أيها القوميون الصادقون

أيها القوميون الصادقون ...

أنتم الأولى بالدفاع عن مشروعكم ...

زهير سالم*

[email protected]

أتيح لي أن أتتبع جانبا من وقائع المؤتمر القومي العربي الثالث والعشرين الذي انعقد في تونس  ( 6 – 9 / 2012 ) ثم وصلتني عبر البريد الالكتروني نسخة من البيان الختامي للمجلس . فقمت بإعادة نشره في موقع مركز الشرق العربي لأضعه كشاهد إثبات بين يدي الرأي العام العربي والسوري بشكل خاص  ...

ولأننا حريصون على استدامة حبل الوصل الذي أنجزته أمتنا بالتقارب التاريخي بين التيارين القومي – والإسلامي أجدني مترددا في تقليب أوراق هذا المؤتمر وما ورد في بيانه الختامي . إن المقارنة بين ما ألح عليه البيان وبين ما تجاهله تثير الكثير من التساؤلات . أذكر بشكل خاص نسيان مصدرو البيان أشلاء الأطفال المبعثرة في بابا عمرو وكرم الزيتون والحولة والقبير وعلى كل الأرض السورية ..

تحضرني في محاولة تفسير الموقف أمور كثيرة لها تاريخ طويل يثير الشجن . ومنها الشهادة القريبة التي أدلى بها الشاعر العربي المصري الكبير أحمد فؤاد نجم : أرسلوا إليه من طرف نظام دمشق يعرضون عليه شيكا مفتوحا على بياض مقابل زيارة لدمشق يقول فيها على شاشة التلفزيون السوري أنه هنا وأنه لا يرى في سورية شيئا مما يتحدث عنه الإعلام ..

إن عمرا مديدا من التحلق حول المستبدين ، والتصفيق في محافلهم ، والعشاء على موائدهم ، كان فيما أقدر – وقد أكون مخطئا – من الأسباب المباشرة لانحسار موج كان له مده وهديره  في الخمسينات والستينات . كما أن الخشوع في محراب نكسة السابعة والستين ، أكمل ما قد يكون الفكر القومي قد كسبه منذ العصر الذي أحبوا أن يطلقوا عليه عصر النهضة . وكان الصراع قد بدأ منذ أواخر القرن التاسع عشر. وقد اعتقدت لفترة طويلة أن ( شخصنة ) الصراع كان له دور في تعميمه وتأجيجه . وأن الدوران حول العناوين دون المضامين جعل هذا الصراع يمتد ويستطير

مما يثير القلق مع صدور البيان الأخير الشعور أن هناك من يريد العودة بالأمة إلى المربع الأول . بل إن المرء ليعجب أن يجد في لغة البيان الختامي للمؤتمر العتيد بعض المصطلحات المتسللة من مرحلة ما قبل النكسة الحزيرانية التي أحب منظمو المؤتمر أن يلتقوا في ظلالها ويسكتوا عنها وعن مخرجاتها غفلة أو قصدا . يقلق المرء رائحة الحبر الطائفي التي كتب بها البيان . الذي دبج لإعلان الحرب على الطائفية كما يزعمون  ولن أزيد .

أكتب هذا نداء أخويا حارا لكل الرجال الصادقين من حملة المشروع القومي العربي – وما أكثرهم - . حملة مشروع الكواكبي صاحب طبائع الاستبداد الرمز الذي يجب أن يكون الأول الذي نلتقي عليه .

إن الحقيقة التي لا تقبل المساومة ولا الجدل في زمن الربيع العربي أن التناقض الأول الذي يطوي كل التناقضات ، ويتقدم عليها ، ويفرض نفسه على العقول والقلوب هو تناقض ( الحرية – والاستبداد ) . لقد أضاعت الأمة نصف قرن تجرجر أذيال الخيبة في هياكل المستبدين الذين أقنعونا أن التحرير يتقدم على التحرر ، وأن سيادة الأوطان – وعنوا بها سيادتهم – تتقدم على سيادة الإنسان . وأن علينا أن نصفق للجزار الوطني أو  على هويته مهما طغى وبغى وتجبر. وينسى هؤلاء أن الظلم لا هوية له . وأنه عندما يصدر عن قاتل ومستبد يمت إلينا بسبب فإن ذاك أشنع له وأدعى لرفضه وأبلغ في استنكاره و الرد عليه ...

أكتب هذا قلقا وحذرا وإهابة بالرجال الصادقين من حملة المشروع القومي العربي أن يبادروا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه . أن يبادروا إلى صون هذا المشروع من دجل كهنة الاستبداد ، ومن عبث العابثين ، ومن ردة تُنكح القومية العربية للولي الفقيه . وهل كان البيان الختامي الصادر عن الذين التقوا في تونس إلا صك الإشهار .

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية