على بشار الأسد أن يقول للشعب أنا لست بخالقكم

بدر الدين حسن قربي

على بشار الأسد

أن يقول للشعب أنا لست بخالقكم..!!

بدر الدين حسن قربي /سوريا

[email protected]

قد يكون مستهجناً أن نقول بأن العلاقة التي عمل النظام على ترسيخها بينه وبين السوريين هي علاقة الآلهة بالعبيد، وهو ما تعمل عليه أيضاً كل أجهزة النظام وشبيحته لاستذلال الناس وإهانتهم وتعبيدهم بسلب حريتهم.  وكي لانُتهَم بأننا نقول عن النظام المحتضِر ماليس فيه والعياذ بالله، فإن عنوان المقال هو استعارة من كلامٍ لرفعت الأسد العمّ أحد أركان النظام في عهد الأب، قاله لـفضائية العربية قبيل أسبوعين على هامش مؤتمر في باريس عن مستقبل سوريا: على الرئيس بشار أن يبدأ بأن يقول للشعب السوري: أنا لست بخالقكم.

لانريد هنا مقاربة التأليه من منظورها الديني، وإنما من منظورها المدني والإنساني في عموم مجتمعنا يوم يصل الأمر حدّ تأليه المستذِلّ والقامع، ووضع ألوهيته في إطار المقدس وخطوطه الحمراء بل وفي النقاط الأشد قداسة.  وعليه، فقد رأينا التطاول على نصٍ ديني باستبدال بعض أخص كلماته باسم بشار الأسد، من مثل لوحات مكتوب عليها: قل هو الله احد، الله الصمد، أعز الله شعبي، فاصطفى منه الأسد.  أو الكتابة على جدران الشوارع: قل هو الله الأحد، الله الصمد، في الأعلى الله الأحد، وفي الأرض بشار الأسد.  أو عندما يتصل مواطن ما ليعبّر عبر فضائية الدنيا عن شبقه وفنائه بحزب البعث ورئيسه: اسألوا آبائي، اسألوا جدي اسألوا نسبي، اسألوا الشموخ اسألوا لي الواحد الأحد، اسألوا ما شئتمُ، فأنا البعث ديني وربي بشار الأسد.  أو عندما يقول المذيع في مظاهرة تأييد للنظام يوم 13 تشرين الثاني في ساحة السبع بحرات: قل هو الله احد، بشار الفرد الصمد

وللمقاربة أكثر، يتهدد أحد مشبّحي النظام السوري وعلى فضائية حزب الله وبعبارات خالية من كل أنواع اللباقات، إلهَ كل من يفكر بالتحرر من عبودية النظام والخلاص من رئيسه، ويمضي أمره وكأن شيئاً لم يكن، في وقتٍ تتحول فيه حلقة حوارية تلفزيونية عبر شاشة MTV إلى حلبة للصراع، عندما استشاط أمين حزب البعث اللبناني فايز شكر غضباً من محاوره مصطفى علّوش من تيار المستقبل لوصف بشار الأسد بالكذّاب، وحوّل الحوار إلى تبادل شتائم على الهواء، بل وحاول شكر وهو في قمة هدوئه (حسب زعمه) ضرب محاوره بكرسيه الذي كان يجلس عليه.  ومن يتابع المشهد ويرى غضبة شكر أمام محاوره وحركة عيونه ونظراته، يدرك بأن محاوره قد نال من قدس أقدس أقداسه ومقدساته.  

وعليه، فإنه بمثل هذه المقاربات، يمكن فهم مايراه المتألّهون في خروج السوريين بعشرات الآلاف ومئاتها في تظاهراتهم واحتجاجاتهم قرابة تسعة أشهر طلباً للحرية السليبة والكرامة المستباحة، شكلاً من أشكال التطاول على الذات الأسدية ونوعاً من الخيانة والتآمر، وبعضاً من التمرد والعصيان في مزرعة الاستعباد والخضوع، مما يتوجب قمعه بالقتل وسفك الدماء جزاءً وفاقاً أو بالذهاب بهم إلى ظلمات السجن ومعه أشد أنواع العذاب.  ومن ثم فقد رأينا صورة العبيد الوالهين ينادون بإلهٍ من مثلهم ويسجدون لصوره، ورأينا صورة المتمردين الثائرين الأحرار تمارَس عليهم كل أنواع الهمجية ليقولوا: لاإله إلا بشار أو أخيه ماهر، ويسامون الضرب والركل والدعوسة على رقابهم ورؤسهم باعتبارهم عند جلّاديهم كلاباً تطاولت وتتطاول على أسيادها.

أما المشهد الأبلغ، مما كبر عليهم في النيل من ألوهيتهم، يوم تداعى العرب للأخذ على يدهم بعد آلاف القتلى وعشرات الآلاف من المعتقلين والمفقودين وأكثر من ستة أشهر، كان فيها إخوانهم السورييون يواجهون آلة القمع الوحشية وفظائع الإجرام اليومية، فثارت ثائرتهم لأنه بعض العدوان على ألوهيتهم وتدخلاً فيما لايعنيهم، لنظام يعتبر قتلَ مواطنيه قرابينَ تقديسٍ لعائلته واستقرار سلطته وسلطانه، كما يرى التنكيل بهم شأناً داخلياً في مزرعته، فهم عبيد خدمتهم ولاقيمة لهم أمام الأسياد وعندهم.

نصيحة رفعت الأسد لابن أخيه هي شهادة وشاهد على حقيقة تركيبة السلطة الأسدية وعلاقتها بالشعب السوري، وكان يمكن أن يكون فيها بعض فائدة للنظام لو جاءت من اليوم الأول لإعلانه الحرب على  أطفال درعا وأهلها ومن تضامن معهم، وإنما بعد خروج المارد السوري الصابر والمصابر من قمقمه بعد أكثر من أربعين عاماً من القهر والاضطهاد والنهب والفساد محققاً أروع وأنبل الأمثلة في العصر الحديث لثورة قرر معها إسقاط النظام ورحيله، فيمكن أن ينصح بما يشاء، ولكن على أن تكون خاتمتها لابن أخيه: يابشار..!! لقد فاتك القطار،  وأن يسمع الجميع عماً وولداً وابن أخٍ ويعوووا مقولة السوريين لهم: لقد فاتكم القطااار.