هل الانشقاق والعزوف التنسيقي قدر الإسلاميين في الجزائر

هل الانشقاق والعزوف التنسيقي

قدر الإسلاميين في الجزائر؟؟؟

جمال زواري أحمد ـ الجزائر

[email protected]

إن المتابع لمسيرة الإسلاميين الجزائريين بمختلف أحزابهم وحركاتهم وجماعاتهم وكياناتهم ، منذ الانفتاح السياسي وإلى يوم الناس هذا ، يرصد بوضوح حالة التشظي التي يعانونها ، ويرى نوعا من العزوف التنسيقي بينهم يتكرر في كل المحطات المفصلية ، ويرقب بجلاء  ظاهرة الانشقاقات المتكررة في صفوفهم ، بحيث انقسمت الحركة إلى حركتين أو ثلاث ، وانشطر الحزب إلى شطرين أو أشطار ، بحجج مستنسخة ، تحمل في كل مرة نفس المبررات تقريبا ، وهي تصحيح المسار والفرار بالمنهج وانحراف المسيرة واستهلاك الرصيد وتجديد النضال بوسيلة مختلفة شكلا ومضمونا ، لكن في الحقيقة ما رأينا في سلوك من انشق عن الأصل أو الفرع أو انشق عن المنشق ، أيّ تجديد أو تطوير أو تغيير أو تصحيح أو إصلاح يذكر ، وإنما نفس الوجوه والبرامج واللغة والخطاب والمسار كذلك ، ما تغيّرت إلا اللافتة لا غير.

وإن كنا نقرّ بوجود الكثير من الأخطاء لدى هذه الحركات والأحزاب والجماعات ، قد ترقى لدى بعضها إلى درجة الخطايا ، لكن ذلك لا يبرر ظاهرة التوالد غير الطبيعي للكيانات داخل الساحة الإسلامية الجزائرية الحزبية على وجه التحديد ، لأن ذلك من شأنه أن يعمّق المشكل ولا يساهم في حلّه ، ويوسّع الهوة ، في الوقت الذي كان ينبغي فيه ردمها .

فحتى وإن كانت هناك إشكالات داخل هذه الأحزاب والحركات ــ وهذا أمر ليس غريبا ــ ، فلن يكون حلّها بتعميق الانقسام وتعزيز الانشطار، لأن ذلك يكون كالذي يتطهر بالنجاسة ــ أكرمكم الله ــ هو يعتقد أنه يمارس التطهير ، وهو يزيد في منسوبها قياسا مع الفارق بطبيعة الحال.

كما تجدر الإشارة أنه لا يمكن أن يتم ذلك ــ إن تم ــ بنفس الوجوه التي ساهمت في صناعة المشاكل المتراكمة في حركاتها وأحزابها الأم ، لأنها ستعيد نفس السيناريو في كياناتها الجديدة ــ وقد حدث ذلك ــ على مذهب أينشتاين الذي يقول:(( لا يمكن أن نحلّ مشكلة ، بنفس العقول التي أوجدتها)).

وللأسف الشديد ما زالت النغمة نفسها والمسوغات نفسها تتردد هذه الأيام ، وكأنما قدر الإسلاميين الجزائريين أن يبقى الحبل على الجرّار لديهم في تقسيم المقسم وتجزئة المجزء ، ولو أن الجهود التي بذلت وتبذل في صناعة الانقسامات وتكريس الانشقاقات ، بذل نصفها أو حتى ربعها في مبادرات التنسيق والتجميع والتعاون وتجاوز الخلافات ، لأثمرت الخير الكثير لكن إرادات الهدم أسهل تنفيذا دوما من إرادات البناء ، وفي حالة التيار الإسلامي الجزائري تحديدا ، فإن كيمياء التفتيت كما سماها المستشار طارق البشري الحاضرة لديه دوما والعقد النفسية التاريخية لدى بعض قادته ، والشعور بالندية وتنافس الأقران لدى بعضهم الآخر ، إضافة إلى غلبة الأهواء والغرور وحب الزعامة والتصدّر ، وطغيان المصالح الشخصية ، أكثر حضورا ــ لدى هؤلاء القادة على الأقل ــ من الرغبة في الوحدة والتنازل من أجل المشروع الجامع ، والتجرد للغاية النبيلة ، والانتصار للحق ، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الذاتية.

ولا علاقة للأمر بتاتا بما يحاوله البعض من تغليف ذلك بمصلحة المشروع الإسلامي وإنقاذه ، واختلاف التنوع ، وأن التعددية ظاهرة صحية ، وعدم جعل البيض في سلّة واحدة ، لأنه ثبت من خلال الممارسة العملية ، أن أغلب ما يقال ويقدم أعذار أقبح من ذنوب ، فإذا بالمشروع الإسلامي أفل نجمه وغابت معالمه وانمحت الكثير من أثاره ، وضعفت قدرته التنافسية إلى حدّ كبير ، وأن الكثير من الاختلاف الذي نراه هو اختلاف تضاد وفرقة ، وأن التعددية الموجودة في الواقع هي ظاهرة مرضية بامتياز وفصائلية سلبية ضررها أكثر من نفعها بكثير، وأن البيض الذي تفرق في سلال متعددة ، أصبح بعضه مارجا ، والبعض الآخر فرّخ كتاكيتا جديدة ضعيفة أو مشوّهة أو تعاني من نفس الأمراض التي تم حضنها وتفريخها من أجل تفاديها .

فما أحوج الإسلاميين الجزائريين الآن إلى الإحياء العملي بينهم لقيم خفض الجناح ولين الجانب والتآلف والتراحم والتعاون الفعلي في المشترك الجامع وما أكثره ، وفك الاشتباك في المختلف المانع وما أقلّه ، وأن لا تنحصر خياراتهم إما أن يندمجوا في كيان واحد ، أو أن يرفض بعضهم بعضا ، ويسعى جاهدا لتجريمه ومحاولة إلغائه والتقليل من دوره ، حتى يصل الأمر إلى التشكيك في غرضه ونواياه.

كما إن الإرادات والأجندات الخارجية التي يهمها أن يبقى التيار الإسلامي منقسما على نفسه ، ومنشطرا إلى كانتوهات منعزلة عن بعضها ، وكلا يغرّد منفردا ــ إن لم يساهم أصلا في تشويه إخوانه من نفس التيار والتزهيد فيهم ــ ليكون في الأخير الكل خاسر ، وإن غالط البعض أنفسهم بأنهم يمكن أن يسجلوا نقاطا بهذا الفعل ، قلت هذه الإرادات والأجندات دخلت على الخط مرارا وتكرارا ، لتجد لها صدى داخليا في الكثير من الممارسات والسلوكات الذاتية لأبناء التيار أنفسهم.

وفي هذا الإطار لا يسعنا إلا أن نثمّن مبادرة التكتل ، فهي خطوة جريئة وشجاعة في الاتجاه الصحيح على المستوى الإستراتيجي ، وإن أصابها بعض القصور وشابتها بعض الأخطاء على المستوى التكتيكي ، الأمر الذي يجعلها في حاجة إلى مراجعة وتقييم واستدراك وتصحيح وتصويب للنقائص والأخطاء التي اعترتها في محطتها الأولى ، مع ضرورة السعي الحثيث لتوسيعها ، لتشمل أغلب مكوّنات التيار الإسلامي إن تعذر الكلّ .

وتظهر أهمية الخطوة ، في أنها تكذيب عملي وواقعي لاعتقاد الكثير من المتشائمين لمسلّمة استحالة تقارب الإسلاميين الجزائريين وتنسيقهم فيما بينهم وجلوسهم مع بعضهم وتنازلهم لبعضهم البعض ، وأن انقسامهم وتفرقهم هو قدرهم  الذي لا يمكنهم الفكاك منه وفعل عكسه ، مهما تشدّقوا به من مجاملات ومعسول الكلام ، ومهما حلموا به من أحلام وردية ، لتثبت ــ هذه الخطوة ــ أن حدوث ذلك ممكن ، وأنه أسهل ممّا يتصوره الكثيرون ، إذا صدقت النوايا وغابت الأنانيات وحضرت مصلحة المشروع ووضعت في الحسبان تحديات خصومه.

في الأخير لا يسعنا إلا أن نقول لجميع هؤلاء قادة وجنودا وحركات وأحزابا وكيانات ، أن الوقت قد حان لتتأكدوا أن الانشقاق والانقسام والعزوف التنسيقي ليس قدركم المحتوم ــ كما تريدوا أن تصوروه من خلال تصرفاتكم ــ ، وجرّبوا أن تتنازلوا عن خلافاتكم وأنانياتكم وعقدكم وأهوائكم ، لتجدوا من بركات الوحدة والتنسيق والتعاون وتضافر الجهود ، ما يغنيكم عن الكثير من مساعيكم منفردين ، كل واحد منكم يتحرك بمنطق القاصية ، فينفرد الذئب بكم الواحد تلو الآخر ، فإن بقيتم مكابرين مستمرين في العناد والتبرير ــ خاصة القادة ــ فإنها الحالقة للجميع ــ لا قدّر الله ــ ، وإلا ستنقلب الطاولة عليكم من طرف قواعدكم ، لأن البراءة فيهم أكبر والرغبة لديهم في توحيد الجهود والصفوف أصدق ، ولم يعودوا يتحملون تبريراتكم للانقسام والانشقاق وعدم التنسيق ، فقد حدثت عندهم حالة إشباع من ذلك.