ثلاث رسائل من أمنيات موسكو العشر

زهير سالم*

[email protected]

رغم أن الوسيط الروسي " فيتالي نعومكن " نفى أن يكون المنتدون في موسكو قد توافقوا على ( نقاط موسكو العشر ) التي لم ترق إلى مستوى عشر القاهرة من قبل ، والتي اعتبرت بدورها محاولة اختزالية لمؤسِسات مؤتمر جنيف الأول ، التي أصبحت غنما بعد أن كانت غرما ؛ نقول رغم أن الوسيط الروسي قد نفى أن يكون المنتدون في موسكو قد توافقوا على عشر موسكو ، وأفادا أن هذه العشر الروسية هي مجرد آمال روسية أو أسدية إذ لافرق .. إلا أن المشوشين الإعلاميين ما زالوا يطوفون بهذه العشر ويرددونها ويوحون أنها ستكون الأساس لمؤتمر ( مسكووي ) قريب ، بشر السيد قدري جميل أنه سيعقد بعد شهر ، بينما اقترح بشار الجعفري أن يكون اللقاء القادم في دمشق إذ لاشيء يمنع السوريين من اللقاء في ( دمشق الأسد ) ما دام هذا هو سقف حديثهم وأفق تطلعاتهم ..!!

نقدر أن كثيرا من السوريين الجادين قد ضنّوا بأوقاتهم أن يتابعوا تفاهات ما جرى من عبث في موسكو ؛ إلا أن محاولات وسائل إعلام عربية وأعجمية النفخ في هذا اللقاء ، وفي نقاطه العشر ، وتحويل الأماني الروسية كما سماها نعومكن إلى وثيقة توافقية تجعل من المفيد بل من الضروري محاولة الاقتراب من ( نزاهة الأماني ) الروسية في الوساطة الآثمة المريبة .

سنحاول في هذا المقال مقاربة الأماني الروسية في نقاط ثلاث فقط عسانا نضع اليد على حقيقة المراهنة على موقف روسي يمكن أن ينتج عنه شيء .

نتوقف عند البند الثاني من ورقة الأماني الروسية التي تدعو المعارضة إلى التوافق عليها مع الظالم المستبد فنقرأ دعوة نقية إلى : مواجهة الإرهاب الدولي بكل أشكاله ومظاهره .

نحن لا نظن عاقلا في هذا العالم يرفض (أمنية ) مثل هذه ، فمن عساه يرفض مواجهة الإرهاب بكل صوره وأشكاله وفي كل زمان ومكان في هذا العالم ، يعلم الروسي قبل الأسدي والأمريكي أن الصراع العالمي بين قوى الخير والشر قائم أصلا على التوافق على (مفهوم الإرهاب ) وتحديد صوره وأشكاله . فبشار الأسد قد ألحق هذه الثورة منذ هتفت ( الشعب السوري ما بينذل ) بالإرهاب وسمى متظاهريها السلميين بالإرهابيين . وبالمفهوم الروسي الأسدي للإرهاب فإن البند الثاني من الأماني الروسية تدعو المعارضين الذين يشربون الشاي على موائدها أن يكونوا أدوات عملية للتصدي للثورة ، وإجهاضها ، وقطع الطريق على آمال وتطلعات الثوار الذي يحملونها ويحلمون بها .

وإذا استرسلنا مع استجلاء أبعاد البند الثاني من الأماني الروسية نجد أن من حقنا أن نتساءل : هل تمويت البشر بالتجويع في سجون بشار الأسد ( حيث يفضل للموت أن يأتي بطئيا ) كما أفادت المحققة الأممية في تقرير لها قريب هو عمل إرهابي أو لا ؟! وهل قصف الأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس والمساجد والأفران والأسواق العامة بالطيران الحربي والبراميل الغبية وبالغاز الخانق والنابلم الحارق هو عمل إرهابي أو لا ؟! عن أي إرهاب يتحدث الإرهابيون الروس والملتفون حول موائدهم ، عن إرهاب الدول المدجج بكل أدوات القتل والتدمير وبكل أدعاءات الشرعية المزيفة ، أو عن إرهاب الأفراد الذي ليس لأحد أن يسوغه بل لا بد للعقلاء من تفسيره ، ومقاومته بالتصدي لدواعيه وأسبابه ...

في النقطة السادسة من الأماني الموسكوية نطالع البند التالي : (الحفاظ على استمرارية أداء مؤسسات الدولة ..)

وهي أمنية براقة بلا شك ، أمنية طالما اختبأ خلفها الصغار من المدافعين عن عباءة بشار . ( الدولة ) !! عن أي دولة يتحدث هؤلاء المأفونون . فمتى كان في سورية دولة . منذ نزا حافظ الأسد ومن بعده ولده على كل أشكال الشرعية في سورية فهتكها ؟ هل هي الدولة التي يعيث فيها المستبد استبدادا وفسادا ؟! هل هي الدولة التي تقتل على الهوية ، وتعتقل على الهوية ، وتعذب على الهوية ، وتمنح وترفع وتمكن على الهوية وتمنع وتضع وتقصي على الهوية ؟! وهل توجد دولة حيث لا يوجد قانون ، لا نقصد قانونا مسطورا وإنما نقصد حيث لا يسود قانون عادل يصدر بإرادة وطنية وينفذ على ( الأبيض والأسود والأحمر ..) ؟!

هل يقصد الروسي الخبيث وكل الأغبياء الذين طالما سمعناهم يرددون الكليشية نفسها ( باستمرارية عمل مؤسسات الدولة ) أن يستمر ما يسمونه زورا وبهتانا ( الجيش العربي السوري ) في قصف المدن الآمنة ، والأحياء الوادعة ، وأن يتابع مهمته في اقتحام المنازل وهتك الحرمات والنيل من النساء والأطفال ..

هل يقصد الروسي الخبيث من أمنيته الشيطانية أن تستمر ( مؤسسات الرعب ) التسع عشرة في أداء مهمتها في اعتقال المواطنين ، تعذيبهم ، وشيهم ، وقتلهم تجويعا وتجفيفا وبكل الوسائل البشعة التي تعف عنها الوحوش الضواري في غاباتها ..

النقطة التاسعة في الأماني الروسية الشيطانية جاءت هكذا ، وآسف أنني وجدت في الصور المتلفزة عقالين عربيين حول مائدة الشر والإثم المنعقدة في موسكو ، تقول الأمنية الروسية الشريرة أو المجبولة من معدن الشر ( رفض أي وجود عسكري أجنبي في سورية من دون موافقة حكومتها )

وهل يحتاج القيد الأخير ( من دون موافقة حكومتها ) إلى تعليق وتوضيح؟! . أي نزاهة بعد هذا يتمتع بها ( الوسيط ) الروسي في أمانيه الشيطانية ،وهو ينتزع الشرعية لتدخله المباشر في الشأن السوري ، وكذا لتدخل حليفه الإيراني وتوابعه اللبنانية والعراقية واليمنية والأفغانية والأوزبكية ؟! بل والأكثر من ذلك وهو ينتزع الشرعية للتحالف الدولي الأمريكي كنوع من رد الجميل للموقف الأمريكي الذي منح الروس حق العبث في مصير السوريين ؟!

بقي أن نقول لهؤلاء الأدعياء الذين خفوا حفاة إلى موسكو ومن اختبأ وراءهم كفى عبثا بمستقبل سورية ، كفى استخفافا بدماء شهدائها ، وعذابات أبنائها ...

ألا شاهت الوجوه وقُبّح الروسي ومن يرجوه ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية