حوار مفتوح مع مُجدد الفكر التطبيري

كاظم فنجان الحمامي

حوار مفتوح مع مُجدد الفكر التطبيري

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

كانت صدمة كبيرة لنا جميعا عندما سمعنا بتطاول الشاب الكويتي (ياسر الحبيب) على الرموز الإسلامية الشامخة, ثم انهالت علينا الصدمات عندما تبرعت شبكة (اليوتيوب) بنشر الأشرطة والأفلام التحريضية, التي يسيء فيها (ياسر) للإسلام والمسلمين, وتعكس سعيه الدؤوب لإذكاء نيران الخلافات الطائفية بين المذاهب الإسلامية, وخططه المعلنة لبث الفرقة, وزرع الفتنة بين صفوفهم, والانكى من ذلك كله إنه تعمد الإساءة إلى علماء السنة والشيعة, وخص بالذكر السيد محمد حسين فضل الله, والشيخ الدكتور أحمد الوائلي, وظهر في أحاديثه كلها متهكما على العلماء, ساخرا منهم, مستخفا بآرائهم, مدعيا تفوقه عليهم, ناعتا إياهم بنعوت لم تخطر على بال أعدى أعدائهم, وربما لم ينتبه الناس حتى الآن إلى محاولات (ياسر الحبيب), ومساعيه الحثيثة لإحياء الفكر التطبيري, ولا يعلمون برغباته المحمومة لنسف كل الفتاوى الشيعية التي حرمت التطبير, حتى إنها عدته من البدع والممارسات الدخيلة المنبوذة, وربما لا يعلمون إن ياسرا هذا وجه مدافعه للنيل من المذاهب الإسلامية كلها من دون استثناء, تارة يتهجم على أعلام السنة, وتارة يتهجم على أعلام الشيعة, ثم تفرد وحده بالهجوم على خطباء المنبر الحسيني, حتى وصل به الصلف إلى التطاول على الشيخ الدكتور أحمد الوائلي بسبب موقفه المعارض للفكر التطبيري, فأساء إليه (ياسر) بألفاظ مخدشة وعبارات جارحة, ثم تعمد الإساءة للشيخ جعفر الإبراهيمي, واستخف بالسيد كمال الحيدري, وتطاول بالسب والشتم على السيد محمد حسين فضل الله, ولم يترك أحدا من علماء السنة أو الشيعة إلا وتعرض إليه بالسب والشتم, وركب موجة الفكر التطبيري ليسير بخطوط متوازية ومتوافقة مع توجهات  الفكر التكفيري نحو تكفير الناس وإخراجهم من الملة, فجاءت فكرة هذا الحوار المفتوح كي نبين للناس حجم المغالاة التي بلغها هذا الشاب الموتور, ومدى تطرفه وجرأته وغروره

من هو ياسر الحبيب ؟

شاب كويتي من مواليد 1979, درس في الكويت, وتخرج في جامعتها, وحصل منها على الشهادة الجامعة الأولية في العلوم السياسية, وأكمل دراساته الدينية في (قم) بمدرسة (محمد رضا الحسيني الشيرازي).

اشتغل بعد تخرجه في الصحافة, وكانت بداياته في جريدة (الوطن), ثم انتقل إلى الطليعة, فالرأي العام, فالقبس, فصوت الخليج.

كتب مجموعة من المقالات, كان فيها حادا متعنتا في طرح آرائه العقائدية, رافضا المحاولات الداعية للتقارب بين السنة والشيعة, شاهرا سيفه بوجه دعاة التقارب المذهبي, فتهجم على اللبنانيين (علي الأمين), و(محمد حسين فضل الله), وعلى السعوديين (حسن الصفار), و(حسين الراضي), ثم واصل الهجوم على إعلام السنة والشيعة, وأساء إلى الرموز الإسلامية في صدر الإسلام وعصر الخلافة الراشدية.

ألقت عليه السلطات الكويتية القبض, وأودعته السجن عام (2004) بتهمة التحريض الطائفي, وبتهمة التطاول على رموز الإسلام, فحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة عشر سنوات, وكانت المفاجأة عندما تعالت صيحات الدفاع عنه من المنظمات الأجنبية, غير الإسلامية, وفي مقدمتها وزارة الخارجية الامريكية, ومنظمة العفو الدولية, والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان, ومنظمة أخبار حقوق الإنسان الأمريكية, ومنظمة القلم الدولية, ورابطة المؤرخين القلقين, ورابطة حقوق الأكاديميين, والمنظمة العالمية لحرية التعبير التبادلي, ومنظمة الصحفيين الكنديين, ومنظمة (إنديكس) لحرية التعبير, فأطلقت الحكومة الكويتية سراحه بعفو أميري بعد مضي ثلاثة أشهر من تنفيذ الحكم, ثم أصدرت بحقه مذكرة اعتقال ثانية, ففر إلى بريطانيا عن طريق العراق, واستقر في لندن, وحصل من بريطانيا على حق اللجوء السياسي, ووجد المجال مفتوحا أمامه للتنفيس عن رغباته المعادية لرموز الإسلام والمسلمين, فانتقده العلماء الأعلام في العراق ولبنان, وجردته الحكومة الكويتية من جنسيته. .

الحوزة اللندنية وقناة فدك

استقر ياسر في (لندن) وأسس فيها حوزته العلمية, التي أطلق عليها (حوزة الإمامين العسكريين), من اجل بث أفكاره المخالفة لآراء علماء الشيعة, والمخالفة أيضا لآراء علماء السنة, فاشرف بنفسه على مناهجها, واختص فيها بتدريس (الفقه الاستدلالي), و(علم الكلام). .

أسس عام (2010) قناة (فدك), التي كانت تبث برامجها من (لندن) على القمر (اتلانتك بيرد), لكنها توقفت عن البث بسبب الضغوط التي تعرضت لها شركة الإرسال, فتحولت القناة إلى القمر (هوت بيرد). وعرفها الناس بحدتها تجاه الطائفة السنية, ومعاداتها لمعظم علماء (الشيعة), من أمثال السيد كمال الحيدري, ومحمد تقي بهجت, ومحمد حسين فضل الله, وحسن الصفار, وتعمدت القناة بث اللقاءات التلفزيونية, التي يتهجم فيها (ياسر الحبيب) على خطباء المنبر الحسيني, من أمثال الشيخ الدكتور أحمد الوائلي, والشيخ جعفر الإبراهيمي, فوصفهم بالانهزاميين والبتريين, وتعمد الإساءة إليهم بألفاظ نابية, وعبارات ساخرة, وكرر هجومه عليهم في أكثر من مناسبة. .

دعوته لتجديد الفكر التطبيري

(الطَبرة أو الطُبَرْ) في اللهجة العراقية الدارجة, أداة جارحة أكبر من السكين, وأصغر من السيف, تستخدم في محلات الجزارة. .

و(التطبير) فعل مشتق منها, ويعني استعمال الآلات الجارحة كالسيوف والسكاكين عشية العاشر من محرم, للتعبير عن التضحية بالدماء والأنفس حزنا وألما على فاجعة سيد الشهداء.

يخرجون في جماعات, يضربون على رؤوسهم بسيوف قصيرة (الطبرة), فتسيل الدماء على وجوههم وثيابهم, بيد ان هذه الممارسات (التطبير) تكاد تنحصر في مدن قليلة, وتُمارس حصريا من قبل فئة قليلة جدا من الشيعة, ويطلق اصطلاح (الإدماء) على التطبير أحيانا. .

والتطبير أو (الإدماء) شأنه شأن (الشبيه), و(الضرب بالسلاسل), كان منذ القدم موضع اختلاف بين العلماء والأتباع والمقلدين, حتى كثر الاستفتاء في جواز التطبير من عدمه, فعلى الرغم من إن هذه الشعائر ليس لها أساس ديني من الوجهة الشرعية, وعلى الرغم من إنها تجري وفقا لما يكنه الناس من محبة لسيد الشهداء عليه السلام, ظهر علينا (ياسر الحبيب) ليسبغ عليها صفة الشرعية, وعدها من الثوابت الراسخة, التي لا جدال فيها, وانبرى بالرد على ما صرح به عميد المنبر الحسيني الشيخ الدكتور أحمد الوائلي رحمه الله, قبل ولادة (ياسر) بربع قرن, فوصفة (ياسر) بالبتري و(المنحرف) و(السوقي), و(الجاهل), واستخف برأيه, وتطاول عليه في أكثر من مناسبة, فاستمعوا لما يقوله هنا (ياسر) في هذا الشريط:

">

والحقيقة إن رأي الشيخ الوائلي لم يكن مخالفا للقرآن المجيد وسنة رسوله الأعظم, ولا مخالفا لتعاليم آل بيت النبوة, ولم يكن رأيه مخالفا لرأي كبار علماء الشيعة, الذين سنستعرض فتاواهم هنا, ومع ذلك تعمد (ياسر) الإساءة إليه, ونسف تاريخه الطويل في خدمة المنبر الحسيني, وتعامل معه وكأنه من أعداء الشيعة, فاسمعوا ما قاله الوائلي رحمه الله بشأن التطبير في هذا الشريط:

">

قال الوائلي: إن هؤلاء يريدون أن يحولوا فاجعة كربلاء إلى مسخرة, يريدون أن يرقصوا على جراحنا, حري بهم أن يتأدبوا بآداب الحسين, يتخلقوا بأخلاق الحسين, يحملوا عزيمة الحسين, ينشروا فكر الحسين, فالحسين خلق, والحسين فكرة, والحسين عزيمة, والحسين ثورة على الظلم والباطل, والحسين عطاء, والحسين جهاد في سبيل الله. .

ثم وجه كلامه إلى (المطبرين), وقال لهم: قوموا بعمل علمي, لا أن تأتوا بإعمال غوغائية مهرجة, تحولني في أنظار الناس إلى تافه, وقال: إن الحسين لم يخرج إلى كربلاء حتى يعيش الناس بالخرافات, أو حتى ينتعش المرتزقة, ثم استشهد بهذه الأبيات من رائعة الشاعر السعودي الكبير محمد العلي الهجري:

لن تُفجّرْ لظاكَ يهدرُ بالحقّ

لتروي قرائحَ المُدّاحِ

بل لنحيا سعيرَهُ مارداً يصنعُ

للمجدِ سُلّماً من أضاحي

وقال إن نهضة الحسين أكبر من تلك التوافه, ثم استشهد بهذه الأبيات من قصيدة كتبها هو في السبعينيات:

وضعناك في الأعناق حرزا وإنما خلقت لكي تمضي حساما فتشرع

وصـــغناك من دمــــعٍ وتلك نفــــوسنا نصورها لا أنت انك ارفــــع

أبا الطــف ما جئنا لنـــبني بلفظنا لمـعنـاك صـــرحا أن معـناك امنع

متـى بنت الألفـــاظ صــرحا وإنما الصــروح بمقدود الجمــاجم ترفع

واختتم كلامه بأبيات أخر من قصيدة له أيضا, فقال:

أيا كربلا يا عبير الجراح وزهو الدم العلوي الأبي

ويا صرح مجدٍ بناه الحُسين وأبدعَ في رصفه المعجبِ

ويا عَبقاً من عبيرِ الخلود يشد الأنوف إلى الأطيبِ

سيبقى الحسين شعاراً على أصيلك والشفق المذهبِ

وفي هذا يذهب أكثر الفقهاء إلى تهذيب عواطف الناس, وتوظيفها بالاتجاهات الايجابية النافعة, والسماح لهم يوم عاشوراء بالتبرع بدمائهم إلى المستشفيات ومصارف الدم, حتى يُستفاد منها في إنقاذ أرواح الكثير من الناس الذين هم في أمس الحاجة إلى الدم. .

تحريم التطبير

اتفق أكثر علماء الشيعة على تحريم (التطبير), وأكدوا على عدم جوازه, ونستعرض هنا, خلاصة ما أفتى به أعلام الشيعة:

هذا السيد محسن الأمين في الصفحة السادسة من كتابه (المجالس السنية) الطبعة الثالثة, يقول: ((كما إن ما يفعله جملة من الناس من جرح أنفسهم بالسيوف أو اللطم المؤدي إلى إيذاء البدن, إنما هو تسويلات الشيطان, وتزيينه سوء الأعمال)).

وهذا السيد أبو الحسن الاصفهاني يصرح في حديث نقله عنه جعفر الخليلي في كتاب (هكذا عرفتهم), يقول: ((إن استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق وما يجري اليوم من أمثالها في مواكب العزاء بيوم عاشوراء باسم الحزن على الحسين عليه السلام هو محرم وغير شرعي)).

وهذا السيد محسن الطباطبائي الحكيم, يقول: ((إن هذه الممارسات (التطبير) ليست فقط مجرد ممارسات. . . هي ليست من الدين وليست من الأمور المستحبة بل هذه الممارسات أيضا مضرة بالمسلمين, ولم أر أي من العلماء يقول بان هذا العمل مستحب يمكن أن تتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى. إن قضية التطبير غصة في حلقومنا)).

وهذا الشيخ التيجاني يروي لنا في الصفحة (150) من كتابه (كل الحلول عند آل الرسول) الطبعة الأولى, الحديث الذي دار بينه وبين السيد محمد باقر الصدر حين زاره في النجف الاشرف: ((إن ما تراه من ضرب الأجسام وإسالة الدماء هو فعل عوام الناس وجهالهم, ولا يفعل ذلك أي واحد من العلماء بل هم دائبون على منعه وتحريمه)). .

وهذا السيد أبو القاسم الخوئي في كتابه (المسائل الشرعية) في الصفحة (337) من الجزء الثاني, طبعة بيروت, يقول عن التطبير: ((لم يرد نص لشرعيته فلا طريق إلى الحكم باستحبابه)). .

وهذا السيد مرتضى المطهري في كتابه (الجذب والدفع), يقول: ((إن التطبير والطبل عادات ومراسيم جاءتنا من ارثوذوكس القوقاز وسرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم)). .

وهذا الشيخ ناصر مكارم الشيرازي يقول: ((على المؤمنين إقامة مراسيم العزاء بإخلاص واجتناب الأمور المخالفة للشريعة الإسلامية, وعليهم اجتناب التطبير وأمثال ذلك)). .

وهذا ما تفق عليه السيد كاظم الحائري, والشيخ اليعقوبي, والسيد صادق الشيرازي, والسيد الخامنئي, في حين يبرر (ياسر الحبيب) التطبير براويات وأحاجي يلوي فيها أعناق الأساطير والحكايات, ويقفز فوق التعابير المجازية, ليقلب مفهومها بالاتجاه الذي يغذي معتقداته, من ذلك استناده إلى حديث الشيخ الصدوق عن الإمام الرضا (إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا), وينتقل من هذه الحديث إلى إجازة الإدماء والتطبير, والسماح به, فيعده من المستحبات. .

قواعد الحوار بين الفقهاء

لا نريد ان نستعرض القواعد كلها, لكننا وبمناسبة الدفاع عن الشيخ أحمد الوائلي, نستعرض القواعد المنطقية التي كان يراها عادلة في حسم النقاش المفتوح بين الفقهاء, وعلى الرغم من أن (ياسر الحبيب) لم يكن فقيها ولا مشرعا, لكنه منح نفسه صفات لا تتوفر فيه ولا بأمثاله, فتطاول على من هم أعلى منه, وأكرم منه, واعلم منه, وأفقه منه, حتى صار ندا للحيدري, والابراهيمي ووصل به الغرور إلى فتح باب التحدي والمواجهة ضد العلماء الأعلام من كل المذاهب والملل, بل وصل به الغلو إلى التطاول على رموز الإسلام والمسلمين, لذا وجب علينا الارتكاز على القاعدة التي تناولها الوائلي بالشرح والتوضيح في مجالسه, والتي قال فيها:

((عندما يختلف الفقيه مع الفقيه الآخر يقتضي أن يكون مؤدبا في تحاوره معه, فإذا واجهني الذي يخالفني بالرأي, يفترض أن أواجهه وأناقش معه الأدلة التي استعان بها في تعضيد رأيه, فإذا رأيته على خطأ ينبغي أن أصحح رأيه, ولا ينبغي أن احمل عليه واشتمه وانعته بنعوت نابية, لكن مع الأسف الشديد ظهرت علينا شريحة من هؤلاء الذين برعوا بشتم فرق المسلمين بأقذع الألفاظ المقززة, حتى تكاد تفقد أعصابك وأنت تقرأ أطروحاتهم المشحونة بالسب والشتم)). .

لذا يتعين علينا أن نستوضح الأمر, ونستجلي المسألة من الفقهاء المعتبرين, ونحذر كل الحذر من أولئك المندسين بين صفوف العلماء والمشايخ, والعلم منهم براء, ويتعين علينا أن نفرز الفقيه من السفيه, فالفقيه يعرف بحشمته ووقاره, والسفيه يعرف بابتذاله وثرثرته وهذيانه, الفقيه يتحلى بأدب الأخلاق وكريم الصفات, والفقيه يتصف بأقبح العلامات وأرذل الكلمات, الفقيه لا يفتي إلا بالاستدلال بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, والسفيه لا يتكلم إلا بالأحاديث الملفقة والسفاسف المنمقة, الفقيه نيته خالصة لوجه الله وابتغاء مرضاته, والسفيه مراده الرياء والشهرة واللعب, الفقيه يغرس محبته في قلوب المؤمنين, والسفيه لا يستمع إليه إلا من هو على شاكلته. . .

إن من أشد ما أبتلينا به الآن هو هذا الهجوم الخطير الذي يشنه علينا أهل الأهواء والبدع وأهل الزيغ والشبهات, الذين دأبوا على تمجيد الأفكار الهابطة, همهم الأول أن يروا المجتمع في حروب طائفية مجنونة, يقتل بعضهم بعضا على الهوية., وهكذا أصبحنا نواجهه اليوم أعنف العواصف الهائجة في بحار الضياع, تتقاذفنا أعاصير الفكر التكفيري وأمواج الفكر التطبيري. .

قال تعالى:

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}

صدق الله العظيم