سوريا بين الحل السياسي والحسم العسكري

ياسر الزعاترة

هناك جملة من المؤشرات على أن الأزمة السورية تسير حثيثا نحو حل عسكري أو سياسي، ربما لا يطول كثيرا، خلافا لبعض التوقعات المتشائمة هنا أو هناك.

لا يرتبط الأمر بنهاية الانتخابات الأمريكية وحدها، وإن حضرت بقوة في السياق، لكن العامل الأبرز في دفع الجهود السياسية المحمومة حيال الأزمة (أبرزها جولة لافروف) يتعلق أولا وقبل كل شيء بتقدم الثوار عسكريا على الأرض، وما ينطوي عليه ذلك من بث للخوف في أوصال الكثيرين من مغبة أن يتم الحسم على نحو يعطل قدرة كثيرين على التأثير في المشهد التالي.

وإذا كانت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط عموما تتحدد بناءً على هواجس الكيان الصهيوني، بصرف النظر عن الرئيس الجالس في البيت الأبيض بعد سيطرة اللوبي الصهيوني على الكونغرس بمجلسيه، فإنها في الحالة السورية أكثر تأكيدا نظرا لتأثيرها المباشر على مصالح الكيان.

والحال أن البرنامج الصهيوني قد حقق نجاحا كبيرا في الأزمة السورية بإصراره على دفع الموقف الأمريكي والغربي، بل وحتى الروسي، نحو خيار إطالة المعركة وصولا إلى تدمير البلد، وهو البرنامج الذي حقق نجاحا لافتا عبر سياسة التدمير التي انتهجها النظام، والتي تبنتها إيران أيضا خلال الشهور الأخيرة من أجل ان تنشغل سوريا بعد الأسد بنفسها ولا تؤثر على مصالح إيران في العراق ولبنان.

الآن وصل التدمير مداه، ولا حاجة للمزيد في ظل اقتراب الحسم العسكري، وأقله احتمالاته القوية (ماذا يعني إلغاء زيارة وفد الفاتيكان بسبب تدهور الوضع الأمني؟)، وبالتالي، فإن المطلوب إسرائيليا هو التوصل إلى حل سياسي مناسب، ويتمثل هذا الحل كما عبر عنه إيهود باراك في واشنطن قبل شهور في الإبقاء على المؤسسة العسكرية والأمنية مقابل إجراء تغييرات في البنية السياسية للنظام.

هذا الحل سيلقى قبولا من الجيش الذي يسيطر عمليا على مفاصل السلطة ويدير المعركة أكثر من بشار، وهو (أي الجيش) لا يريد لنفسه مصيرا مثل مصير الجيش العراقي بعد حله، في ذات الوقت الذي تتسع انشقاقاته بسبب ملامح الحسم الثوري. وحين يتوفر حل يبقيه في مكانه، فسيكون بوسع قادته أن يفرضوا على بشار التنحي، لاسيما أن حلا كهذا سيكون مدعوما أيضا من العلويين (أهم قادة الجيش والمؤسسة الأمنية) الذين سيجدون فيه مخرجا من استهداف كبير في حال سقط النظام بطريقة قوة السلاح؛ جيشا ومؤسسة أمنية. ولا شك أن روسيا التي ترتبط بعلاقة وثيقة مع الجيش، سترضى بحل كهذا يحافظ على الحد الأدنى من مصالحها بدل سقوط مدوٍ ستكون له تداعياته الكبيرة على مصالحها، وهو ما ينطبق بشكل أكبر على إيران التي ستتجنب بذلك هزيمة مدوية ستؤثر تاليا على مجمل إنجازاتها السياسية في المنطقة.

إسرائيليا أيضا يمكن القول إن سقوط النظام يعني احتمال وقوع الأسلحة الكيماوية في أيد “غير أمينة”، (هي اليوم في أيدٍ أمينة)، الأمر الذي ينطبق على منصات الصواريخ بعيدة المدى أيضا؛ ولا شك أن الدوائر الصهيونية قد تابعت ما حصل لأسلحة نظام القذافي بعد سقوطه، وكيف انتشرت في طول المنطقة وعرضها، ووصل بعضها إلى قطاع غزة المحاصر.

من المؤكد أن زيادة حضور الجهاديين في مشهد الصراع السوري يبدو مخيفا بدوره، ويستدعي لملمة الموقف وإيجاد حل سياسي يضع البلاد رهن مشاكلها الداخلية العويصة التي ستحتاج ردحا طويلا من الزمن كي يتم التعاطي معها.

تبقى أسئلة كثيرة تتعلق بماهية الحل وتفاصيله ومن سيشاركون فيه، وهنا سيجيب مؤتمر الدوحة بعد اختتامه على جزء من هذه الأسئلة، فيما سيكون الباقي رهنا بتطورات ميزان القوى على الأرض، وكذلك بين القوى المؤثرة في المشهد السوري بشكل عام.

من الصعب وضع إجابات محددة لهذا المشهد المعقد، لكن ما يمكن ترجيحه إلى حد كبير هو أن المشهد يقترب من نهايته، وأنه لن يمضي وقت طويل حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود فيما يتصل بمسار الأزمة، من دون استبعاد أن يستبق الثوار كل ذلك بحسم عسكري في حال حدوث انهيارات داخلية في نظام أمني يصعب التنبؤ بلحظة انهياره.