أبهذا تهتز الصورة؟!

أبهذا تهتز الصورة؟!

سحر المصري

طرابلس - لبنان

[email protected]

شَروداً شريداً.. تجده يفتش هنا وهناك عن باب للرزق.. قد لزم الدعاء ولم يقنط يوماً من رحمة الله جل في علاه.. ولكنه يدرك أن السعي مفتاح للفرج.. هكذا تعلم من قوله تعالى للسيدة مريم عليها السلام "وهزّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا".. فطفق يدور علّه يجد وظيفة تغنيه وتكون بداية تخطيط لاستقرار لطالما تاق إليه مع زوجة حبيبة.. وهو الذي تخرج من إحدى أعرق الجامعات اللبنانية بامتياز.. زيّن ذلك التميز العلمي رقياً في الدِّين والخُلُق فكان بذلك شامة بين الشباب!

سألته: لِم تركت وظيفتك في تلك الشركة المرموقة وقد أحببتها وانسجمت فيها ولمّا يمضِ شهران حتى استقلت!

فاجأني جوابه.. فلم أكن أتوقع أن الحقد والتعصب قد يبلغان هذا المستوى من الدناءة في بلد يتغنّى أهله بالعيش المشترك والانصهار الوطني ويطبلون صباح مساء لإلغاء الطائفية وهي تعشعش في زوايا القلوب والعقول!

قال: كنتُ مثال الموظف الذي يقوم بعمله على أحسن وجه.. دائماً ما كنتُ أول الحاضرين إلى الدوام الوظيفي.. أبقى وراء جهاز الحاسوب أعمل دون كلل أو ملل أو لهو.. في قسم المحاسبة ولا تعاطي بيني وبين الزبائن.. ولأن دوامنا طويل فحقَّ لنا ساعة للغداء.. كنت أخرج فيها لأصلي في مسجد قريب.. فمن قواعد العمل في هذه الشركة أن لا نصلي فيها!! وقد حصلت على مكافأة مالية أُضيفت إلى راتبي في الشهرين اللذين أمضيتهما في الشركة بناءً على تميّزي وتفانيّ في العمل.. حتى أتتني مديرة القسم وسألتني: ماذا تفعل في ساعة الغداء؟! فأجبتها بكل صراحة وشفافية: أخرج أصلي في المسجد وأشرب عصيراً وآكل ما تيسّر.. فقالت: لو سمحت.. الصلاة ممنوعة! فهذه شركة "علمانية" وستهتز صورتها إن رآك أحد الزبائن تصلي!!! فتوقف عن الصلاة!! فعقدت العزم مذ سمعت هذه الكلمات أن لا أبقى في هذه الشركة الظالم أهلها! واستقلت ولم أندم على ذلك.. إلا أنني أتحرق على شباب توقفوا فعلياً عن الصلاة لأنهم بحاجة ماسة للوظيفة ولديهم مسؤوليات كبيرة.. فضعفوا أمام الحاجة وتركوا ما فرضه الله سبحانه وتعالى عليهم ورضخوا لهذيان اللئام!

قلت له: سبحان الله.. عادة ما يتمسك صاحب العمل بالمخلِصين المميزين.. لأنهم قلّة في هذا الزمن.. فكم حجم هذا الحقد الذي يعشعش في جنبات قلب تلك المرأة حتى استطاعت التخلّي عن موظف مميز.. فقط لأنه يصلي!!!

وعدتُ بالذاكرة لأيام الجامعة.. كنتُ قد تسجلت في مادة "ورشة صحفية".. وطُلِب مني كتابة مقال فاخترت أن أقوم بمقابلة مع مسؤول مكتبة عامة افتتحوها في تلك السنة.. وكان مديراً لشركة خاصة قابلته فيها وأخذت من المعلومات ما أحتاجه لكتابة المقال.. وعند نهاية المقابلة سألني بعض الأسئلة عن دراستي وجامعتي وغيرها.. فأبدى إعجابه بمقوّماتي الشخصية والعلمية وطلب مني أن أقدّم طلب وظيفة في شركته حين أتخرج.. وبعد التخرج ذكّرتني والدتي حفظها الله عز وجل بهذه الشركة فذهبت وحين قابلته قال لي بالحرف: أنتِ متميّزة في علمك وشخصيتك ولكن عليك أن تقومي بشيء واحد والوظيفة لك.. وحين سألته ما هو هذا الشيء؟ قال: انزعي حجابك!!! فتفاجأت جداً يومها.. كيف يجرؤ أن يطلب طلباً كهذا.. وكيف يتخيّل أن أنزع تاج وقاري من أجل دنيا زائلة!! قلت له: وما دخل الحجاب في موضوع الوظيفة؟! فقال: سيعيق عملك! قلت: هذا الحجاب هو غطاء لرأسي وليس لعقلي! فقال: لا مكان للمحجبات في الشركة! فقلت: ولا يشرّفني أن أكون فيها.. وخرجت يومها وعيوني تفيض بالدموع وقلبي يشرئب عزّة وإباءً! حزنت على تفكير مسلم بهذا الحجاب الذي افترضه الله تعالى على نساء الأمّة لحمايتهنّ من أمثاله! ورأيت فيه صورة لمسلم صُنِع على عين العولمة والتغريب والغزو الفكري والانهزامية النفسية!!

نعم.. أصبح الحجاب معرّة.. واللحية تشدداً.. والصلاة تهمة!! ثم نتساءل: لِم تتنزّل علينا البلاوي.. ولِم يكثر رعد السماء من سخطها! ولِم تفور الأرض زلازل وفيضانات من غضبها! فقد كثُر الفساد في البر والبحر والفضاء!!

فيا شباب اثبتوا.. وتزينوا عند كل صلاة لشكر الله تعالى على نعمة الإسلام والإيمان.. وإن قلّت مصادر الرزق فهو ابتلاء ليميز الله عز وجل الخبيث من الطيب ويرى كم تصبرون وتثبتون على مبادئكم التي ارتضيتم بها لتنعش الحياة!

وهو نداء لأصحاب الأموال الذين يخافون الله عز وجل ويخشون يوماً تقشعر منه جلود الذين كفروا وحقدوا وعربدوا.. أن يفكروا في العمل على مشاريع تنموية استثمارية توجِد فرص عمل للشباب المؤمن بربه سبحانه وتعالى يستطيعون فيها الحفاظ على الفرائض وحماية المعتقدات والثبات على المبادئ.. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه..

فهل من مشمِّر؟!