الحرب الأهلية بالمفهوم الغربي

الحرب الأهلية بالمفهوم الغربي

م. عبد الله زيزان

باحث في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

إذا ما ذُكرت الثورة السورية في وسائل الإعلام العالمية غالباً ما تقترن بمصطلح الحرب الأهلية الذي بات من أكثر المصطلحات تداولاً في تلك الأوساط، وهي من أكثر المصطلحات رواجاً على ألسنة المسؤولين العرب والغربيين فضلاً عن شخصيات سورية مؤيدة أو معارضة للنظام وذلك منذ بداية الثورة السورية...

معنى الحرب الأهلية عند الغرب

ولكن وعلى ما يبدو فإن معنى هذا المصطلح يختلف باختلاف الجهة التي صدر منها.. فاستخدام كلمة "الحرب الأهلية" لدى الغرب له معناه الخاص نستدل عليه من خلال تصريح "آلان جوبيه" وزير الخارجية الفرنسي والذي أكدّ في الخامس عشر من آذار الحالي ما أوردته مصادر فرنسية من أن تسليح الجيش السوري الحر "لن يغير ميزان القوى على الأرض"، حيث قال "جوبيه" أن التسلح "سيعني قيام حرب أهلية" بسبب التكوين الفسيفسائي للشعب السوري، وأضاف "إذا أعطينا السلاح لفئة من المعارضة فإننا بذلك نكون ندفع لحرب أهلية بين المسيحيين والعلويين والسنة والشيعة، مما سيشكل كارثة أكبر من الكارثة التي نعرفها حاليا".

من هذا التصريح الأخير ومجموعة أخرى من التصريحات الغربية والأمريكية وكذلك الروسية نجد أن الحرب الأهلية في المفهوم الغربي تعني في الحالة السورية أن تقاوم الظلم والطغيان وتقف نداً له وتهدد وجوده، فالغرب يخشى من وصول السلاح للجهة التي تستحقها، وإلا فكيف لنا أن نفهم قبول الغرب بدخول السلاح لطرف واحد من طرفي الصراع، وينتفض إذا وصل للطرف الآخر...

"آلان جوبيه" وغيره من الغربيين يحذرون من الحرب الأهلية ويستخدمون هذا المصطلح فزاعة بوجه كل من يريد تسليح أو دعم الشعب السوري وجناحه المسلح المتمثل بالجيش الحر، ولكن السؤال هو: بماذا يمكن وصف ما يجري حالياً في سورية؟؟؟ أليس ما يحدث في شوارع سورية من قتل على الهوية وتعذيب واغتصاب هو التعريف الدقيق للحرب الأهلية؟؟

سورية تعيش حرباً أهلية

تعرف "موسوعة السياسة" الحرب الأهلية بأنها (الحرب الداخلية في بلد ما التي يكون أطرافها جماعات مختلفة من السكان. كل فرد فيها يرى في عدوه وفي من يريد أن يبقى على الحياد خائنا لا يمكن التعايش معه ولا العمل معه في نفس التقسيم الترابي. ويكون الهدف لدى الأطراف السيطرة على مقاليد الأمور وممارسة السيادة، وأسباب الحرب، قد تكون سياسية أو طبقية أو دينية أو عرقية أو إقليمية أو مزيج من هذه العوامل).

فإذا ما وضعنا هذا التعريف مع الواقع السوري الحالي نجد أنّ ما تعيشه سورية اليوم هي الحرب الأهلية بمفهومها الحقيقي، لكنها حرب من طرف واحد متمثلاً بعائلة الأسد والتي تحاول زج الطائفة العلوية كاملة معها لتكوّن طرفاً ذا وزن معتبر، و يستخدم هذا الطرف كامل قوته وامتيازاته السلطوية لإبادة الطرف الأضعف والذي يمثل غالبية الشعب السوري، ويُحرم هذا الطرف المستضعف من السلاح بحجة الخشية من الحرب الأهلية، وأكثر من ذلك، يطلب من هذا الطرف ضمانات للأقليات كما ورد على لسان مسؤولي الاتحاد الأوروبي وأمريكا ولا تُستثنى تركيا من هذه الدعوات...

إذن كل هذه الحجج التي يسوقها الغرب لمنع دعم الثوار في سورية لا تعدو أكثر من مبررات لتواطئهم المباشر أو غير المباشر مع النظام السوري، وهي بذلك تعطي هذا النظام مهلاً متتالية جعلته يتمادى في القتل والتعذيب، ليزداد معدل الشهداء اليومي بشكل مخيف، وسط ردود فعل دولية باهتة جداً، تترافق مع وصول مئات الأطنان من السلاح والذخيرة من إيران وروسيا إلى النظام السوري، مكتفين بإدانة هذا الدعم دون أي خطوات ملموسة تمنع وصول مثل هذه الأسلحة التي تستخدم لتسعير الحرب الأهلية لكن كما ذكرنا من طرف واحد...

التكوين الفسيفسائي لسورية

أما المبرر الآخر الذي يسوقه الغرب وكرره "جوبيه" في تصريحه المشار إليه في بداية الموضوع هو التركيبة الفسيفسائية للشعب السوري، والذي يعد "بزعمه" مصدر القلق من الوقوع في حرب أهلية، وهي حجة واهية أيضاً، فمن حيث المبدأ لا يجوز وصف الشعب السوري بالفسيفسائي، لأن الأكثرية فيه تشكل ما يزيد عن 85 بالمئة من الشعب السوري، وتنحصر الفسيفساء في ال 15 بالمئة المتبقية فقط، وهذه نسبة طبيعية في كل دول العالم، فليس المقياس بعدد الطوائف والأعراق، بل بما تشكله من نسب مئوية مؤثرة في المجتمع، ومن ناحية أخرى لم تشهد سورية بتركيبتها الحالية أي توتر طائفي طيلة العقود الماضية، إلا بعد أن استلم النظام الحالي الحكم بانقلاب عسكري حيث زج بطائفته في مواجهاته مع فئات المجتمع الأخرى، لتكون له غطاء وسنداً، ساعده في البقاء على سدة الحكم لعقود مضت...

وبناء عليه فإن التنوع العرقي والطائفي في سورية وما يحلو للبعض بتسميته "فسيفساءً" هي مصدر قوة للدولة السورية (كما أثبت تاريخ سورية) لا مبعث قلق، ولم تكن يوماً سبباً في أي حرب أهلية، وادعاءات الخشية من تسليح الشعب تجنباً لحرب أهلية مفترضة هي مثار للاستهجان والتشكيك، ليبقى شعار الثوار هو الأصدق "واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد".