قمة البيت الأبيض للتصدي للتطرف والعنف

ولنا كلمة

قمة البيت الأبيض للتصدي للتطرف والعنف

زهير سالم*

[email protected]

على مدى ثلاثة أيام 17 – 19 / 2 / 2015 تنعقد في البيت الأبيض قمة أمريكية للتصدي للتطرف والعنف . وتنعقد القمة برعاية مباشرة من نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ومشاركين من نحو سبعين دولة لشخصيات سياسية وثقافية ودينية منهم وزراء وزعماء دينيون ، ويشارك في القمة بكلمة الرئيس الأمريكي أوباما كنوع من إبراز الاهتمام .

ويقال إن الإعداد للقمة يتم منذ أيام طويلة ، ولكن الذي أعطى هذه القمة أهمية إضافية توقيتها عقب أحداث كوبنهاغن العنيفة ومن قبلها أحداث باريس فيما جرى على صحفيي شارلي ايبدو . دون أن يذكر أحد من الذين نوهوا بهذه العمليات ردود الفعل ( غير المنضبطة ) التي صدرت عن بعض أفراد من المجتمعات المعنية بهذه الأحداث ، أو دون أن ينوه أي سياسي بحادثة قتل ثلاثة طلاب مسلمين أمريكيين بطلقات مباشرة في الرأس في نورث كارولينا في شابل هيل في الولايات المتحدة نفسها .

إن الضروري الذي يجب أن نفصح عنه في هذا المقام هو أن المسلمين حول العالم وفي مقدمتهم أصحاب المشروع الإسلامي الحضاري التجديدي هم المتضرر الأول من مشروع التطرف والعنف ...

وأن أصحاب المشروع الإسلامي الوسطي ، مهما تكن بواعث مشروع التطرف والعنف وأبعاده وأهدافه ؛ يجدون أنفسهم اليوم بين مطرقة هذا المشروع وحامليه المباشرة وبين سندان مغذياته الأولية المتمثلة في جملة من المواقف : الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الإقليمية والدولية التي تعطي هذا المشروع غطاءه وذرائعه . وتجعل لفيفا من شباب أمة المسلمين يقعون في حباله ، وينجرفون في مزالقه ، ويغرقون في مستنقعاته ؛ فيكونون أول ما يكونون خنجرا في ظهر أمتهم بدل أن يكونوا حصنا ودرعا ووقاية لها .

فالمسلمون أفرادا والمسلمون جماعات والمسلمون مشروعا هم المتضرر الأول من مشروع التطرف والعنف والإرهاب . ولقد أصبح هذا المشروع بعد تسيسه وتغذيته والنفخ فيه وتوظيفه بمثابة السوط الذي يُلهب به ظهر هذه الأمة ، ويقطع به الطريق على ربيعها وثورتها ومشروعها كما يحصل اليوم في سورية والعراق واليمن ...

وإن المهم الذي يجدر الإشادة به فيما جرى طرحه في هذه القمة هو ما سبق إلى إعلانه نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن حول : الحاجة إلى أجوبة تتخطى القوة العسكرية وضرورة إشراك الجميع في الحل ...

وهو كلام رصين يؤكد على خطل أو خلل السياسات الأوبامية التي سارعت إلى إصدار حكم الإعدام وتنفيذه بحق مجموعات – نتفق على خطئها وانحرافها – وتردد هذه السياسات بحق مجرم قاتل مثل بشار الأسد وعصاباته ...

إن البحث عن أجوبة تتخطى القوة العسكرية ، حين يكون جادا ، في رأينا يجب أن يسبق القوة العسكرية . فآخر الدواء الكي . وإذا كانت جرائم بشار الأسد مثلا هي ذريعة هؤلاء الرجال للانسلاخ عن حياتهم وعن أوطانهم والالتحاق بساحة الصراع فلماذا لا يتم إسقاط هذه الذريعة ، أو سد بابها كما يقول العقلاء من الناس ...

وحين نربط التطرف والعنف بسياقاته التاريخية الكبرى على مدى قرن من الإذلال والامتهان والاستغلال . فلماذا لا تتم مراجعة هذه السياقات في تجسداتها اليومية المعاصرة على الأقل بنفس الأبعاد التي يشخصها رجال الرأي والفكر من بني الإنسان .

بالأمس كان القاضي الألماني : يوجن تود نهوفر في برنامج بلاحدود على قناة الجزيرة يقرر : إن بوش وديك تشيني يجب أن يمثلا أمام محكمة الجنايات الدولية . ويقرر بوضوح لا لبس فيه : الإرهاب خلفته حروبنا .

لماذا يفترض عقلاء في مستوى المجتمعين في البيت الأبيض في قمة التصدي للعنف والتطرف أن تمر جريمة مثل استباحة الدولة والمجتمع في العراق ، واستباحة المجتمع والإنسان في سورية ، دون ردود فعل حقيقية تنضبط بقانون نيوتن حول الفعل ورده المساوي في المقدار والمعاكس بالاتجاه . لماذا تفترض بعض العقول العنصرية المستعلية أن تكون بعض الشعوب في مثل تراب الأرض مهانة يوطأ ويحفر ويشق دون أن يبدي أي ردة فعل ؟!

نقول هذا الكلام مفترضين الصدق في الدعوة إلى أجوبة متقدمة على عمل الطائرات القاذفة الحارقة والمصائد البشرية لقياس مستوى التحمل لأمة يزداد عديدها على خمس سكان العالم ..

أما الذي هو موضع الحوار فيما طرح في قمة الأمس ولا يجوز أن يمر على العقلاء بحال فهو محاولة السيد أوباما الإملاء على الزعماء والقادة المسلمين أن يفعلوه ..

صحيح أن الجميع متفقون على أن التطرف والعنف ليس من الإسلام في شيء ؛ ولكن لا أحد وحتى العقلاء من الأمريكيين يعتقد أن هذا التطرف والعنف نشأ بلا سبب ، وأن الاندفاع في طريق الموت كان هواية لدى هؤلاء المتطرفين والعنيفين ، وأن أسباب هذا التطرف لم يكن في سياسات الولايات المتحدة سهم فيها على مدى قرن من الزمان ..

على أوباما الذي رفض في خطابه في قمة البيت الأبيض تأصيل عنوان (صراع الحضارات ) أن يذكر أن اول من جسد هذه الفكرة في استراتيجية لدولة عظمى هو ( صمويل هنتنغتون ) المفكر الاستراتيجي الأمريكي ، وأن أول من رفضها وأول من كانوا ضحاياها هم العرب والمسلمون ...

نتفق على أن التطرف والعنف ليس من الإسلام ونريد أن نصدق أن الاستراتيجية الأمريكية لا تحاول كبت المسلمين ، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية ، ولا تتحالف مع أعداء المسلمين في بلادهم من طائفيين ومستبدين وفاسدين ...

نريد أن نصدق ولكن كل الحقائق على الأرض في فلسطين وسورية والعراق ومصر وليبية واليمن ترد على أوباما قوله وتجعلنا نرتاب في جدية القول كله . ربما جدية المؤتمر وكل ما قيل فيه ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية