وما زالوا يبحثون عن طبخة "مناسبة"؟

وما زالوا يبحثون عن طبخة "مناسبة"؟

عقاب يحيى

تقول الأنباء المتواترة، ومن مصادر وثيقة جداً أنهم يبحثون ويغربلون أفكاراً كثيرة عن ما يعرف ب" مبادرة" لائقة بإيجاد " مخرج سلمي" للأزمة السورية ..

ـ الطباخون كثر، وقديما قيل : " إذا كثر الطباخون احترقت الطبخة"، لكن، وبما أن معظم هؤلاء مهرة، وسبق لهم أن تشاركوا في طبخات عديدة لأوضاع معقدة، وأخرجوا شيئاً قابلاً للحياة.. ترنو العيون إلى ما يسربون ويطرحون ، وما يقولونه في لقاءاتهم، واستدعائهم لعديد المعارضين لجس النبض، أو نقل الرسائل، أو تقليب الاحتمالات، أو تقديم المغريات من المقبلات ...

ـ جوهر الطبخة يعتمد على ركيزتين : أنه لا وجود لفكرة التدخل العسكري الخارجي بتاتاً، وأن الأوضاع السورية مرشحة لمزيد من الانفجار الذي يهدد ـ كما يشيّعون، وكما يجهد نظام الطغمة ـ بالحرب الأهلية الطاحنة. وأنهم لذلك، أصحاب الشأن والقرار الغربيين، ومعهم روسيا وبعض الدول الإقليمية والعربية، جادون ببلورة " مبادرة تطبخ على نار أسرع هذه الأيام، تمهيداً لقذفها إلى التعامل ، بعد توفير عديد مقومات الحياة لها .

ـ المبادرة تنطلق من فكرة حل سياسي للأزمة السورية يقوم على مبدأ التفاوض بين طرفين : الصف الثاني من النظام، أو ممن لم تلوث أيديهم بالدم، والمعارضة بكافة أطيافها، ومعها الحراك الثوري ممثلاً  بأطره المعروفة، وربما ضمن خيمة المجلس الوطني إن قدر المجلس على إصلاح أوضاعه، واستيعاب معظم أطياف المعارضة، ويمكن أن تجري المفاوضات برعاية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومعها تركيا مثلاً، وبعض الدول العربية الرئيسة في المنطقة، وتستند إلى موجب رحيل الوريث ومعظم طاقم الصف الأول، وضمان حياة آمنة لهم، يمكن أن تكون روسيا..وربما اشتراط عدم محاكمتهم ـ على الطريقة اليمنية ـ وتشكيل مجلس، أو هيئة مؤقتة عليا تقوم على ركائز ثلاث : المؤسسة العسكرية(بعد تنحية كبار الضباط المتورطين بالجرائم، وبعد إبعاد رؤساء الفروع الأمنية)، والمعارضة ممثلة بإطار واحد، غالباً ما سيكون المجلس الوطني بحلته القادمة، وبعض المستقلين والتكنوقراط، وتشكيل حكومة مؤقتة لمدة عام، مثلاً، وبرلمان مرحلي يعدّ موجبات إعداد دستور، وتهيئة شروط إقامة انتخابات حرة في مدى عام .

ـ الأحاديث الكثيرة تقول  بواجب أن يحمل الروس تلك المبادرة وقيادتها، وبدعم تلك الدول ومباركتها، بما في ذلك احتمال أن تكون أرضها مكان المفاوضات، والمؤتمر الوطني العام الذي سيجسد التوافق .

******

ـ طبعاً هناك الكثير من التفاصيل التي يجري بحثها، والشروط الواجب توفرها، وقادم الوضع الأمني وكيفية ضبطه، والمكونات وما يقال عن حمايتها، والمؤسسة العسكرية ومستقبلها، خاصة أولئك الضباط الكثر الذين ينتمون للطائفة العلوية، وغيره متعدد من أفكار يجري التداول فيها، وتنقيتها على طريق البلورة. وحال المعارضة وقدراتها، والمرحلة الانتقالية وسماتها وأهم مهامها. لكن هناك عديد الأمور الجديرة بالتوقف قبل أن يتلهف كثيرٌ لإعلان الموافقة على الفكرة، واعتبارها(على عماها، أو بالجملة) النخرج الأسلم، والأوفر لحقن الدماء، وتجنب المخاطر المحدقة بالبلد، ومن ذلك :

1 ـ هل تقبل الطغمة الحاكمة مثل هذه المبادرة فتتخلى طوعياً، أو بالضغط ، والتي يتضح أنها ماضية في طريق التدمير حتى النهاية؟. وهل يمكن أن تحدث مثل هذه المبادرة تصدّعاً حقيقياً في بنية النظام الرئيسة التي ما تزال تبدو متماسكة : المؤسسة العسكرية . أجهزة الأمن . وحتى الوسط الطائفي المتحشد معها؟..

2 ـ هل تملك أطراف المبادرة قوة الفرض؟، وما هي وسائلها في ذلك : الضغط؟. تخلي روسيا عن الدعم، ومعها الصين؟. الرهان على إمكانية حدوث تصدّعات في بنية النظام، مثلاً؟؟..وهل ستترافق، في حالة رفض الطغمة، مع إمكانية استخدام القوة ؟..

3 ـ موقع إيران من مشروع كهذا، والجميع يعرف حجم الدعم الإيراني للطغمة، وقدرات إيران على التدخل في خلخلة اتفاقات ما ما لم تتم رشوتها بثمن كبير، يعوضها عن خسارتها الكبرى بفقدان أهم حليف، بل بقطع حبل سرة انتشار مشروعها في المنطقة، وموقع الحكايا المتناثرة عن إمكانية توجيه ضربات قاصمة للمشروع النووي الإيراني، وكثير مما يحكى والذي يحتاج إلى بحث خاص .

4 ـ الأهم من ذلك كله، قبله، وأثناءه، هل يقبل الشعب السوري وقيادات الثورة الفعليين مثل هذه المبادرة التي تمثل نصف حل، وربما أقل من ذلك، خاصة وأنها تحمل في صلبها الحفاظ على قوى فعلية تابعة للنظام، ونخصّ بها المؤسسة العسكرية بكبار ضباطها ومفاصلها؟؟...

ـ هل يمكن أن تقف أهداف الثورة، بكل مثقلات تضحياتها، وما قدمته من شهداء ودماء ومعطوبين ومعتقلين ومهجرين ولا جئين ودمار وخراب، ومفقودين.. وكثير.. كثير..عند أنصاف الحلول هذه تحت اسم العقلانية، وبأنه ليس بالإمكان أحسن مما هو موجود؟؟. أم سيتم فرضه عليهم، وسبل الفرض تلك والتي قد تتخذ أشكالاً دموية، أو أشكالاً من الاقتتال البيني ؟؟...

ـ نظرياً.. يميل الكثير للقبول بمخرج يخلص البلاد من الطغمة : الأسرة وجميع الملوثين بالجريمة والدم وقرار القتل، وسيجد هؤلاء طوفان المبررات التي يسوقونها، خاصة وأن راية، وفزاعة الحرب الأهلية يتمّ رفعها والضخّ فيها منذ أشهر وكأنها واقعة فعلاً، أو هي البديل الحتمي للحل التفاوضي ، لكن إذا لم تحمل مثل هذه المبادرات تحقيق الهدف الرئيس للثورة : إسقاط النظام(بكل رموزه ومرتكزاته) هل يمكن أن يكتب لها النجاح ؟. هل تقبل بها قوى الثورة وأصحاب الدم ؟.. أم ستكون شرخاً يفتح الأشداق لنوع من الاحتراب الداخلي ؟؟..

ـ ولأن الموقف يرتبط ولا شك بجوهر ومفاصل، وحتى بحيثيات التفاصيل في مثل هذه المبادرات، فمن السابق لأوانه إعلان مواقف محددة قبل أن تصبح تلك الأفكار مشروعا محدداً . كما أن هذا الوضع يستدعي بالتأكيد من جميع قوى الحراك الثورين والمعارضة العمل بقوة وتخطيط مع الجهات الدولية والعربية الفاعلة لانتزاع حق الشعب السوري الذي لا مساومة فيه : إسقاط النظام تماماً، وهذا لن يتأتى دون إصلاح وتوسيع قاعدة التمثيل في المجلس الوطني ، وتهيئته ليكون المظلة الفعلية، ودون توحد قوى المعارضة مع الحراك الثوري حول القواسم المشتركة التي لا يمكن التنازل عنها، والتي يجب العمل الحثيث لتضمينها أي مبادرة قابلة للحياة ..