تطورات في المشهد السوري ينبغي التوقف عندها

تطورات في المشهد السوري

ينبغي التوقف عندها

محمد عبد الرازق

بموازاة كثرة الدعوات، و المؤتمرات الدولية التي أخذت تتصاعد لإيجاد حل سياسي للقضية السورية، فإنَّ ثمَّة تطورات أخذت تطفو على سطح الصفيح الساخن في سورية، كان منها مؤخرًا (ثلاثة أحداث) ينبغي التوقف عندها، و النظر في مدلولاتها السياسية؛ نظرًا لما تتضمَّنه من إشارات إيجابية، يمكن أن تُبنى عليها مواقفُ تعزز من الدفع بالحراك السوري للمُضي قُدُمًا في طريق إنهاء نظام الاستبداد، و هي:

1ً: إستقالة جماعية من المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، في دمشق.

   فقد قدّم (ثلاثة) من أصل (تسعة) من أعضاء المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب في دمشق استقالاتهم من عضوية المكتب التنفيذي له، وقاموا ـ وفق ما جاء في كتاب الاستقالة ـ بـ ( إعلان البراءة من كل القرارات، والبيانات السلبية الصادرة عنه من دون معرفتهم ).

   و أشار الموقّعون في كتابهم، وهم: الناقد الأدبي والأستاذ الجامعي الدكتور قاسم المقداد، والروائي والصحفي غازي حسين العلي، والشاعر الدكتور إبراهيم الجرادي، إلى ( عجز المكتب التنفيذي عن مواكبة الأحداث الجارية في سورية، وعدم قدرته على تفعيل دوره ومقترحاته؛ ممّا زاد في عزلته عن محيطه الداخلي والعربي، والدولي).

  و قالوا أيضًا: (لم نعُد قادرين على الاستمرار في لعب دور شهود زور في منظمة مشلولة، وعاجزة، ومفسدة).

  وتُعدّ هذه الاستقالة الأولى لأعضاء (مكتب تنفيذي) في منظمة شعبية في سورية منذ بداية الانتفاضة ضد النظام، و هي خطوة تصب في خانة الحراك الشعبي السوري، و تعزز جهود المثقفين السوريين الذين أعلنوا وقوفهم مع أبناء شعبهم المطالبين بتغيير نظام الظلم و الاستبداد؛ و لا سيما أن هؤلاء الأدباء، و الكتاب لهم مواقف مشهودة في أيام (ربيع دمشق)، التي وأدها نظام (الابن) في ظل توجساته الأمنية من فتح باب الحرية في بلد خيم عليه الصمت المطبق ثلاثين عامًا في ظل نظام  (الأب).

   هذا، وقد سبق لعدد من الكتاب أن أعلنوا انسحابهم من عضوية هذا الاتحاد؛ احتجاجًا على صمته على الأحداث الجارية في البلاد.

2ًـ اِنشقاق عشرات الضباط من أصحاب الرُتب العالية، وسط تملل في صفوف الضباط الموالين.

   فقد كشفت مصادر في الجيش السوري الحر عن انشقاق عشرات العمداء مؤخرًا، وتوجههم إلى تركية، وسط تكتم شديد؛ خوفًا من عمليات انتقامية بحق عائلاتهم وأقاربهم، و كان آخرهم (عميد من آل بري، من حلب)، وهو قائد لفوج مدفعية، و حتى ضباط الفرقتين (الرابعة، والخامسة)، اللتين يقودهما ماهر، طالهما بعضٌ من هذه الانشقاقات، بحسب الفديوهات المبثوثة على أقنية( اليوتيوب).

  هذا فضلاً على اِنشقاق يُعدُّ هو الأعلى من نوعه، هو ( اللواء عدنان سلو) نائب مدير كلية الحرب الكيميائية، ولجوءه الى تركية أيضًا.

  يأتي هذا في ظل حالة من (التململ والخوف) بدأت تنتشر في صفوف ضباط الجيش، لافتين إلى (أن الكثير من ضباط الرتب المتوسطة وجدوا أنفسهم ـ بعد سنة ونصف على اندلاع الثورة ـ متورّطين بحرب دامية، ستنتهي بالضرورة لمصلحة الثوار بحكم الغلبة العددية؛ الأمر الذي دفعهم إلى إعادة حساباتهم، وعدم التورط أكثر مع نظام الأسد، فمعظم الضباط يشعرون أنهم (كبش محرقة) يضحّي بهم النظام من أجل استمرار بقائه لأطول وقت ممكن).

  فقد نُقِلَ عن أحدهم، وهو (ملازم أول) ينتمي إلى الطائفة العلوية، قوله:( إنه في بداية الأزمة اعتقدنا أن النظام سينهيها خلال أيام، وقفنا معه بقوة وسعينا بكل جهودنا لإعادة الاستقرار، لكن الذي اتضح لنا لاحقًا أن الأزمة ستطول، والنظام لمْ، ولنْ يستطيع فرض سيطرته كالسابق، هناك واقع جديد نحن نلمسه يوميًا على الأرض، ولكن القيادة ترفض الاعتراف به؛ ممَّا جعلَ النظام  يعمد إلى انتقاء الضباط الذين يقودون العمليات ضد المدن والقرى المنتفضة، معتمدًا على الولاء الطائفي، والعائلي في عملية الاختيار، وفق معايير غاية في التشدد؛ فهناك حالة من عدم الثقة بدأت تتسرب إلى النواة العسكرية الضيقة داخل الجيش النظام، هناك ضباط كانوا من أقرب المقربين للرئيس (الأب) تمَّ استبعادُهم عن القرار في الأزمة الحالية، وآخرون تمَّ تجميدُ نفوذهم، وتقليص صلاحياتهم، و حتى الضباط العلويون، الكثيرُ منهم صار خارج دائرة ثقة النظام).

  يأتي ذلك مع تردد الكثير من الأنباء عن أن الضباط والعسكريين المقربين من النظام يخضعون لمراقبة مشددة من قبل المخابرات العسكرية؛ خشية قيامهم بالانشقاق عن النظام، وهربهم خارج البلاد؛ الأمر الذي دفع به إلى الاستعانة بفرق من القوات الخاصة الروسية للقيام بحماية الرئيس.

  و يعزو المتابعون للشأن السوري هذا التململ في صفوف الضباط الموالين للنظام إلى أسباب عدة،  أبرزها:

·     انحسار قوة النظام الحاكم، وخروج الكثير من المناطق عن سيطرته؛ مما أشعر هؤلاء الضباط بأن النظام آيل للسقوط، ولهذا فإن التورط معه أكثر بمثابة الانتحار.

·     الخوف من العواقب القانونية في حالة تورطهم في المزيد من المجازر والجرائم بحق المدنيين، و قد صدر أكثر من تحذير للعسكريين التابعين للأسد بهذا الصدد، كان آخرها ما صدرَ عن الخارجية الأميركية قبل أيام.

·     تزايد عمليات الاغتيال التي نفذتها مجموعات تابعة للجيش الحر في المدن، والمحافظات السورية ضد ضباط، وعسكريين يقودون حملات القمع والتدمير بحق السوريين. وقد أشعر ذلك الضباط بأنهم سيحاسبون على أعمالهم، و أنَّ هناك جهة ما على الأرض تقوم بذلك؛ فأصبح هؤلاء الضباط يشعرون بالخطر والخوف، ويدركون أنه لا جدوى من الاستمرار في القتال، إلاَّ أنهم لا يستطيعون التراجع، أو الانسحاب؛ خوفًا من المصير الذي قد يلاقونه من قبل النظام، من خلال تصفيتهم.

3ًـ صدور بيان (تاريخي) لـ (هيئة التنسيق الوطنية) تحمّل فيه النظام مسؤولية المسار الدموي الخطير الذي آلت إليه البلاد.

   فقد أصدرت (هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي) المعارضة من الداخل بيانًا ، وصفته وكالة الأنباء الألمانية بـ (التاريخي)؛ حمَّلت فيه النظامَ (المسؤولية عن المسار الدموي الخطير الذي دفع البلاد إليه دفعًا)، كما حمّلته المسؤولية عن تصاعد العنف، وانتشار المجازر، وجرائم القتل، وتصاعد الشحن الطائفي البغيض؛ لخدمة أهداف سياسية قذرة، أهمها إجهاض الثورة، وتغيير صورتها).

  ودافعت الهيئة في بيانها هذا عن المواطنين الذين (حملوا السلاح للدفاع عن أرواحهم، وعائلاتهم، وبيوتهم ضد الانتهاكات، والاعتداءات الوحشية، التي تمارسها أجهزة النظام، و شبيحته المجرمون).

  كما دافعت أيضًا ـ و هي التي تبنت أحيانًا مواقف وصفت بأنها مهادنة للنظام ـ في تطور لافت للنظر عن ( الجيش السوري الحر، الذي يتألف من أبناء الشعب العسكريين الشرفاء، الذين رفضوا أوامر إطلاق النار على أبناء شعبهم العُزَّل).

   يأتي هذا التطور في مواقف (هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي)، في ظل تقارب واضح مع أطراف المعارضة الأخرى، و في مقدمتها (المجلس الوطني)، ظهرت في المؤتمر الذي عقد مؤخرًا في إسطنبول؛ لتوحيد مواقفها تجاه المستجدات على الساحة السورية، في ضوء التصعيد العسكري الذي يقوم به النظام لكسر شوكة الثورة، و إعادة بسط سيطرته على المناطق التي انحسر نفوذه منها لصالح (مقاتلي الجيش الحر).

  و كذلك قبل انعقاد المؤتمر الذي دعت إليه مفوضية الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية أطراف المعارضة  في نهاية هذا الأسبوع (بحدود:24حزيران)؛ بغية توحيد رؤاها تجاه تغيير نظام الأسد، و قبل مؤتمر آخر يضمُّها، يعقد برعاية الجامعة العربية في نهاية هذا الشهر؛ للغرض نفسه أيضًا.