هل حقا يحمل الإخوان الخير لمصر

هل حقا يحمل الإخوان الخير لمصر؟!

حسام مقلد *

[email protected]

عندما تساءل الأستاذ بلال فضل قبل عدة أشهر عن مصير عامة الناس من غير المسلمين في الآخرة، وهل هم إلى الجنة أم إلى النار؟ قوبل من الكثيرين بعاصفة نقدية هوجاء تفاوتت حدتها من منتقد لآخر بحسب المنطلق الأيديولوجي والفكري لكل شخص، وبغض النظر عن صحة أو خطأ رؤية الأخ الفاضل (بلال فضل) إلا أنه لا ريب مطلقا أن من حقه وحق غيره أن يتساءل عن أية قضية أو مسألة تعنُّ له، ومن حق الآخرين لاسيما العلماء الثقات أن يناقشوا المتسائل أو المُعَبِّر عن فَهْمٍ معين، ويوجِّهوه إلى الحق والصواب إن جانبه، ما داموا يمتلكون من الملكات والمواهب والإمكانيات العلمية والفكرية والأدلة الموضوعية والمنطقية ما يؤهلهم للقيام بدور المرشد والموجِّه.

فالمطلوب هو التحاور والتناصح وليس الصد والمنع والمجابهة، والغريب أن هذا المنهج هو نفسه الذي نتبعه دائما في طرح ومناقشة مختلف القضايا، فمثلا عندما أثار المفكر الكبير الدكتور مصطفى محمود ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ قضية الشفاعة محاولا فهمها على النحو الصحيح جُوبِه مجابهة قوية (بل شرسة أحيانا) وادَّعى الكثيرون أنه ينكر الشفاعة جملة وتفصيلا، في حين أن الدكتور مصطفى محمود نفسه صرح مرارا بأنه لا ينفي الشفاعة ولا ينكرها على هذا النحو الذي أثير في الصحف والمقالات والبرامج الإعلامية التي هاجمته بعنف وإنما هو يحاول فهمها على النحو المنطقي الذي يتسق وصحيح الدين... وذكَر ـ رحمه الله ـ أنه اكتشف أن أغلب من هاجموه لم يقرؤوا كتابه عن الشفاعة، واكتفوا بما سمعوه من إشاعات وأخذوا يردون عليها وكأنها هي عين ما قاله...!!

ويبدو أن هذا هو منطقنا في التعامل مع جميع قضايانا المختلفة، فها هو الإعلام يقوم بشنِّ حملة منظمة وموجهة وعلى أعلى مستوى من الحرفية لشيطنة الإخوان المسلمين وتشويههم، وتشويه مجلس شعب الثورة والتشنيع عليه والحط من شأنه وإنكار إنجازاته وعدم الحديث عنها، والمبالغة في تضخيم السلبيات التي وقع فيها بعض أعضائه، والتشنيع عليهم والتشهير بهم، بل والافتراء عليهم حتى في أجهزة الإعلام الرسمية المصرية نفسها!!

وقد شاهدت شخصيا ـ ولم ينقل إلي أحد الخبر ـ برنامجا على قناة النيل الثقافية يناقش باهتمام مبالغ فيه خبر ـ أو بالأحرى كذبة وفرية ـ ما سُمِّي بـ(مضاجعة الوداع) على اعتبار أنها قضية حقيقية ناقشها مجلس الشعب المصري وشغل نفسه بها تاركا هموم الشعب...!! وثبت بعد ذلك أن هذا محض كذب وافتراء وأن مجلس الشعب لم يناقش هذا الكلام الفارغ، وفي الحقيقة لا يمكن أن يتصور عاقل أن هناك مجلس شعب محترم في أي مكان في العالم يناقش مثل هذه السفاهة التي لا تعبر إلا عن قدر كبير من الجهل والتخلف!

والملفت في الأمر أن التخويف من الإخوان المسلمين ـ بعد كل هذه الحملات البارعة لشيطنتهم ـ قد انطلى على قطاعات واسعة من الشعب المصري من ضمنها شرائح كبيرة من المثقفين وأصحاب المهن الراقية في المجتمع التي يفترض أن أصحابها على قدر كبير من الوعي والنضج، وأن لديهم مستوى عال من الحصانة الفكرية ضد هذا التشويه والتزييف!!

وقد شاهدت ذلك ولمسته مرارا إبان الحملات الانتخابية، وغالبا ما كنت أصدم بفهم الكثيرين لمعنى الانتخابات أصلا، فقد كان كثير ممن نتكلم معهم لدعوتهم لانتخاب مرشح معين ـ أثناء الدعاية الانتخابية ـ يغضب منا ويثور علينا ويعادينا...، ولا أفهم لماذا يحدث كل هذا؟!! مع أن أبسط معاني كلمة انتخابات هو الاختيار من بين مرشحين متعددين، وبالتالي فمن حق كل واحد منا أن يكون له رأيه الخاص وقناعته الشخصية، ولكن ليس من حقه أن يهاجم غيره أو يسبه ويشنع عليه لمجرد أنه يختلف معه في الرأي ويؤيد مرشح غير مرشحه، فأي ديمقراطية وأي حرية رأي ونحن على هذا القدر من التعصب ورفض الرأي الآخر وإنكاره والحَجْرِ عليه وإقصائه بل والسعي لاستئصاله من الحياة؟!!

ومن هنا فإنني أدعو جميع الأخوة الكرام من شتى التوجهات الفكرية والتيارات السياسية أن يعيدوا النظر في آلية تعاملنا مع بعضنا البعض خاصة عندما نختلف، فتبقى قاعدة "الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" هي القاعدة الأسلم في كل تعاملاتنا وتناقضاتنا المختلفة، وليتنا نعيد النظر في موقفنا من جماعة الإخوان المسلمين ومنهجها وفكرها ورؤيتها للكون والحياة، والخالق عز وجل، والدين والإنسان، والعلاقات الاجتماعية، والعلاقات الدولية... إلخ، ليتنا نعيد قراءة أفكارهم وأدبياتهم وتراثهم الفكري الكبير من واقع كتبهم هم وما يقولونه عن أنفسهم، وبعيدا عن الإشاعات التاريخية، والاتهامات المرسلة التي لا دليل عليها، وليتنا ننطلق في ذلك من أرضية موضوعية مجردة ومحايدة دون التأثر بصور ذهنية نمطية مسبقة، أو شائعات إعلامية رائجة، أو أية قناعات فكرية سابقة مع أو ضد هذا التراث الفكري والأدبي الإخواني الزاخر... وأرجو من الجميع أن يحترم عقولنا سواء في موضوع الإخوان أو غيرهم، ونتمنى من كل صاحب موقف أن يخبرنا بالأدلة العلمية الموضوعية عن حقيقة موقفه من أية قضية مثارة تهم الشعب المصري وتتعلق بحاضره ومستقبله، فليته يذكر ويبين لنا لِمَ هو يختلف أو يتفق مع هذا أو ذاك؟! وليته لا يطلق الأحكام على عواهنها هكذا دون تمحيص، فأي إنسان يحترم عقله ويحترم نفسه لا يرضى أن يكون مجرد بوق لترديد الإشاعات الكاذبة وتضليل الناس!!

               

* كاتب إسلامي مصري