أنه لا إكراه في الدين، فقد قال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } البقرة256.. والإسلام أول دين عالمي قدس حرية الاعتقاد الديني وحرم الإكراه في الدين، وإن كان ذلك لا يعفى الناس من تبعة اختياراتهم عندما يَقْدُمون على الله. قال تعالى مخاطباً محمداً صلى الله عليه وسلم ومخاطباً لنا من بعده: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } يونس99. لو شاء الله أن يُكْرِهَ كل البشر على الإيمان لآمنوا جميعهم، لكنه يريد منا الإيمان الذي يكون بمحض اختيارنا، حتى أنه جعل في الكون آيات تدل عليه، وأخفى نفسه، فلا نراه ولا نشعر بوجوده بشكل لا نستطيع معه إنكاره والكفر به، لذا استنكر أن يخطر ببال النبي أو غيره أن يكره الناس على الإيمان. هذه آية واضحة الدلالة على حرية الاعتقاد مع تحمل المسؤولية عن هذا الاعتقاد، لكِنْ في القرآن آيات أخرى قد يظن البعض أنها تناقض هذه الآية أو تنسخها، مثل قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} التوبة5. فهذه الآية تدعو لقتال المشركين وقتلهم إلا إن هم آمنوا وتحولوا إلى الإسلام، وهذ الآية مع حديث أمرت أن أقاتل الناس، فهم منهما كثيرون، أن المشرك بالله لا حرمة في قتله طالما أنه مصر على شركه، وما علينا إلا أن نثبت أن العلويين أو غيرهم مشركون لنستبيح دماءهم.

      النفس البشرية معصومة مؤمنة كانت أو كافرة، وحرية الاعتقاد حق لجميع البشر لا يجوز الاعتداء عليه ولو من أجل إدخالهم في دين الله الذي فيه نجاتهم من النار. هذا هو الأصل، لكن لضرورة ما كان هنالك استثناء لهذا الأصل. لم يكن بنوا إسرائيل أول أمة موحدة في التاريخ المعروف كما يظن كثيرون، بل كان العرب الذين اتبعوا إبراهيم وإسماعيل أول أمة موحدة لله بشكل جماعي لا مجرد أفراد مؤمنين، وبقي العرب ما شاء الله لهم أن يبقوا موحدين يعبدون الله على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لكن مع القرون أشركوا مع الله آلهة غيره لتكون لهم واسطة تقربهم من الله زلفاً وصاروا بذلك مشركين. ومحمد بعث فيهم بالدرجة الأولى ليعيدهم إلى التوحيد الإبراهيمي الذي انحرفوا عنه وليجعل منهم أساتذة البشرية في التوحيد ودعاتها إلى الله. لم يكن العرب أمة وثنية كما هو حال القبائل الوثنية في مجاهل أفريقيا أو أستراليا أو غيرهما. صحيح أنهم عبدوا الأصنام مثلهم لكنهم كانوا يعبدون الله الخالق الكبير ويعرفونه جيداً، إنما أشركوا معه غيره، بينما الوثنيون في الثقافات الأخرى يعبدون آلهتهم ولا يعرفون الله.

      صحيح أن من يقول: إن لله ولد، هو مشرك، لكن كلمة المشركين في القرآن لا تعنيه أبداً، بل اليهود والمسيحيون اسمهم في القرآن أهل الكتاب وليسوا مشمولين بكلمة المشركين. والمشركون المذكورون في القرآن هم "الذين أشركوا" أي أشركوا بعد توحيد وليسوا الوثنيين الذين لم يعرفوا الله من قبل، لذلك علينا أن نفهم من كلمة المشركين أو الذين أشركوا كلما وردت في القرآن الكريم أنها تعني المشركين العرب الذين كانوا في زمان محمد صلى الله عليه وسلم وبعث فيهم ليصحح لهم عقيدتهم التي انحرفت، ولا تعني مطلق المشركين في الأزمان والأصقاع الأخرى.

      كان لا بد لحماية الإسلام ولحفظ الذكر من التحريف أن يكون للإسلام دولة قوية، لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً ورئيس دولة، وكانت الغزوات والفتوحات... سيدنا عيسى عليه السلام جاء بالتوحيد في أمة موحدة، لكن بسبب ضعف أتباعه واضطهادهم، تمكن أعداؤه من تحريف تعاليمه وإدخال ماليس منها فيها، ولو لم تقم للإسلام دولة قوية لما نجا من التحريف ولما بقي القرآن دون أن تتبدل فيه كلمة واحدة إلى يومنا هذا.

      من أجل أن تقوم للإسلام دولة تحميه من التحريف كان لا بد من إكراه المشركين العرب الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على دخول الإسلام، وعلى العودة إلى التوحيد الخالص الذي كان عليه أجدادهم قبل أن يشركوا مع الله آلهة أخرى ما أنزل الله بها من سلطان. لقد تم استثناؤهم من مبدأ لا إكراه في الدين لضرورة لا سبيل لتجنبها إلا بتعريض الإسلام للتحريف والضياع، وكان ذلك محاباة لله لهم أن أكْرَهَهُم على الإسلام وقبله منهم رغم أنهم دخلوا فيه رغماً عنهم، إذ الأصل ألا يقبل الله من العمل الصالح إلا ما كان نابعاً من القلب وبحرية كاملة. كان العرب بذلك أمة محظوظة تماماً كما يكون الطفل المريض الذي يجبره أبواه على تناول الدواء النافع رغماً عنه محظوظاً.

      قد يجادل البعض ويقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ،وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى)رواه البُخاريُّ ومسلِمٌ. ولم يقل أُمِرْتُ أن أقاتل العرب، وبالتالي العبرة بعموم اللفظ، ولفظة الناس تعني البشرية كلها.

      صحيح أن لفظة الناس يمكن أن تعني البشرية كلها، ولكنها لا تعني ذلك دائماً، فلو قلتَ تكلم الناس على فلان لأنه فعل كذا وكذا فأنت بالتأكيد لا تعني أن كل البشرية قد تكلمت عليه، وبُعَيْدَ معركة أحد، التي قتل فيها سبعون من المسلمين وجرح الكثيرون، جاء من يقول لهم إن المشركين قد تجمعوا يريدون العودة والانقضاض عليكم ليبيدوكم، فكان جوابهم أن قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{173} فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ{174}} آل عمران 173-174. إن كلمة الناس في هذه الآية بالتأكيد لا تعني البشرية كلها، إنما تعني بعض الذين هم بالنسبة للنبي والصحابة "الناس" أي بعض قومهم العرب، فهم الذين جمعوا لهم يريدون القضاء عليهم.. لذا كان من أساليب الكلام العربي أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله...إلى آخر الحديث، وهو يعني أن الله أمره أن يقاتل قومه العرب الذين أشركوا، وأن يكرههم على الإسلام لضرورة ما، دون أن يكون ذلك نسخاً أو إلغاء لمبدأ لا إكراه في الدين الذي قررته آية قرآنية. نعم لم تكن نفوس مشركي العرب بعد نزول سورة التوبة، معصومة، إلا بدخولهم الإسلام أو خروجهم من أرض العرب، وكان أمر النبي صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب). وهو حديث متفق عليه.

      لقد فهم الصحابة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وحاربوا مشركي العرب حتى أدخلوهم في الإسلام، ثم حاربوا من ارتد منهم بعد وفاة النبي ومن امتنع عن الزكاة، لكنهم أبداً لم يجبروا أحداً خارج المنطقة التي كانت تسمى جزيرة العرب على الإسلام، ولم يجبروا يهودياً ولا مسيحياً من العرب على الإسلام، بل كان لهم أن يأخذوا ضريبة من القادرين منهم إن أصروا على دينهم اسمها الجزية. ثم عندما فتح المسلمون بلاد المجوس والهندوس وغيرهم من الوثنيين وأشباه الوثنيين طبقوا عليهم حكم اليهود والنصارى، حيث لا إكراه في الدين، واكتفوا بفرض الجزية عليهم، وتركوهم أحراراً في عقائدهم وعباداتهم. أي لم يُبِحْ الصحابة ومن جاء بعدهم لأنفسهم قتل رجل واحد لأنه غير مسلم، إلا إن كان من المشركين العرب الذين كان لهم حكم خاص، ولم يُشْكِل الأمر على الصحابة كما أشكل على بعض الشباب المسلم في زماننا.

      إنه باستثناء المشركين العرب زمن النبي صلى الله عليه وسلم كل البشر نفوسهم معصومة لا يجوز الاعتداء عليها مهما كانت عقائدها ومذاهبها، ولا يجوز إكراهها على الإسلام مع أن في اعتناقه خير لها.

      وقد يجادل مجادل فيقول: لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال من بدل دينه فاقتلوه، ألا يعني ذلك استحقاق من يرتد عن الاسلام أو ينحرف بحيث يخرج من الملة القتل؟

      في البداية كان الاسلام ديناً ناشئاَ وكان لا بد من حمايته من المشككين الذين تظاهروا بالإسلام ليرتدوا عنه ويوهموا الناس أنهم ارتدوا عنه لأنهم لم يجدوا فيه خيراً، فيكون بذلك تنفير للناس عن الإسلام. قال تعالى عن بعض يهود المدينة زمن النبي: {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} آل عمران72، الناس يتأثرون ببعضهم بعضاً، وقد بينت العلوم النفسية المعاصرة ذلك، وسبقها النبي صلى الله عليه وسلم، عندما قال إنه لو آمن به من يهود المدينة عشرة، لآمن به كل يهود المدينة. وكلنا يذكر كيف أبطل أبو لهب تأثير الإنذار الذي وجهه النبي صلي الله عليه وسلم لقومه، يوم أن أمره الله أن يصدع بما يؤمر وأن ينذر قومه وعشيرته الأقربين، فقال له أبو لهب أمام الحضور: تباً لك أَلِهذا جمعتنا؟. لذا كان لابد لحماية الناس من هذا المكر، الهادف إلى تشكيكهم وإبعادهم عن الإسلام، من أن يَسُنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قانوناً، يعاقب فيه بالقتل، من يرتد عن الإسلام في تلك الأيام الحرجة،حتى لا يدخل في الإسلام إلا الجادون المخلصون، ثم كان قتل من يرتد من العرب الذين تم استثناؤهم من مبدأ لا إكراه في الدين. وعلينا أن نفهم التشريعات في إطار ظروفها التاريخية لنعرف هل هي تشريعات أبدية عامة، أم هي تشريعات لضرورات معينة وفي أزمان معينة.

      ويبقى موضوع مُهْدَر الدم الذي على أساسه يستبيح البعض قتل من يعتبره مرتداً أو مشركاً. صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دماء ستة من المشركين عندما فتح مكة، وأمر بقتلهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة، لكن الذي يجب الانتباه له أن ذلك لم يكن منه صلى الله عليه وسلم بمثابة فتوى دينية، إنما كان حكماً قضائياً، بوصفه صلى الله عليه وسلم الحاكم الأعلى، وبوصف هؤلاء الستة رعايا تحت سلطته، بعد أن فتحت مكة وصارت جزءاً من دولة المسلمين. الجرائم التي استحق أولئك أن تهدر دماؤهم بسببها جرائم قديمة وسابقة على فتح مكة، ومع ذلك لم يصدر النبي صلى الله عليه وسلم حكمه عليهم إلا عندما صاروا من رعايا دولته وضمن سلطته كحاكم لا كمشرع ومفتي، لذا يجب أن لا يُهْدَرَ دم أحد إلا بحكم قضائي يستوفي شروط القضاء العادل النزيه، فمن المعروف لكل متفقه أن المسلم مأمور إن هو رأى مسلماً آخر يزني أن يستر عليه وأن ينصحه، لا أن يقتله، مع أن الحكم الذي عليه الفقهاء هو قتل الثيب الزاني. هؤلاء الفقهاء أنفسهم، لا يرون استحقاق الثيب الزاني للقتل بمجرد الزنا، بل لا بد له من المجاهرة والإقرار المتكرر، أو أن يرتكب الفاحشة أمام أربعة رجال يرون الفعل الجنسي بأعينهم، ثم يشهدون عليه أمام القاضي. الدم البشري محرم ولا يهدر بفتوى عالم أو طالب علم، إنما إهداره يعني حكماً بالإعدام لا يحق لأحد إصداره إلا القاضي المختص.

      بعد هذه الملاحظات لا أجد عذراً لمن يقتل غيره بحجة الشرك أو الردة أو غير ذلك، وعلينا الحذر من التورط في الهرج وهو فوضى القتل وإزهاق الأرواح دون حق. وعلى من أراد الجهاد من الشباب أن يتقي الله فلا يرتكب الجرائم التي سيحاسبه الله عليها وهو يظن أنه إنما يجاهد في سبيل الله، وعلينا الحذر من أن تدفعنا مشاعر الكراهية والحقد والرغبة في الانتقام إلى أن نتبنى فتاوى تبيح لنا قتل الناس بسبب معتقدهم فإننا نستطيع أن نخدع أنفسنا لكننا لا نستطيع أبداً أن نخدع الله، وأول شيء يقضى فيه يوم القيامة الدماء، ولئن كان الأصل في شريعتنا في كل شيء الإباحة، إلاّ ما ثبت تحريمه، فإن الأصل في الدماء الحرمة إلاّ ما ثبت استحقاقه للقتل، ولابد من ثبوت ذلك ثبوتاً قوياً، وإلاّ فإنه حتى الحدود تُدْرأ بالشبهات، فتعطل، ولا تقام على شخص إن كان هنالك ذرة شك في أنه استحقها، رغم ما للحدود من أهمية وتعظيم، فكيف بقتل الناس عند الفتنة والفوضى؟"