حافظ الأسد... بداية التآمر على وحدة المجتمع السوري

حافظ الأسد...

بداية التآمر على وحدة المجتمع السوري

جان عبد الله

[email protected]

يوم تحركت الأطماع البريطانية والفرنسية لتقسيم ما خلفته الدولة العثمانية معتمدين على نصي معاهدة بطرسبورغ التي حددت نفوذ بريطانيا وفرنسا وروسيا في تركة الحكم العثماني ومعاهدة سايكس بيكو التي تم بموجبها تقسيم الدول العربية الى دويلات حاولت فرنسا بعدها أيضا تقسيم سورية الى أربعة دويلات ثارت له ثائرة السوريين لادراكهم الغاية الحقيقية من وحي تمزيق شملهم واثارة النعرات بين ابناء الوطن الواحد يومها عمّت يومها الثورات السورية جميع أنحاء البلاد كما يحصل اليوم وكأنّ التاريخ يعيد نفسه .

يشتدّ اليوم تكالب أقطاب السياسة العالمية على سورية لأنّ من يقودها يقود سياسة الشرق الأوسط ولأنها على مر التاريخ كانت مركزا استراتيجيا وموقعا سياسيا ومركز اشعاع الفكر القومي ولأنّ شعبها ايضا هو أول شعب عربي تفتح وعيه ضد المشاريع الاستعمارية.

منذ اشتراك حافظ الأسد في اللجنة العسكرية السرية بمصر وقبل انقلاب الثامن من آذار كان هدفه اقصاء كل المكونات السورية عن  الجيش والسلطة, تجلى ذلك في نوعية اعضاء هذه اللجنة ودعمه بعد الانقلاب لتسلط مجموعة كبيرة من اللذين يعملون معه على القوى الجوية والمخابرات الجوية وعلى كل القطعات الضاربة القريبة من دمشق, ثم تشكيله وحدات خاصة كانت تثير مخاوف وقلق غالبية السوريين مثل سرايا الدفاع رفعت الأسد- سرايا الصراع عدنان الأسد ثم الوحدات الخاصة بقيادة علي حيدر.  تسلحت هذه الوحدات بأحدث الأسلحة العسكرية وأعطيت لها صلاحيات وموازنات استثنائية. كذلك في عدد الطلاب الضباط من منطقة معينة اللذين يلتحقون بالدورات العسكرية مثل كلية الضباط في حمص وكلية الاركان وحتى مدارس الرتباء ثم تسريحه لضباط الاختصاص والأكفّاء من الطوائف الاخرى . تابع ابنه بشار هذا المخطط حتى لن نجد اليوم في اية وحدة عسكرية ضاربة ضابطا مسؤولا من غير هذا المكوّن.

لقد تآمر حافظ الأسد مرتين: مرة عندما اشترك بدوره الرئيسي مع شقيقه رفعت في الانقلاب على شرعية نظام البعث القائم وقيادته في 23 شباط 1966, ومرة أخرى عندما انقلب في 16 تشرين الثاني 1970 على رفاقه في حركة 23 شباط وزجّ بهم في السجون.

لكن هذا التخطيط التخريبي للنسيج الاجتماعي السوري لم يأتي عبثا ومن دون دعم اسرائيلي أو دولي حيث ورت معلومات الى اجهزة الأمن بعد الثامن من آذار ليست مؤكدة تماما أنه عندما كان برتبة ملازم عمل لمصلحة المخابرات الأردنية برئاسة محمد رسول الكيلاني ولقد دللّ البعض على ذلك استقباله وتسهيله زيارة محمد رسول المذكور الى مدينة حماه مع تقديم  كل واجبات الضيافة رغم ممنوعيته من الدخول وفي أخبار أخرى أنه كان ماسونيا.

كانت الخلافات قد دبّت بينه وبين المرحوم صلاح جديد عقب اذاعته بلاغ سقوط القنيطرة قبل أن يحدث ذلك فعليا اضافة الى تأخيره الغير مفهوم لسلاح الجو السوري في دعم نظيره الأردني . ثم انفجرت أحداث ايلول الأسود, حينها دعا اللواء صلاح جديد ليلة السادس عشر من تشرين الثاني القيادة القطرية الى اجتماع قررت معه بالاحماع اقالته مع مصطفى طلاس وتعين مصلح سالم رئيسا للدولة الا انه تمكن في نفس الليلة من اعتقالهم واعلان الحركة التصحيحية.

وصرح للصحافي الاميركي ستانلي ريد من نيويورك تايمز أنّ لاشيء يحدث في الجيش دون علمه حتى لو كان ترقية عريف أو نقله, لهذا كان زملاؤه يطلقون عليه طائر الليل باعتباره طيارا ويحب العمل ليلا كما كان يردد أمام زواره اللذين يطالبونه بالاصلاحات لماذا تقولون على أنّ  سورية تحكم من نظام اقلية وأي نظام في المنطقة تحكمه الأغلبية. لقد كانت معادلة هذا الدكتاتور الغريب الأطوار تقوم على عمل كوكتيل من العلاقات الخارجية تحقق لنظامه التماسك والصلابة المطلوبة فهو النظام السياسي الوحيد اللذي يحتفظ بعلاقات قوية مع النظام التيوقراطي الايراني ومع دول الخليج في الوقت نفسه, وهو الذي يحصل على مساعدات عسكرية من روسيا ولايتوقف عن فتح بابه لاي مبعوث أميركي حتى في لبنان كان يدعم وليد جنبلاط ويتحاور بنفس الوقت مع الرئيس أمين الجميّل والجانب المسيحي, كل هذه الخيوط المعقدة والعلاقات المتضاربة التي اجتمعت فيها مصالح الدول الكبرى واسرائيل تحتاج الى مايسترو يديرها والأسد اختار لنفسه أن يلعب هذا الدور حتى ليصعب على من يتعامل معه  او ضده أن يعرف اتجاه خطواته المقبلة ( سرّه في داخله ).

أميركا أيضا كانت تسلك في مسارها مثله مسلكين متناقضين في آن معا, كانت مع شاه ايران ومع حقوق الانسان فيها, كانت مع سوموزا وكانت تشجع القوى الداخلية ضده. أسقطت اللندي في تشيلي واقترعت ضد خلفه في الأمم المتحدة, تريد كسب صداقة العرب ولكنها لاتقدر على لجم اسرائيل عن العدوان عليهم ومع ذلك نجد أنّ غالبية الأنظمة العربية تسير في ركابها لأنها تملك مفتاح السلام في المنطقة وليس بيد روسيا أو الصين رغم ما ارتكبته من أخطاء استراتيجية  اتسمت بالتخبط في مسائل ثلاث حيوية جدا وهي قضية فلسطين ولبنان والعراق, وهي الآن بصدد ارتكاب أخرى قاتلة في سورية.

قد يأتي يوما بعدها لاتسطيع أميركا ابقاء سفاراتها ورعاياها في دول عربية لأنّ هذه الدول وشعوبها أصيبت مرة تلو الأخرى بخيبة أمل من مصداقية الدور الأميركي. لننظر ماذا تفعل الآن بالشرق الأوسط وماذا فعلت بحرب الخليج وفي حروب اسرائيل ضد العرب , بل قل ماذا تفعل بالاقتصاد العالمي والسياسة الدولية وصناعة السلاح ألم يدعّي  الأميركيون أنهم ديمقراطيون مع أنهم كانوا وراء أعتى الأنظمة ألدكتاتورية الشمولية. ولكن ما يؤلم كثيرا أننا نهرب من أميركا أليها مثل الطفل اللذي يزجره والده فيبكي ويرتمي بحضنه.

ان الثورة السورية اليوم ليست ثورة حرية أو كرامة فقط، بل على نتائجها يتوقف بقاء دول المنطقة ومنها دول الخليج. لا لم يعد يكفي دعم هذه الثورة بالاجتماعات والاستنكارات والخطابات لأنّ شعوب هذه الدول وحكامها سيبكون دما ويعضون أصابعهم ندما على الوقت الذي يمضي فيه هذا النظام في قتل شعبنا وابادته وهم يتفرجون.

وكما ضيّع جيلنا الفرصة في كبح استيلائهم على الجيش العربي السوري عام 1970 سينجح المشروع الصفوي الفارسي في السيطرة عليهم ان ظلوا متقاعسين. انّ الثورة السورية ستتابع مسيرتها حاملة أكاليل النصر تزيّن بها قبور الشهداء وحتى يجرف مدّها الثوري ما يسمى بقصر الشغب في تلّة قاسيون كما جرف الفرنسيون يوم 14 تموز 1789 حصن الباستيل توطئة لانهاء حكم شريعة الغاب وتتخلص من هكذا رئيس أرعن اعتبر يومها أن وراثته للحكم تبيح له التصرف بالتركة كما لو أنها ملكية خاصة يعود اليه الفضل في تكوينها وأسقطها بيد التتار الجدد.