أدعية مستفزة

أدعية مستفزة

م. بلال حرب

إذا كنا نطمح إلى تجديد الخطاب الديني بما ينسجم مع تطورات العصر وحاجاته ويراعي ظهور طوائف جديدة ارتكزت على معتقدات لم نعهدها في سلفنا الصالح فلماذا لا نغير من استخدام بعض العبارات والكلمات التي أصمت آذاننا بسبب تردادها على أفواه خطباءنا في الدعاء.

فهنالك بعض الأدعية التي ما فتئت ترتسم على شفاه خطباءنا وهم يحجزون المنبر كل جمعة,وكأنه من كثرة تكرارها قد برد بها قلوب المستمعين,فمثلا يدعون الله أن يهلك اليهود والنصارى جميعا من غير تفريق بين الحاقدين الظالمين منهم وبين المواطنين الذين يتعايشون معنا على تراب واحد,فليس هذا من الحكمة ولا من الموعظة الحسنة بل هو من التعدي الذي نهانا الله عنه ((ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين)),أي لا يحب الذين يتجاوزون في دعائهم فيحرفونه عن المقصد.

ومن ذلك قولهم((اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا)),دائما يغردون به واضعين المعتدين والمسالمين من غير المسلمين في سلة واحدة,هذا الدعاء لم يرد عن النبي عليه السلام بل دعا به أحد الصحابة على من عذبوه وإخوانه,فهو دعاء قيل في مناسبة خاصة,فجاء المتحمسون من خطباءنا وجعلوه عاما يذكرونه في قنوت النوازل وغيرها عند كل مناسبة,ومن المعلوم أن تنزيل الخاص منزلة العام من أسباب الزيغ والضلال.

والذي يتأمل أسلوب القرآن في طريقة دعائه يلمس أدبا رفيعا _((ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين,و نجنا برحمتك من القوم الكافرين))_  دون فحش وبذاءة في الألفاظ.

حتى أن دعاء النبي عليه السلام لم بخرج عن هذا الإطار,لقد كان أقصى ما دعا به على من حاربه في دعوته :اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم.

لقد قال علمائنا:لا يجوز أن نلعن شخصا بعينه وإن كان يمارس أعمالا تستحق اللعن,فاالذي يأكل الربا ملعون بنص السنة النبوية لكن أن تصف به اسما بعينه فهذا من الممارسات الخاطئة لأنك بهذا العمل قد نفرته عن الإسلام بل قد يزيده ذلك عنادا فيما يقوم به

إن مخاطبة الشريعة للملل الأخرى لم يكن أبدا كرد فعل,فهي حرصت على ضبط خطابها في التأثير على الناس بما يراعي طبائعهم,ومن أراد أن يستشف ذلك فليتدبر كلام رب العزة وليلاحظ كيف اختلف الخطاب الإلهي بين العهدين,المكي والمدني,والله أعلم.