محاكمة الإخوان

ومحاكمة عزام ..ومصراتي

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

كنت قد عزمت علي أن يكون موضوع هذا المقال «حقوق الإنسان العربي», وعلي ألا أعود إلي الكتابة في مسألة الجاسوس الصهيوني عزام عزام, وعملية الإفراج عنه, بعد أن رأيته في القنوات العربية الفضائية, وهو يستقل السيارة إلي مطار القاهرة, والبًشر يغمر وجهه, والعافية تمنحه موجة من النشاط وهو يرفع يده بعلامة النصر, ويستقل إلي تل أبيب طائرة خاصة, ومظاهرات الإسرائيليين تستقبله استقبال الأبطال, وهو يخطب فيهم «كنت في مصر ميتًا... وهنا أحياني شارون» وبالأحضان «تلقاه» «رجل السلام!!!» شارون...

كل أولئك جعلني أعزم علي ألا أكتب عن هذا الجاسوس الإسرئيلي حتي أتفادي الشعور بالأسي والمرارة والغثيان, ولكن جدّ من البواعث والأسباب ما جعلني أعدل عما عزمت عليه.

الضهيري... ورؤيته الشائكة

وأول هذه البواعث رسالة تلقيتها «بالفاكس» من القارئ الأديب هاشم محمد عبده الضهيري «سوّاق» من المنزلة دقهلية, والرسالة تدل علي وعي وشفافية ومتابعة دقيقة للأحداث, والأسئلة التي طرحتها الرسالة تتمتع بالطرافة من ناحية, وتكاد تحمل في أحشائها إجاباتها, فجاءت وكأنها من قبيل «تجاهل العارف» وأعتذر للأخ هاشم الضهيري إذ اكتفي بالوقوف أمام سؤالين فقط من أسئلته نظرًا لضيق المساحة المتاحة. والسؤال الأول: بعد توقيع اتفاقية الكويز, هل يستطيع مسئول مصري -مهما كان مركزه- أن يمنع الجاسوس «عزام عزام» من دخول مصر سائحًا أو زائرًا? وهل يستطيع ذلك إذا جاء عضوًا في لجنة إسرائلية للبحث, واستخدام الخبرة في أمور النسيج, أو جاء رئيسًا للجنة من هذه اللجان?

وأقول للأخ هاشم: لو حدث ذلك لكُنّا أمام احتمال من احتمالين: الأول: أن يرفض المسئولون دخوله, ولو فعلوا ذلك لكان إخلالاً بالاتفاقية, ومنطقيًا يمكن أن يقال: إذا كان المسئولون المصريون قد عفوا عنه من جريمة ثابتة, فكيف يستقيم هذا مع المنع, وهو لم يحدث منه بعدها ما يؤاخذ عليه قانونًا?

أما الاحتمال الثاني -وهو الراجح, وأكاد أقول: هو الوحيد- فهو السماح المطلق بدخوله, والمشاركة الفعلية في الاجتماعات والتنسيق والتصنيع, فهو خبير سابق في عمليات الملابس والنسيج, وطبعًا ستسلط عليه الأضواء, وقد يطلق عليه مسئولونا «الملاك الطاهر» بعد أن كان «المجرم الضليع», ولا عجب» فشارون الآن وصفه كبارنا بأنه «رجل سلام», بعد أن وصفوه من قبل بـ«مجرم الحرب والعدوان, وعدو الاستقرار والنظام».

لو «شرّفنا» «النبيل» عزام, لمثّل ذلك لطمة جديدة لكرامة المصريين ومشاعرهم, ولأثار كوامن نتمني أن تموت.

ضريح في مصر لعزام

والسؤا ل الثاني في رسالة القارئ هاشم الضهيري -وهو أطرف من الأول-: «لو هلك عزام هذا -بعد عمر قصير إن شاء الله- وكتب في وصيته أن يُدفن بجانب «سيدهم أبو حصيرة» في مصر, هل تستطيع حكومتنا أن ترفض تحقيق هذا الطلب? وطبعًا سيصير قبره أو ضريحه مزارًا لأنه حقق «معجزة» الاستهانة والسخرية بالمصريين.

وأقول: إذا كان الكيان الصهيوني قد رفض تنفيذ وصية عرفات بأن يُدفن في القدس, فإن حكامنا لن يستطيعوا رفض الوصية العزامية للأسباب التي ذكرناها في إجابة السؤال الأول.

وطبعًا سيكون من حق الإسرائيليين أن يتدفقوا بعشرات الألوف علي مصر لزيارة ضريحي الوليين صاحبي الكرامات «أبو حصيرة» و«عزام». ومن حقهم أن يعقدوا أمام الضريحين حلقات العبادة والذكر, وقد تستغرقهم «الغيبوبة الروحية», فيهتفون: «مدد.. مدد.. يابو حصيرة.. مدد.. مدد.. سيدي عزام». ولا تستبعد -يا هاشم- أن تضم الساحة ضريحًا ثالثًا لخنزير ثالث اسمه «مصراتي» .... سنعود إليه بالحديث.

تشويه الحقائق

وقد رفض المسئولون الكبار جدًا مقولة إن الإفراج عن عزام جاء كجزء من اتفاقية سرية, أو بضغط خارجي بين يدي اتفاقية «الكويز». ثم تعددت التبريرات من المسئولين. وحملة قماقم النفاق من الصحفيين والكتاب السياسيين:

فذهب بعضهم إلي أنه أُفرج عنه بعد قضاء نصف المدة, وكان «نموذجي» السلوك وهو في السجن.

وهو تبرير يرفضه الواقع لأن «عزام» لم يقض من الخمسة عشر عاما المحكوم بها عليه إلا سبعة اعوام. وقد عاش في السجن سيئ السلوك معوج الخلق, ودأب علي سب مصر والمصريين دون حياء. ثم إن مثل هذه القضايا الخطيرة تقتضي التشديد لا التخفيف.

وهناك آلاف من المعتقلين المصريين قضوا في المعتقلات أكثر من عشر سنين دون محاكمة, ولا يعرف أهلهم عنهم شيئًا.

وقال بعضهم: بل أُفرج عنه لأسباب صحية. وهو تبرير مضحك, لأنه كذب بواح» فقد رأيناه كالثور قوة.. وصحة.. وسوء أدب.

ولماذا لا تشمل هذه الإنسانية المساجين والمعتقلين المصريين? وقد قرأنا في العدد الماضي من «آفاق عربية» كيف انحدرت صحة الصحفي أحمد عز الدين المسجون احتياطيًا بلا سبب مقنع... وهو الآن أقرب إلي الموت منه للحياة.

وأظهر هذه التبريرات أنه أُفرج عنه مقابل الإفراج عن الطلاب المصريين الستة الذين كان من الممكن أن تصدر عليهم أحكام قاسية.

وهو تبرير ظاهر الوهن» لأن التحقيقات أثبتت أن هؤلاء كل تهمتهم أنهم ضلوا الطريق, فدخلوا إسرائيل دون أن يعرفوا... ولم يكن معهم من السلاح ما يُحدث تخريبًا أو تدميرًا أو قتلاً. ثم إن المقايضة ظالمة... ظالمة إذ يُطلَق سراح مجرم مقابل إطلاق سراح أبرياء. وكان حكامنا -بشيء من الإصرار- يستطيعون حمل إسرائيل علي إطلاق هؤلاء الستة مقابل التصفية العمدية لجنودنا الثلاثة في رفح, ومن عجب أن تبرئ لجنة التحقيق الإسرائيلية قاتلهم بزعم أن الحادث وقع في ليلة كثيفة الضباب (!!!). ثم إن الزعم بانتظار أحكام قاسية عليهم لا يعدو كونه احتمالا... مجرد احتمال.

هذا وقد صرح «سيلفان شالوم» وزير الخارجية الإسرائيلي بأن الحكومة المصرية أفرجت عن عزام دون قيد أو شرط, وأنه -حسب الاتفاق مع المصريين- فإن عدم إطلاق سراح هؤلاء الستة لم يكن حجر عثرة في إتمام صفقة عزام. وإنما أطلقت إسرائيل سراحهم كبادرة حسنة مع أن المسئولين المصريين لم يشترطوا الإفراج عنهم.

وكيف تناسي حكامنا أن هناك280 مصريًا في سجون الكيان الصهيوني, بعضهم مضي عليه في سجونهم قرابة نصف قرن. وقد أوردت صحيفة العربي الناصري أسماء هؤلاء (12/12/2004).

وكتب إبراهيم سعدة:

وفوجئنا يوم السبت الماضي (18/12/2004) بإبراهيم سعدة -رئيس تحرير أخبار اليوم- في مقاله الأسبوعي يأتي بغريب كأنه يتحدث إلي شعب أبله عبيط. يقول بالحرف الواحد: «أما اليوم, وقد أمضي الجاسوس الإسرائيلي أكثر من نصف مدة العقوبة (وهذا غير صحيح) فإن الإبقاء عليه داخل سجوننا أصبح -من وجهة نظري- لا معني له, ولا هدف يُرجي من ورائه... والإبقاء علي الجاسوس عزام في سجوننا أصبح بلا معني. كما أنه أصبح يمثل عبئًا ما أسهل التخلص منه!!..

وإنني أعلن عن قناعتي التامة بأن الجاسوس الإسرائيلي أصبح -منذ فترة طويلة ماضية- شخصًا غير مرغوب فيه في سجوننا. ولو كان الأمر بيدي, لبادرت بطرده من بلادنا» (ص 10- أخبار اليوم 18/12/2004).

وأقول لهذا الكاتب: مبارك عليك فأنت بالمقولة الأخيرة صاحب نظرية جديدة خلاصتها أن المسجونين نوعان: نوع تعتز به الحكومة وتتمسك به, لذلك فهي لا تفرط فيه أبدًا, وتتولي «حفظه» في سجونها, وزنازنها. ونوع «دميم» -سيئ الأدب- لا يستحق أن ينال هذا الشرف.. فعلي الحكومة طرده من سجونها فورًا.

ونقول: يا سيدنا, شعبنا -والله- ليس عبيطًا أبله, ولم يعد يفرز «ريالة» لأن حكومة الحزب الوطني «نشّفت» ريقه بالجوع, والمرض, والرعب, والفقر.. وعلي أية حال فقد اثبت بكلامك هذا لأنك أضحكتنا.. ورفهت عنا, وإلي مزيد من الابداعات والنظريات الجديدة.

مصراتي.. ولغة التبول

ومنذ قيام الميمونة سنة 1952-  وقبلها -  والصهاينة يتعاملون معنا بسلاح الغدر والتدمير عن طريق زرع أمثال عزام, ولا يتسع المقام لعرض تاريخهم الأسود القذر في هذا المجال. وهناك سابقة إفراج عن جاسوس مجرم -دون مقايضة أو بدل- وهو الجاسوس «مصراتي» وابنه, وابنته فايقة مصراتي سنة  1992.

وكان مصراتي أقذر من وقف في محكمة مصرية, فقد سب مصر, وسب المحكمة والقضاة علنًا. وأكثر من ذلك تبوّل علي القضاة المصريين. فلما أراد ضابط مصري منعه, وجَّه إلي وجهه لكمة قوية أشعلت أنفه, وأفقدته الشعور بمكان أذنيه.

وحكمت عليه المحكمة بثلاث سنين ونصف لهذه الجريمة فقط, واستمرت محاكمته لتهمة التجسس...

أما ابنته فقد استخدمت جمالها لنقل «الإيدز» للشباب المصري, و«شخصيات» أخري.

وفجأ أفرج حكامنا عن «مصراتي» وآله دون أن يستوفي عقوبة التبول وضرب الضابط المصري, والسبب غير معروف -أو غير مشهور حتي الآن. وادعوا للسلطان بالنصر  .

***

وتسألني -يا قارئي العزيز-: لماذا يتجرأ هؤلاء الأقذار علينا سبًا وتحقيرًا, واستهانة? الإجابة واضحة -كل الوضوح- لأنهم يأتون جرائمهم وهم علي يقين أن حكومتهم معهم ووراءهم ولن تتخلي عنهم.

أما نحن... فحكومتنا دائما علينا.. موكلة بنا تجد المتعة واللذة فى ايذائنا وتعذيبنا والقضاء على أصحاب العقائد الشامخة والمبادئ والقيم العليا .