الإعلام الكُذُبْذُبان

(1)

منهل الحمصي

الإعلام السوريُّ - بقنواته المختلفة، وإذاعاته المُغرضة، وجرائده التالفة، ومجلاَّته الممجوجة - إعلامٌ كاذبٌ، وكذَّابٌ، وتِكْذاب، وكذُوب، وكَذُوبَة، وكُذَبَة (كهُمَزَة)، وكَذْبان، وكَيْذَبان، وكَيْذُبان، ومَكْذَبان، ومَكْذَبانة، وكُذُبْذُبان، وكُذُبْذُب، وكُذُّبْذُب.

وكأن واضعَ اللغة كان ينظرُ من سِجاف الغيب إلى أنه سيأتي على الناس زمانٌ يبلغ فيه كاذبهم حدًّا لا يكفي فيه وصفٌ أو وصفان لنعته، فاستحدث أربعةَ عشرَ ما اجتمعَت لأحدٍ في تاريخ العربيَّة كما اجتمعت لهذا الإعلام، وما صدقَت على أحدٍ في تاريخ البشرية كما صدقَت في القائمين على هذا الإعلام.

ويقيني أن هذه الأربعَ عشرةَ صيغةً لا تكفي لوصف كذب هذا الإعلام وافتراءاته وتضليلاته وتزويغاته وترويغاته، فهو كما قال الأول:

يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حَلاوةً                ويَروغُ منكَ كما يَروغُ الثَّعلبُ

فقد بلغ من كذبه أنه يجعل الحقَّ باطلاً، والباطلَ حقًّا، ويصيِّر الجريمةَ مكرُمة والمكرُمة جريمة، ويزعم السارقَ أمينًا، والأمينَ سارقًا، ويتوِّج القاتلَ بطلاً، ويسبِّح بحمد الخائن زاعمًا أنه القائد الملهَم!

إنه بعبارة واحدة: يقلب المفاهيمَ رأسًا على عقِب، ويفتَنُّ في افتراء الكذِب وترويج الدجَل.

كأنما صِيغَ من كِذْبٍ ومن دَجَلٍ                فكانَ ذاكَ له رُوحًا وذا نَفَسا

والعجَبُ العجيب والأمر الغريب أنه يريدُنا لنصدِّقَه، ونكذِّبَ آلافَ القتلى الذين تلطَّخت أيادي من وراءه من الأمن والجيش والشبِّيحة بدمائهم الزكيَّة الطاهرة.

ويريدنا لنصدِّقَه ونكذِّبَ آلافَ النازحين عن بيوتهم وبلادهم هربًا من عَسْفه وظُلمه وتنكيله وتشريده.

ويريدنا لنصدِّقَه ونكذِّبَ آلافَ الأسرى والمعتقلين في أقباء سُجونه ومعتقلاته.

ويريدنا لنصدِّقَه ونكذِّبَ ملايينَ البشر الذين خرجوا متَحَدِّين الموتَ يجأرون بالشكوى من ظُلمه وجَوره وطغيانه وفجوره.

بل يريدنا لنصدِّقَه ونكذِّبَ خمسينَ سنةً تشهد كلُّ سنة منها، وكلُّ ساعة من ساعاتها، وكلُّ دقيقة من دقائقها بما اقترفت يداه من جرائم، وما جنت عصاباتُه من جنايات، وما خلَّف فينا من أهوال يندى لها كلُّ جبين، وتدمع لفظاعتها كلُّ عين، ويكفهرُّ لرؤيتها كلُّ وجه.

وقد أصبح واضحًا لكلِّ ذي عينين، وجليًّا لكلِّ ذي لب، وصارخًا لكلِّ ذي سمع، أن هذا الإعلامَ إنما يكذب ليسترَ شيئًا من سَوءته وسَوءة نظامه الباغي، وليغطِّيَ على بعض ما ارتُكب من جرائمَ وفظائع، ولكنَّ الخرقَ اتسع على الراقع، فماذا لعَمرُ الله يُخفي وكلُّه سوءة، وماذا لعَمرُ أبيك يغطِّي وكلُّه عورة.

لا يكذبُ المرء إلا من مَهانتِه            في فَعلة السُّوء أو من قلَّة الأدَبِ

لَبعضُ جيفةِ كلبٍ خيرُ رائحةً           من كِذبةِ المرء في جِدٍّ وفي لعبِ

ولاريبَ عندي أن كلَّ من يعمل بهذا الإعلام يكذب، ويعلم أنه يكذب، ويعلم أنا نعلم أنه يكذب، ولكنَّه يصرُّ على كذبه ولسانُ حاله يردِّد:

أُري عينيَّ ما لم ترأياهُ                   كلانا عالمٌ بالترَّهاتِ

وقد غدا المتابعُ منَّا لهذا الإعلام إنما يُتابعه ليعرفَ مبلغَ كذبه، وليستيقنَ من تكذيب أمرٍ ما وهو يقول: إن كان قال فقد كذَب!

فيا أيها الإعلام الكُذُبْذُبان كفاكَ كفاكَ!

لم تعُد أكاذيبك تنطلي على أحد..

ولم تعُد افتراءاتك تُقنع أحدًا..

ولن تبقى تلك الأسطوانةُ المشروخة التي استعملتها طيلةَ الخمسين عامًا وتلك القِربة المثقوبة التي ملأتها جَورا وبُطلا، صالحة في هذا العصر.

يا أكثرَ الناس وعدًا حشوُه خُلُفٌ                وأكثرَ الناس قولاً حشوُه كذِبُ

اربَعْ على ظَلْعِك... وابكِ على خطيئتك... وليخرَس كلُّ لسان ينتمي إليك وإلى شيعتك!

               

[1] أدَّبنا الباري سبحانه في مُحكَم بيانه أن نتخيَّرَ أغربَ الألفاظ وأشدَّها جَرْسًا لأغرب المعاني وأبعدها دلالةً، إذ قال جلَّ شأنه: {تلكَ إذن قِسمةٌ ضِيزى} أي: جائرة عن الحقِّ، خارجة عن الصواب، مائلة عن الصِّدق، فضحًا وتعريضًا وتوبيخًا وتقريعًا لمقولتهم الشنعاء التي قالوها حينما جعلوا لله ما يكرهون من الإناث ولهم ما يحبُّون من الذكور.