المثقفون.. والتأسيسية!

المثقفون.. والتأسيسية!

المثقفون.. والتأسيسية!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يقيم مثقفو الحظيرة الدنيا ولا يقعدونها من أجل المشاركة في اللجنة التأسيسية للدستور . يظنون أنفسهم فوق العالم كله ، ولذا يجب على العالم أن يصغي لهم ويستمع لما يقولون ولو كان ترهات وأكاذيب وخزعبلات . يظنون أن العالم يجب أن يتوقف عند أقدامهم ، فقد تعودوا في عهد النظام الفاسد البائد الذي أدخلهم الحظيرة ، وأتاح لهم ما لم يحلموا به من فتات السلطة وفضلاتها أن يجابوا لما يطلبون ، فقد منحهم الظهور على شاشات التلفزيون وعبر الأثير في محطات الإذاعة ، وعلى صفحات الصحف العامة والخاصة ، وأعطاهم ما لا يستحقون من جوائز ومنافع في النشر والسفر والمؤتمرات والمحاضرات واللجان والوظائف والتفرغ وإنشاء الصحف والمجلات والمشاركة في أنشطة الداخل والخارج الثقافية ، وتشرفوا بحضور لقاءات رأس النظام ورموزه ، وشاركوا في تبرير جرائمه وممارساته الإرهابية ضد الأبرياء والمثقفين الحقيقيين ، وكانوا في كل الأحوال عناصر إقصاء للمثقفين الأحرار الشرفاء ،واستبعاد كل من يريد أن يكتب كلمة حقيقية أو يفكر تفكيرا خالصا بعيدا عن التملق والتبرير والتمييع !

وزير الثقافة المحترم رشح خمسة أشخاص من أفراد الحظيرة الثقافية ليكونوا موضع اختيار لدى مجلسي الشعب والشورى ، منهم ثلاثة كانوا من أبرز الموالين للنظام الفاسد البائد ، وكانوا دائما في صدارة لقاءات المخلوع بما يسمى المثقفين ، ونعموا بجوائزه وعطاياه . أحدهم كان يعاني من متاعب في المسالك البولية ، وجلس أربع ساعات محصورا لينعم بلقاء المخلوع في اللقاء الشهير يوم 30/9/2010م ، وخرج من اللقاء ليشيد بالمخلوع وسياسته الحكيمة ، وبعد سقوطه تحول إلى ثوري كبير.

شخص آخر من أفراد الحظيرة رشحه وزير الثقافة للجنة التأسيسية ، وكان من الحظيرة العميقة – إن صح التعبير  - ومقربا من الوزير الفاسد الأسبق ، وكان لا يكف عن مدح النظام الذي منحه منصب رئيس تحرير ، وأغدق عليه الجوائز والبرامج التلفزيونية وهو لا يستحق ، يعلن عن قبوله الترشيح للجنة التأسيسية ، ثم يتمنع ويتحفظ على اللجنة ، وفي الوقت ذاته لا يكف عن الهجوم على الإخوان ويصفهم بالفاشية ويشبههم بهتلر ، ويسخر من رئيس مجلس الشورى ، ويصفه متهكما بالصيدلي (!) ، بينما سيادته لا يحمل غير شهادة الإعدادية الصناعية وكان عامل نسيج حتى التقطه أحد الشيوعيين فعينه في الصحافة ، وهو لا يحسن القراءة ولا الكتابة ، وكتبه ملأى بأخطاء الإملاء والنحو والصرف والبلاغة ، فضلا عن سرقاته الأدبية وسطحية ما يكتبه !  صاحبنا المتغطرس المتعجرف يتجاهل أن ( الصيدلي !) رئيس مجلس الشورى الذي يسخر منه من العلماء القلائل في مجال تخصصه ، وشارك في العمل العام الذي يدفع أصحابه ثمنا باهظا ، لأنه لا يوجد خروشوف يخرجه من السجن ، ولا حزب شيوعي موال للصهيونية يقف إلى جانبه !

ثم تجد من يتهم الدولة بتجاهل المثقفين المصريين في شأن مهم من شئون بلادهم.. فدائما – حسب الاتهام الحظائري - المثقفون المصريون مهمشون في مثل هذه الأمور الحيوية. وينسى القوم أن الدولة تتعامل مع الحظيرة بما تستحق ، فقد عرفت قيمة الحظائريين ، وخاصة في مرحلة ما بعد الثورة ، ثم إن هناك مبدعين ومثقفين حقيقيين كثيرين لم يدخلوا الحظيرة ، ولم يحصلوا على جوائزها ولا على الجوائز العالمية التي تمنحها جهات استعمارية لأتباعها ؛ وهؤلاء لا يتكلمون ولا يطالبون بالمشاركة في لجان هنا أوهناك ، ولا يسعون إلى الشهرة التي تجري في دماء أهل الحظيرة ومثقفيها . 

إن الثقافة لا تصنعها الدولة ، وليست سبوبة يتحول من خلالها المثقفون إلى تجار يبغون الربح من ورائها ،ولا توجد دولة في العالم تنفق على الرقص والطبل غير دولتنا وحظيرتها العتيدة !

الثقافة جهد فردي اجتماعي يبذله الموهوبون الحقيقيون ويعمل على الإفادة منه أفراد محبون للثقافة وجمعيات أهلية تعمل وفق إمكاناتها لنشر ما تظنه مفيدا وصوابا من نصوص وأفكار وتصورات ، كما كان يجري في النصف الأول من القرن العشرين ؛ حيث لم تكن هناك وزارة ثقافة ولا حظيرة ثقافة .. كانت هناك جهود ومبادرات ذاتية قدمت للأمة العربية أدباء حقيقيين ومثقفين حقيقيين ، لم يذهب بهم الغرور أن يفرضوا أنفسهم بالصفاقة على نشاطات المجتمع السياسية والثقافية .

لقد بذلت الحكومة المستبدة الفاشية من عرق الكادحين والفقراء مالا كثيرا أهدرته في جيوب الحظائريين دون عائد يذكر ، ومع ذلك لا يتورع بعض المنتفعين بالحظيرة الثقافية من اتهام الحكومة بالجهل والاستبداد وعدم إدراك أن "الثقافة" هي القاطرة التي تقود مشروعات التنمية !   

لقد تصارع مثقفو الحظيرة فيما بينهم على الغنائم والمنافع ، وكان المثقف الحظائري مثالا للمثقف الانتهازي الذي يبحث عن سبوبة بكل السبل ، ولو جاء ذلك على حساب الأخلاق والدين والمستقبل .

المثقف الحقيقي يظل بمنأى عن السلطة ، ويتعفف عن مد يده إلى المسئولين ، وهو الوحيد الذي يستطيع أن يقول كلمة الحق التي يمليها عليه دينه وضميره ، أما المثقف الانتهازي فهو في شوق دائم إلى المناصب والمغانم والمنافع ، ولو كانت عضوية في لجنة تأسيسية للدستور ، لا يصلح لها ولا تصلح له .

 المثقف الحقيقي هو جموع علماء مصر وأدبائها ومفكريها الذين يعملون بعيدا عن وزارة الثقافة التي احتفلت بغزو نابليون لمصر ، وأعلنت أنها لن تسمح بأسلمة الأدب ,ولا تديين الفن !وتبا للانتهازيين !!