الثورة في سورية أكبر من محرقة جنيف

لا جواب سوى أن يتلاقى السياسيون

مع الثوار على أرضية الثورة

نبيل شبيب

من العبث الحديث عن دور دولي يخدم الشعب السوري وأهداف ثورته التحررية الكبرى.. هكذا دون ثمن، ولا يمكن للشعب الثائر في سورية أن يقبل بإسقاط الاستبداد الهمجي في الداخل ليقبل بوضع جديد ينطوي على تبعية أجنبية لأي قوّة خارجية، فكل تبعية أجنبية نوع من أنواع الاستبداد الخارجي، يقيّد الحق السيادي الحاسم: صناعة القرار.

ما جرى في جنيف يمثل توافقا ناقصا بين قوى دولية، لكل منها أهدافها في التعامل مع الثورة الشعبية في سورية، ولا تتحرك هذه القوى الدولية، منفردة أو مجتمعة، إلا بالسرعة التي تقررها لنفسها، والقرار خاضع للمصالح الذاتية.. ولكنه خاضع أيضا لما يحدث على الأرض، وهذا ما يملك الثوار صنعه، وهو ما ينبغي أن يكون محور الاهتمام لديهم.

لا علاقة لقرار جنيف.. بأهداف شعب سورية الثائر. قرار جنيف.. قرار يعبر عن مواطن النزاع فيما بين صانعي القرار، وليس عن واقع "النزاع" بين شعب ثائر وعصابات متسلّطة بالحديد والنار والإجرام الهمجي على الوطن وأهله.

يمكن لمن يريد أن يخوض في عالم السياسة -مهما كانت دوافعه ومهما كان حجمه الحقيقي- أن يتعامل مع قرار جنيف بصورة ما، فيرفض أو يقبل، ويطالب أو يتجاهل، ويساوم أو يترفّع عن المساومة، وجميع ذلك لا يعفيه من السؤال: أين موقعه هو من الثورة الشعبية بمقياس "دعمها" ليكون له قسط من "تمثيلها"؟..

. . .

لم يتفق المؤتمرون في جنيف حتى على تفسير مشترك لما صدر عنهم تحت عنوان حكومة انتقالية شاملة لجميع الأطراف، ولكن حتى في حالة من يقول بحكومة انتقالية مع "تنحّي" المتسلّط على السلطة دون مشروعية من اللحظة الأولى لتسلّطه، ماذا يعني القرار على أرض الواقع بالنسبة إلى مسار الثورة؟..

- فترة زمنية أولى لنقل نتائج القرار إلى مجلس الأمن..

- فترة زمنية ثانية لمشاورات المجلس على صياغة قرار..

- فترة زمنية ثالثة للقبول والرفض والمساومات والتعديل..

- فترة زمنية رابعة -إذا صدر قرار عن المجلس- للتفاوض مع الطرف الذي يواصل ارتكاب جرائمه الهمجية..

- فترة زمنية خامسة.. وسادسة.. وسابعة..

وعند مقارنة وسطي عدد الشهداء في بداية الثورة في حدود العشرات أسبوعيا مع وسطي عددهم الآن في حدود العشرات يوميا.. يمكن أن ندرك ما تعنيه هذه الفترات الزمنية على أرض الواقع في سورية.

. . .

يجب أن يدع الثوار الأحرار الانشغال بذلك القرار دون جدوى ولا فائدة ولا سقف زمني، لأولئك الذين يحبون أن يشغلوا أنفسهم به، باسم السياسة، سواء اعتبروها "سياسة واقعية" أو فنّ الممكن" أو مهنة من المهن.

وليشتغل من يريد أن يشتغل بالعمل على "توحيد المعارضة".. شريطة أن يكون توحيدها تحت لواء الثورة والثوار والوطن والأحرار وليس تحت لواء "التوافق مع ما يريده مجتمع القوى الدولية أو بعضها".

قد لا يملك الثوار سلاح الأقلام والأوراق والمؤتمرات واللقاءات الرسمية، وقد يحتاجون إلى من يملك هذا السلاح.. ولكن على أن يكون سلاح معايير التغيير التي صنعتها الثورة وفرضتها، وليس سلاح "سياسات ومعايير وأساليب تقليدية" من حقبة ما قبل الثورة.

الثوار هم من يملكون صناعة الواقع على الأرض.. وهم يصنعونه، وسلاحهم فيه دماء طاهرة وآلام لا حدّ لها.. وسلاحهم أيضا تصميم وعزيمة، وصمود وإقدام، وتضحيات وبطولات، ممّا لا يكاد يصدّق وجوده ولا مفعوله كثير ممّن يشتغلون بالأقلام والأوراق والمؤتمرات.

لقد وصل إنجاز الثورة حتى الآن إلى مرحلة تشهد فيما تشهد في الوقت الحاضر:

- تحوّل الهمجية القمعية الإجرامية إلى جنون شامل.. بعد أن كانت في حدود جنون متنقل من بلدة إلى بلدة..

- تحوّل الإجرام من المواجهة بالقتل "واللقاءات مع الوجهاء" إلى القتل الأرعن المتواصل دون انقطاع..

- تحوّل الهمجية الاستبدادية لأساليب "الحرب" الصهيونية والأمريكية العدوانية بالقصف عن بعد فقط..

- تحوّل نوعية الانشقاقات عن الهمجية الاستبدادية بما تجاوز الأطراف إلى محاور أساسية في بنيتها الهيكلية.. 

- تحوّل الجناح العسكري الحرّ للثورة الشعبية من عمليات انشقاق ودفاع إلى عمليات نوعية فاعلة..

- تحوّل مسار الثورة إلى إنجازات "جغرافية" على الأرض لصالح كتائب الأحرار في المواجهات المباشرة..

- وصول الثورة إلى قطاعات شعبية أوسع ممّا مضى بدأت تعبّر عن نفسها قدر المستطاع رغم حجم المخاطر والتضحيات..

. . .

صحيح أنّ الثورة في حاجة إلى السياسة.. وهذه عبارة طالما ردّدها كثير ممّن يقولون إنهم يشتغلون في عالم السياسة.

فليكن.. شريطة أن تكون "سياسة الثورة"، أي الانطلاق من أهداف الثورة لفرضها عالميا، مثلما يفرض الثوار واقعا جديدا على الأرض.

لا يكفي رفض قرارات ومساومات عالمية من قبيل ما صدر عن جنيف، ما لم يقترن الرفض بمطالب يكتبها الثوار بدمائهم، وطرحها عالميا.. أنّها ليست مادة للمفاوضات والمؤتمرات.

لا يكفي رفض مشروع حكومة انتقالية تضمّ القاتل والضحية.. بل ينبغي تشكيل "حكومة انتقالية ثورية" لا تضم أحدا سوى من يثق الثوار بهم ويقبلون بهم.

لا يكفي رفض برنامج لتوحيد المعارضة تضع بنوده قوى سياسية عربية ودولية، بل ينبغي وضع برنامج لتوحيد المعارضة على أرض الثورة بما يتلاقى مع إرادة الثوار.. واقعا لا زعما.