يالطا جديدة للنفط... ومحاولة لعرّقنة سوريا ... وشعب يذبح

يالطا جديدة للنفط...

ومحاولة لعرّقنة سوريا ... وشعب يذبح

جان عبد الله

[email protected]

في تموز من عام 1978 انعقد في مدينة أنابوليس الأميركية مؤتمرا سريا ضمّ عددا من أساتذة الدراسات الاستراتيجية وقادة عسكريين وأساتذة جامعات لدراسة الاحتمالات المستقبلية للاندفاع الروسي باتجاه منابع النفط انتهى بوضغ تقرير من 97 صفحة أن الاتحاد السوفياتي سيتحول عام 1982 الى دولة مستوردة للنفط لذلك فانه ينشط حاليا للحصول على مواقع قدم ومناطق نفوذ حول الخليج وانّه اذا كانت الولايات المتحدة قد وجدت نفسها مضطرة لوضع خطط عسكرية لغزوالخليج في حال تعرض امدادتها النفطية للخطر فان حاجة الروس الحيوية للنفط أيضا لن تقل عن حاجتهم وأن موسكو كما واشنطن ستجد نفسها مضطرة لشن الحروب بواسطة الآخرين لتأمين مصالحها النفطية أو مباشرة اذا تأكدت أنها ستواجه اختناقا نفطيا . وخلص هذا التقرير الى احتمالين : الأول أن يشتدّ الصراع الأميركي الروسي حول منابع النفط والثاني أن يتوصل الطرفان الى وفاق نفطي يضمن الروس بموجبه تدفق النفط امداداتهم النفطية .

وفي هذه الحالة يقتضي عقد يالطا نفطية توفر عليهما الدخول في مخاطر النزاع المسلح ويستحسن هنا تذكر قول الرئيس الروسي السابق بريجينيف حينما حذر من التدخل العسكري في ايران من جانب الولايات المتحدة أو أي دولة اخرى لأنّه يعتبر بمثابة يهديد لأمن روسيا , والسوفيات يعرفون بنفس الوقت أن أميركا تتدخل منذ وقت بعيد في ايران رغم معرفتها أنها على الحدود السوفياتية وأن أي تغيير فيها وفي أي اتجاه كان هو لأمر يعني الروس قبل غيرهم. وقد حققت الاستراتيجية الروسية نجاحات مثيرة للقلق في هذا المعنى بشكل تجاوز كل الاحتمالات التي كان ينام عليها الاميركيون وحلفاؤهم الأطلسيون ؛ منها السيطرة المطلقة على ممرات النفط في البحر الأحمر والمحيط الهندي والتدخل في أحداث ايران والقرن الأفريقي وقبلها في أفغانستان وعدن حتى أن حسابات الكمبيوتر التي توجه سياسة واشنطن تختلف عن حسابات الآخرين , وليس عبثيا يوم حذّر وزير النفط السعودي السابق أحمد زكي اليماني حينما قال اننا ننظر الى هذا الوضع بقلق بالغ لأنها مشكلة خطيرة ليس لدول المنطقة فقط وانما لدول العالم الصناعي بأجمعه ..

اليوم وقياسا على هذه الأخطار المتزايدة فان المراقبين يقيمون مقارنات مذهلة بين الموقف الأميركي اليوم ومواقفه في شتاء 1974-1975 حينما أعلن عن خطة غزو للسيطرة على المنطقة الممتدة من الكويت الى أبو ظبي ولوّحوا بتنفيذ عملية (الظهران) وتنفيذ خطة انزال وهمي في صحراء موهاي بكاليفورنيا, بينما الموقف الأميركي اليوم يتسم بالتروّي والهدوء والمداورة والصمت ازاء اندفاع روسيا باتجاه الخليج خاصة في عهد الرئيس أوباما حيث أصبح مطوقا بحزام من الحرائق مما يدل على ان النفط دخل حيز الوفاق وأنّ هنالك اتفاقية يالطا نفطية متجددة واقتسام مفترض بين الأميركيين والروس . من هنا نجد أن الأميركيين استولوا على المشاريع النفطية الليبية كما أنّ روسيا تتشبث بالنفط الايراني وبالموقع السوري الذي أثبتت الدراسات أن باطن منطقة القلمون يحتوي على كميات هائلة من الغاز تحت غض النظر الاميركي وأصبح واضحا أنّ فكيّ الكماشة الروسية تقترب رويدا رويدا للاطباق على منابع النفط الخليجي ولتلتقي عندها مع فكيّ الكماشة الاميركية وينطلقان في اتجاهين شمالي وجنوبي .

هذه ليست افترضات وانما حقائق شبه ثابتة تدعو لطرح عدّة تساؤلات محيّرة حول الواقع الذي انتهى اليه العرب, فهل يغقل أن تكون لهم ترسانة ضخمة من السلاح ويعجزون عن اتخاذ قرار حاسم بوقف آلة القتل الجهنمية في سوريا ؟ وهل يعقل أنهم يعجزون عن تحرير أرضهم ؟ ولكن كما يقول أصحاب الأختصاص العسكري أن العبرة ليست في كمية السلاح التي تملكها هذه الدولة أو تلك وانما في الارادة و الكفاية الحربية لدى جيش هذه الدولة  أو تلك , كما أنّ الكثير من أسلحة الترسانة العربية لا توجه الى اسرائيل (سوريا مثلا)  بقدر ما توجه باتجاه المعارضة الداخلية او باتجاه الأشقاء , فالنظام السوري الذي سلّم الجولان ووقع اتفاقية فصل القوات واحترام وقف اطلاق النار ومنع تشكيل اي نوع من المقاومة الشعبية لتحرير الجولان بينما دخل جوقة التحالف الغربي لمحاربة الجيش العراقي واخراجه من الكويت , وحوّل ضباطه الى مقاوليين ومهربين وتجار.

الوضع الحالي في سورية هو افضل ما يمكن أن تحلم به اسرائيل فلقد انتهى دور الجيش في تحرير الأرض فيها وأصبح قاتلا للشعب الذي أضعفه وأضعف النظام بآن واحد حتى وصلت الأمور الى حافة الحرب الأهلية وأصبحت الثورة يتيمة على الصعيدين العربي والدولي رغم أصالتها وانطلاقها من الظروف الاجتماعية والموضوغية لشعبها بكل ما فيه من قهروظلم واذلال, فالدول العربية انتظرت أكثر من سبعة أشهر لتعلن تأييدها الخجول لهذه الثورة دونما دعم مادي أو  عسكري لها , والدول الغربية اتخذت منذ البداية قرارا بعدم التدخل متذرعة  تارة بانقسام المعارضة وطورا بالفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن وفي ايجاد بديل أفضل من بشار يرضي الغرب واسرائيل.

هذه الساسية كانت دائما مسكونة بقضية جوهرية, ألا وهي حماية اسرائيل وتأمين استمرار وجودها وتمكينها من القدرة على مواجهة كل الدول العربية المجاورة لها مجتمعة. ومن اهم شروط ذلك ماعدا الأسلحة المتطورة أن يعيش هذا الكيان في محيط عربي ضعيف و ممزّق , مع أن المنطق والعقل يوجبان عليها اعادة الأراضي المحتلة وتمكين الشعب الفلسطيني من أرضه لتعيش بسلام بين جيرانها العرب وليس عبثيا ما قاله الملك سليمان يوم دشن الهيكل من أنّ اليهود عندما يطردوا من أورشليم يظلّوا مشتتين الى الأبد, وقال السيد المسيح أنّ الناس أخيرا سيأتون من المشارق والمغارب ويتكؤوا في حضن ابراهيم ما عدا اليهود.

أخيرا لن ينفع اسرائيل تمزيق دول المنطقة ولا عرقنتها ولا الغرب ولا روسيا التي ربط بشار الأسد مصير بلده بمصالحها مثل بقية قادة العالم الثالث اللذين وصلوا للسلطة عن طريق التوارث أو الانقلاب العسكري , فماضي هؤلاء مجهول ونهايتهم ستكون أكثر ظلاما . وسيكون كذلك مع الروس أن يضعوا أنفسهم في حالة أبعد كثيرا عن روح المغامرة لأن مصالحهم هذه هي مع الشعب السوري وليست مع مغامرو طاغية. فالثورة السورية ستنجح وسينجح معها الجيش السوري الحر الذي يستمد من الكفاح شرعيته السياسية والقانونية والأخلاقية لتحرير شعبه من نظام وحشي قاتل.