كل هذا الحقد...!!

حسام مقلد *

[email protected]

صُدِم المصريون بحالة الحزن العارم التي خيمت على معظم الفضائيات المصرية أثناء تغطيتها لأحداث أول انتخابات برلمانية بعد ثورة 25يناير!! وتساءلوا في دهشة: لِمَ كل هذه العصبية والتوتر في متابعة الانتخابات النظيفة التي أشاد بها العالم؟! لقد حاول كهنة هذه الفضائيات التشكيك في سير العملية الانتخابية ونزاهتها بكل الطرق، ولما لم تسعفهم الوقائع على الأرض انقلب بعضهم على فكرة الديمقراطية ذاتها معتبرين أن الانتخابات مهما كانت نزيهة وشفافة فلا يمكن أن تعبر بصدق عن رغبة الشعب ونبض الجماهير، فهذه الجماهير ـ في رأيهم ـ عرضة لتزييف الوعي والانسياق وراء عواطفها الدينية الجياشة، وتمادى بعض هذه الفضائيات في الاستخفاف بعقول المصريين، والتشكيك في نضجهم السياسي، وتساءل متهكما: كيف نثق في وعي شعب يصوت أفراده لهذا المرشح أو ذاك لمجرد منحه الناخب زجاجة زيت أو كيس من السكر أو الأرز؟! وهكذا حوَّل هؤلاء الموتورون الشعب المصري إلى شعب من المرتشين شاهدي الزور عديمي الأمانة الذين يبيعون ضمائرهم وأصواتهم بأبخس الأثمان!!

في الحقيقة كل من يشاهد تشنج وتوتر أغلب الإعلاميين المصريين، ويرى حجم مشاعر الحسرة والمرارة التي اجتاحتهم يتساءل في حيرة: ما سبب كل هذا الخوف من الإسلاميين؟ ولِمَ كل هذا الحقد عليهم!! أكل ذلك بسبب المصالح المالية فقط؟ أم أن هناك أسبابا أخرى لا نعلمها؟ يبدو أن الخوف من الإسلاميين عقيدة راسخة عند الكثيرين في الوسط الإعلامي المصري.

لقد أثنى الكاتب البريطاني "روبرت فيسك" على الانتخابات المصرية قائلا: "إنها تُشعر أوروبا بالخزي والعار" وفي الواقع هناك من بين المصريين من هم أولى من الأوربيين بذلك!! وهم الفلول ودجالو فضائيات الفتنة الذين يضخون الأكاذيب ليل نهار في عقول المصريين، فهؤلاء المضللون أولى الناس بتجرع مرارة الهزيمة والشعور بالخزي والعار؛ إذ على مدى أشهر متواصلة كانوا يشنُّون حملات ترويع إعلامية مكثفة لبث الهلع والرعب في قلوب المصريين؛ لتخويفهم من المجازر البشعة التي ستحدث أثناء الانتخابات، ودفعهم هوس خوفهم من فوز الإسلاميين إلى إرباك وتعطيل المسار الديمقراطي في مصر بشتى الطرق، وإعاقته بأي شكل وبأي ثمن؛ لأنهم يخشون الديمقراطية الحقيقية فمن شأنها إظهار ضعفهم وتهافت حجتهم، وفضح حقيقية توجهاتهم، وكشف هشاشة موقفهم وهامشيتهم في الواقع المصري رغم ضجيجهم العالي.

لقد رسم هؤلاء صورة مزيفة  لمصر بعد الثورة  حتى ظن الناس أن مصر أوشكت على السقوط والضياع، وأنها على شفا الاقتتال والحرب الأهلية!! وأمام هذه الصورة المأساوية حالكة السواد بدأ البعض يتشكك في جدوى ثورة 25 يناير فهذه الأوضاع الأمنية المضطربة والبيئة الاستثمارية والاقتصادية المنهارة، وحالة الاحتقان والتوتر التي بلغت ذروتها كل ذلك لا يبشر بخير ولا يوحي بقدرة الشعب المصري على تحقيق أي إصلاح!

يبدو أن أعداء مصر الحقيقيين ليسوا في الخارج وحسب، وإنما هم قابعون في الداخل يعيشون بيننا وما زالوا يعملون بكل طاقتهم وكامل قوتهم من خلال تحكمهم في منظومة الفساد المتشعبة التي بناها مبارك، وما زالت أبواق هذه المنظومة الفاسدة تتصدر المشهد الإعلامي المصري، وتثبت لنا الأحداث كل يوم أن هؤلاء أكثر الناس كراهية لمصر وشعبها، وأخطرهم على أشواق المصريين للحرية والعدالة الاجتماعية، وما ظلمناهم، وإنما تفضحهم تعبيرات وجوههم  وما تنطق به ألسنتهم "قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ" [آل عمران:118]

                

 * كاتب إسلامي مصري