نصيحة إلى الإخوان

خليل الجبالي

[email protected]

تقبل الدنيا علي الناس بأمواجها المختلفة من محنٍ ومنحٍ، فيتحمل المرء منها حسب طاقته وإمكانياته، ففي المحن يصبر ويحتسب أو يجزع ويهلع. وفي المنح يفرح ويستبشر أو يسعد ويهنئ.

ولقد مرت بجماعة الإخوان المسلمين محنٌ عديدة  منذ نشأتها، فتعرض أصحابها  للقهر والإضطهاد والإعتقال، بل تعرض منهم للمحاكمات العسكرية والطرد من أوطانهم ، والإعدام علي مشانق الطغاة .

(مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) سورة الأحزاب.

ولكنها سنة الله في عباده إذا ضاقت بهم الحيل وانقطعت بهم السبل، وظنوا أنهم قد حيل بينهم وبين الناس أتي نصر الله من حيث لم يحتسبوا (حَتَّى إذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ولا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ (110))سورة يوسف.

إن ليلة الثاني عشر من فبراير التي استشهد فيها الإمام البنا هي ليلة تنحي مبارك عن حكم مصر فهذا يذكرنا أن جُهد الإخوان وجهادهم الذي ظل أكثر من ثمانين عاماً لن يضيع سديً، فها هم يحملون اليوم ثورة الخامس والعشرين من يناير علي أكتافهم بعد أن ضحوا من أجل دعوتهم كثيراً، فعليهم أن لا يسلموها بأيديهم لغيرهم، وأن يأخذوا من التاريخ عبرة .

أيها الإخوان لقد ورثتم تراثاً رائعاً من ميراث إمامكم البنا رحمه الله في واقعٍ متردي فاجعلوا ما ورثتم عوناً للخروج من واقعكم ، واحفروا تراثكم في قلوبكم ، فإن الجواهر تُحفظ في صناديقها القيمة .

أيها الإخوان إن النظام الإسلامي يعطي الواجبات علي الحقوق أولوية، فركزوا في واجباتكم طبقاً لأهدافكم السامية، سينال المجتمع حقوقه وأنتم معه، فقد بدى للعالم أجمع أنكم وفي كل مكانٍ نسيج من نسيج أوطانكم، فاختاركم المجتمع لتكونوا لسان حاله في برلماناتهم، فاجعلوا أعمالكم لسان أقوالكم.

أيها الإخوان إن ألسنة المعاديين تشوه صورتكم في وسائلهم الإعلامية المتعددة، فقد تربوا علي ذلك عقوداً من الزمن في ظل النظم المستبدة التي حالت بينكم وبين شعوبكم فلا تدعموهم بحضوركم منتدياتهم وندواتهم، حتي يعودوا إلي الحق في أقوالهم، ويكونوا منطقيين في تحليلهم وعرضهم ، وانتقوا ممثليكم في وسائل الإعلام بعد تأهيلهم، وسيدافع الله عنكم بصدق نياتكم (إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَذِينَ آمَنُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) سورة الحج .

أيها الإخوان لقد أردتم أن تنفتحوا علي المجتمع فحيل بينكم وبينهم، أما اليوم فقد انفتح المجتمع عليكم بكل ميادينه فأعدوا العدة لصفوفكم وأعيدوا ترتيب أولوياتكم ووسائلكم، وأولي هذه الوسائل محاضنكم التربوية التي لا غني للداعيين عنها، فأنتم نبت أخلاقي تربي وترعرع في محاضنه التربوية، فهي مصدر غذائكم الروحي والإيماني، فالعاملون في العمل  السياسي ما أحوجهم  إلي معاني الصدق والوفاء والقدوة وغيرها.

أيها الإخوان إن مهام هذه الجماعة المباركة أن تظل بين صفوف الشعب حتي تتحقق للأمة أهدافها ، فإن تحققت فقد أدت مهمتها التي وكلها الشعب بها وعليها أن تحقق مهام الأمة جمعاء.

قدموا للناس منهجكم الذي يحمل بين طياته وسطية الإسلام في نقاءه وصفاءه فإن فعلتم فقد سرتم علي نهج النبوة فلا تفريط ولا إفراط .

إن الأشجار الضخمة الفروع وهائلة المظهر إن لم يكن لها جذور ممتدة إلي الأعماق فستقتلعها أقل الريح في وقت وجيز، ولذا فإن إصلاح المجتمع وإستمراره لابد أن ينبع من أعماق القلوب لا من مظاهره ومن إعداد الداعيين لا من عددهم، فلا تشغلنكم الأصوات الرنانة عن قناعة الناس بفكرتكم وعمق أهدافكم وسمو غايتكم.

إن الأمم تتربي بالقدوة والأسوة الحسنة وليس بالقوة والشدة وأصعب مراحل التربية بدأ المرء بنفسه ، فكونوا قدوة في تربيتكم تتربي الإمم بوجودكم بينها، فالمجتمع الذي عاش في ظل القهر والإضطهاد أولي باللين والحب والإحسان.

استثمروا طاقات المجتمع في تخفيف العبئ عنكم مع الإقدام علي العمل الخيري فإنه من خير الوسائل للوصول إلي قلوب الناس قبل عقولهم.

أيها الإخوان لا تنشغلوا وأنتم  في مسيرة عملكم بالأشخاص، فأنتم أصحاب دعوة باقية، وأشخاصنا زائلة، والعبرة بالعطاء والبذل وليست بالأقوال وتصيد الأخطاء دون تقديم الحلول المناسبة.

أيها الإخوان من تخلف عنكم فسيلحق بكم يوماً، ومن خرج من بينكم فسيعود إن كان فيه خيراً لأمته، فأنتم للدعوة عمودها الفقري ونبض قلبها الذي لا تحيا الأمة إلا به.

فمن خرج منكم وحفظ أمانته إلا بخير فابحثوا عنه وعودوا به مُحاطاً بقلوبكم قبل أيديكم، ومن طعن فيكم فحسابه علي الله، وسيري يوماً أن أمانة البيعة تُحتم عليه أن يحفظكم في قلبه قبل لسانه.

أيها الإخوان لقد ظلت المرأة عقود من الزمن وهي في حرمان تربوي ودعوي ملموس وعمل مع المجتمع نتيجة الضغوط الأمنية والظروف السياسية ممن كانوا يحكومننا في تلك الفترة حتي كشف الله الغمة عن بلادنا فاعتنوا بتربية المرأة عنايتكم بالرجل وبينوا لهن أطر التعامل مع المجتمع الذي انفتح عليهن فصرن في حلبة المشاركة التي لا مناص عنها .

أيها الإخوان ها قد تحققت رؤيتكم في الإنتخابات البرلمانية في هذه المرحلة فاختاركم الشعب دليلاً له لنصرة الحق، فكونوا كما ظنوا فيكم ولا تتخلوا عن المهمة التي أوكلكم إيها مهما لاقيتم من تعنت الليبراليين والعلمانيين، فإن فكرهم وأهدافهم إلي زوال ولن تبقي إلا الفكرة الإسلامية التي تحملونها، وأنتم لها.

أيها الإخوان إن القواسم المشتركة في القضايا الوطنية مع من خالفكم الرأي كثيرة فتعاونوا فيها، وتذكروا أنكم وضعتم ثوابت ومتغيرات في دعوتكم فحافظوا علي ثوابتكم مهما اختلفت الأراء حولكم، فتشبثوا بها فسيثبت يوماً أنها الحق، وستكون مبادئ لنهضة هذه الأمة لمن يريد العمل بها لإقامة الدين وقوامة الحكم.

أيها الإخوان احذروا الحماس الهائج الذي يحول دون التقدم، وإياكم والجدال فإنه آفة العاطلين عن الدعوة، الغائبين عن الحقيقة، وكونوا كما قال الإمام الشعرواي رحمه الله تعالي في قوله عنكم ( أنتم نبة صالحة رحم الله من استنبتها ، وغفر الله لمن استعجل ثمرتها ) فلا تستعجلوا قطف الثمرة قبل نضجها، فالعمل مع المجتمع يحتاج إلي نفسٍ طويل كما أنه يحتاج إلي جهد كبير.

أيها الإخوان اسمعوا وأطيعوا لقادتكم، فما أحوجكم في مثل هذه المرحلة إلي الطاعة المبصرة، والنصيحة الرشيدة، فسر قوتكم في ترابطكم ببعضكم وطاعتكم لأولي أمركم، فالثقة والطاعة والأخوة أركان بيعتكم، ورباطكم التنظيمي سيزداد قوة بوفائكم ببيعتكم علي تلك الأركان.

أيها الإخوان أنتم اصحاب دعوة إسلامية شاملة فلا تجعلوها سياسية بحتة، فميادين العمل لشمول دعوتكم كثيرة وأولهما كتاب الله ومساجده، فاجعلوهما من أولوياتكم فأنتم أولي بهم عن غيركم، ولن تكونوا إلا بهما.

أيها الإخوان لقد حملتم راية الإسلام علي أكتافكم فتدرجتكم بها حتي وصلتم إلي أولي خطوات التمكين لدينكم، فاحملوا المجتمع إلي أهدافكم خطوة بخطوة حتي تتحقق غايتكم وسيكون هذا قريباً بأمر الله (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا إنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ والْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) سورة الأعراف.

(يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصَابِرُوا ورَابِطُوا واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) سورة آل عمران.