قبل أن يقع المحظور نشير إلى جملةٍ من الأمور

قبل أن يقع المحظور

نشير إلى جملةٍ من الأمور

عبد المنعم مصطفى حليمة

"أبو بصير الطرطوسي"

www.abubaseer.bizland.com

[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.

أرى أن السلاح قد انتشر بين أيادي الناس في سوريا .. وأنه سينتشر أكثر، فأكثر .. وأن العمل المسلح سيتوسع مع الأيام أكثر مما هو عليه الآن .. وأرى أنه يتعين عليَّ ـ ناصحاً مشفقاً ـ أن أشير إلى جملة من الأمور، وقبل أن يقع المحظور:

فأقول للجميع: اتقوا الله في الدماء المعصومة، والحرمات المصانة .. لا تجمعوا على الشام، وأهل الشام سيفين: سيف الطاغوت، وسيفكم ..!

ليس المهم أن تحمل السلاح يا عبد الله .. أو أن تستعمله يمنة ويسرة .. وإنما المهم كيف تستخدمه .. وأين .. ومتى .. وأن تنظر إلى مآلات فعلك؛ من المستفيد منه، الطاغوت، أم الشعب السوري المسلم، وثورته المباركة ..؟!

فشأن الجهاد عظيم، لا يتقنه إلا الرجل المكِّيث ..!

الجهاد في سبيل الله مبدأ عظيم .. وطريق مبارك .. والذود عن الحرمات، والأعراض هدف نبيل وعظيم .. لكن كل ذلك لا يبرر سفك الدم الحرام .. أو الاستهانة بحرمة الدماء .. فيكون مثلنا حينئذٍ .. كمن يزيل حراماً بحرام .. ومنكراً بمنكر مثله أو أكبر منه!

فالغايات النبيلة العظيمة .. لا تبرر الوسائل الباطلة المشينة!

كم من غاية نبيلة عظيمة .. أسيء إليها .. لما طُلبت عن طريق وسائل خاطئة مشينة!

الجهاد كالصلاة، وغيرها من العبادات .. يُشترط ـ لقبولها ـ شرطان: الإخلاص، وحسن المتابعة للسنّة، وفي الحديث فقد صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:" خذوا مناسككم عني ". " صلوا كما رأيتموني أصلي ". كذلك الجهاد؛ فالواجب ـ في جميع مراحله وأجزائه وأنواعه ـ أن يكون على السنة لا البدعة والأهواء .. أن تتحقق فيه صفة المتابعة لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فنجاهد كما كان يُجاهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نتجاوزه في أدب أو حكم من أحكام الجهاد والقتال. 

لا يمكن أن نبارك عملاً انتحارياً، وفق كل المقاييس الشرعية والعقلية هو عمل انتحاري ـ يحلو للبعض ممن يكبرون ويهللون لأي دم يُسفك ويَسيل، أن يسموه عملاً استشهادياً، وغزوة دونها غزوتي بدرٍ وأحد! ـ يَقتل الفاعلُ فيه نفسه .. ويقتل بقتله لنفسه بضعة أنفار من عسكر الطاغوت .. معهم مثلهم أو يزيد أو ينقص من المسلمين، وممن صان الشارع دماءهم وحرماتهم من الآمنين .. ثم بعد ذلك .. نعتبره عملاً استشهادياً، وجهاداً راشداً! 

سنة العمليات الانتحارية ـ كما تمارس ونشاهدها في واقعنا ـ سنة خاطئة .. لا نريدها أن تمضي في جهاد الشام .. لأنها بذاتها محرمة كانتحار وقتل للنفس بالنفس، كما قال تعالى:[ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ]النساء:29. وفي الحديث القدسي:" بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنّة " البخاري. وحتى لا ينحصر بها الجهاد .. وتصبح وكأنها خيار المجاهد الوحيد .. كما حصل في بعض البلدان .. ولو مضت، واعتاد عليها الناس .. ليكونن ضحاياها ـ والله تعالى أعلم ـ من المسلمين والأبرياء، وشباب الجهاد .. أضعاف أضعاف ضحايا العدو .. إضافة لانعكاساتها الإعلامية، والسياسية السلبية .. وهذا جانب لا ينبغي تجاهله، على مبدأ " حتى لا يُقال "!

اتقوا الله أيها الناس في أهل الشام .. اتقوا الله في دماء المسلمين .. وغير المسلمين ممن صان الشارع حرماتهم ودماءهم .. فنحن كما نحرّض على الجهاد في سبيل الله .. ونرى في الجهاد منجاة للأمة مما هي فيه من ذل .. فإننا كذلك نحذر من عواقب التهاون بشأن الدماء المعصومة .. تحت أي زعمٍ كان!

إن كان في المسألة قولان: خذ بالقول الذي يحتاط للدماء المعصومة أكثر من الآخر .. تسلم في دينك، وآخرتك.

قال تعالى:[ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ]النساء:93.

وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال:" اجتنبوا السبع الموبقات " ـ وعد منهن ـ:"  وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق .." .

وقال صلى الله عليه وسلم:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " و " المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ". مفهوم المخالفة يقتضي أن الذي لا يأمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم، ولا يسلمون من شرِّ لسانه ويده، فهو ليس بمسلم ولا مؤمن.

وقال صلى الله عليه وسلم:" كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه ".

وقال صلى الله عليه وسلم:" من حمل علينا السلاح فليس منا ". 

وقال صلى الله عليه وسلم:" لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا ".

وقال صلى الله عليه وسلم :" كل ذنبٍ عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً ".

وقال صلى الله عليه وسلم:" أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة ".

وقال صلى الله عليه وسلم:" لا يزال العبد في فسحةٍ من دينه ما لم يصب دماً حراماً ". فإذا أصاب الدم الحرام، فليبكي على نفسه، وعلى دينه!

وقال صلى الله عليه وسلم:" من قتل رجلاً من أهل الذمة، لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً ".

وقال صلى الله عليه وسلم:" من  قتل نفساً معاهدة بغير حلها، حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها ".

وقال صلى الله عليه وسلم:" إن الملائكة لتلعن أحدكم إذا أشار إلى أخيه بحديدةٍ، وإن كان أخاه لأبيه وأمه". هذا إذا كان يشير إليه بحديدة على وجه اللعب والمزاح، فما بالك فيمن يشير جاداً بالمسدسات والرشاشات والقنابل، وغيرها من الأسلحة الفتاكة ليرعب المسلمين المؤمنين، لا شك أنه أولى باللعن والوعيد، والطرد من رحمة الله.

وقال صلى الله عليه وسلم:" من آذى مؤمناً فلا جهاد له ". هذا فيمن يُؤذي مؤمناً .. فما قولكم فيمن يقتل مؤمناً ـ أو يُروع المؤمنين ـ باسم الجهاد .. أنَّى أن يقبل منه جهاده!

وغيرها كثير من النصوص الصحيحة الثابتة في الكتاب، والسنة الصحيحة .. التي تحرم وتجرم سفك الدم الحرام .. تحت أي ذريعة كانت.

هذه كلمات الله تعالى، وكلمات رسوله صلى الله عليه وسلم  بين أيديكم .. فلا تردوها .. ولا تستخفوا بها .. فيسحتكم الله بعذاب من عنده.

واعلموا أنه لا يفرح لسفك الدم الحرام، ويستهين به، إلا واحد من اثنين: الطاغوت وعصابته المجرمة .. وأفراخ الخوارج الغلاة .. وإنِّي أعيذكم أن تكونوا من أحد الطرفين .. حفظنا الله وإياكم .. وشامنا الحبيب .. ومجاهدينا الأبطال .. وأهلنا في الشام .. وثورتنا الشامية المباركة .. من شر الطائفتين معاً .. ومن شطط الإفراط أو التفريط .. ومن كل شر، وذي شر، اللهم آمين، آمين.

اللهم إني قد بلّغت، اللهم فاشهد .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .. وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.