كيف يدعم النظام السوري المقاومة.. وكيف يدعمه نتنياهو؟

كيف يدعم النظام السوري المقاومة..

وكيف يدعمه نتنياهو؟

ياسر أبو هلالة

من فضائل ثورة الاتصالات أنها وثقت المرئي والمسموع والمكتوب بشكل مفتوح للكافة. لا أشعر بالرثاء على أحوال من وقفوا مع طاغية مصر، وحالهم مثير للسخرية وأنت تقارن مواقفهم قبل وبعد انتصار الثورة. وعلى من يقفون مع الجزار بشار الأسد أن يتنبهوا إلى المقارنات التي ستنعقد في وقت ليس ببعيد بين مواقفهم من قبل ومن بعد. فلم تعرف الثورات العربية انحطاطا في الخطاب كما في سورية.

في مقاطع الفيديو المثيرة للاحتقار والاشمئزاز المنثورة على “يوتيوب”، يطالب “الباحث في القضايا الاستراتيجية” طالب إبراهيم بقتل المتظاهرين. ويسانده بذلك “أبو عصام” بطل باب الحارة! وفي قناة دنيا، تُبث على الهواء اتهامات بـ”اللواط” (هكذا حرفيا!) لسياسيين وإعلاميين ودعاة. هذا في قناة تلفزيونية مملوكة لماهر الأسد، فكيف في مواقع التواصل الاجتماعي؟ يظهر أعوان النظام على حقيقتهم ولا تملك إلا أن تدعو الله أن يخلص شعب سورية من فئة لا تملك أي قيمة أو خلق أو إنسانية.

لا يمكن إقامة حوار مع الشبيحة، سواء في بذاءاتهم على الشاشة أو في ممارساتهم على الأرض التي أعادت الإنسان إلى بدائية العبث بالجسد والتمثيل بالجثث. ذلك لا يمنع من العثور على بعض الأفكار التي يمكن الرد عليها من بين ركام القمامة، خصوصا أن بعض الناس قد يقع في الالتباس والحيرة ويتردد في الوقوف إلى جانب ثورة شعب سورية، وهي الأكثر بسالة ونقاء وتضحية.

يقال إن سورية تقف في خندق معاد للصهيونية والإمبريالية، وتدعم المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق. وعلى افتراض صحة ذلك، فهل هذا يعطي رخصة بالتقتيل الشنيع والتمثيل بالجثث؟ حتى لو حرر الجولان والاسكندرون والقدس، فهل يقبل منه قتل ما يقارب خمسة آلاف مواطن واعتقال أضعافهم؟ وهل من شروط المقاومة أن تكون ديكتاتورا ودمويا وتحكم بلا دستور ولا انتخابات ولا تعددية؟ ألم يعثر في سورية على حاكم بعثي آخر قادر على قيادة المواجهة؟

قبل التفصيل في المقاومة والممانعة، لا بد من التأكيد على مسألة غاية في الأهمية. فالقمع ليس حالة مطلقة يتساوى فيها جميع الحكام في كل الظروف. بشار الأسد قمعي قبل أن يصل إلى الرئاسة، لكنه لم يكن دمويا مجرما حتى خطابه الراقص الضاحك في مجلس الشعب، والذي تبنى فيه كل الجرائم التي كان يمكن أن تنسب لغيره. وفرق كبير بين مستوى القمع الذي مورس على الكهول من مثقفين وساسة في ربيع دمشق الموؤود وبين القمع الدموي الإجرامي بحق أطفال درعا، والذي تبين أنه استراتيجية النظام الوحيدة لصد رياح الربيع العربي.

كتبت مثل كثيرين تأييدا لسورية بشار الأسد في مواقفه الممانعة والمقاومة، وعملت في سورية وزرتها كثيرا، لكن لم أكتب يوما مشيدا بأجواء الحرية؛ على العكس، كتبت من موقع المحب -في حينها- نقدا قاسيا في مسألتين؛ الأولى ملف المفقودين بعد صدور تقرير عنهم، والثانية طل الملوحي، الطفلة المدونة التي تعرضت لأبشع أشكال التعذيب والإهانة والاغتيال المعنوي. بعدها استدعاني اللواء علي مملوك ومساعده اللواء زهير حمد، ومن نعم الله أن الوساطات حالت دون المثول أمامهما. اليوم الموقف مختلف تماما، لا يمكن الوقوف مع حق الشعب الفلسطيني في الحياة والوقوف ضد حق الشعب السوري في الحياة؛ إنه موقف إنساني أولا.

في تفصيل المقاومة والممانعة نلاحظ أن بشار يتعامل معهما بمنطق تجاري صرف، وهو قبض ثمنهما نقدا وما يزال. وعلى ما كشفت وثائق “ويكيليكس”، فقد كان مستعدا لبيع حماس وحزب الله لو حصل على الثمن المطلوب. هو كمن يملك قطعة أرض، إن دفع بها مليون باع، أقل من ذلك تظل ادخارا واستثمارا إلى أن يأتي وقتها. تلك المقاومة تعطيه الشرعية في الحكم، فهو يعتاش على حالة الطوارئ الموروثة لأنه في حرب مع إسرائيل. وهو لا يحارب ولا يطلق رصاصة ولو قصف مفاعله النووي قيد الإنشاء، ويحتفظ، كالعادة، بحق الرد في الوقت المناسب.

عندما حاول شاكر العبسي تنفيذ عملية عبر الجولان اعتقل عامين ثم أفرج عنه ليؤسس “فتح الإسلام” في لبنان. وفي تراجيديا العبسي نموذج لحدود المقاومة في سورية.

صدمت عندما عرفت من ضابط الاستخبارات العسكرية السورية السابق، ورئيس مجلس مركز الدراسات الاستراتيجية، أن عدد نازحي الجولان مليون! ولا أحد يسمع عنهم. قلت له، وهو عضو في الوفد السوري المفاوض، لماذا لا تبرزون قضيتهم مع كل زيارة مبعوث أميركي أو أوروبي، يتظاهرون من أجل حقهم في استعادة الأرض والعودة إليها، وتلك قضية عادلة ومقنعة للعالم كله. لم يجب! وجدت الإجابة على الشاشات عندما استدعى فصيل فلسطيني من تمكن من إقناعهم من فلسطينيي سورية لعبور الحدود إلى الجولان، وأحضر سيارات البث الفضائي بدون سيارات الإسعاف لإنقاذ من حصدهم رصاص الإسرائيلي. هذا هو التوظيف الفذ للمقاومة؛ نسيان مليون نازح سوري والتذكير باللاجئ الفلسطيني وحده. السوري يكتفي بالتواصل عبر السماعات في قرى الجولان!

دعمت سورية المقاومة الفلسطينية، ولكنها ارتكبت أيضا فظاعات بحقها. دخلت لبنان من أجل تحجيمها والقوى الوطنية اللبنانية. وقد كشفت الوثائق أنها حصلت على موافقة أميركية وإسرائيلية قبل دخول لبنان. وفي لبنان قاتل الجيش السوري ببسالة في البقاع، وكان من أبطاله وزير الدفاع الحالي، لكنه أجهز على المقاومة الفلسطينية واللبنانية لاحقا. ولزّمها إلى حزب الله وحده دون غيره. وإلى اليوم لا يعرف مصير مفقودين من فصائل المقاومة الفلسطينية في سورية، وهو ما عزز تهمة الطائفية للنظام السوري.

لا يُنكر دور الجيش السوري في دعم حزب الله، ما يستنكر هو دوره الفظيع في قمع اللبنانيين، وإفساد الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد. إلى اليوم ملف المفقودين، وجلهم من تيار حليف سورية حاليا ميشال عون، مفتوح. هل يمكن أن ننسى أن النظام السوري هو من جاء بمجرم مثل إيلي حبيقة بطل مجزرة صبرا وشاتيلا وزيرا؟؟! هل من خدمة للقضية الفلسطينية أكثر من ذلك؟؟! وقس على ذلك.

يلخص فيصل كلثوم، وهو محافظ درعا وقت الأحداث الأخيرة، الموقف السوري في لبنان بقوله عن حرب تموز (يوليو) 2006: “لو هزم حزب الله لجاء سعد الحريري بسيارة تكسي ليحكم دمشق”! إذن، المقاومة تحافظ، بحسابات طائفية، على الكرسي في دمشق. وفي هذا السياق يُقرأ خطاب بشار بعد الحرب عن “أشباه الرجال”.

تدعم سورية المقاومة ولا تقاوم بنفسها، وهي تفاوض ولا تتوقف عن التفاوض، ليس من أجل إعادة اللاجئين من مخيم اليرموك إلى قراهم، بل من أجل حدود الرابع من حزيران. والذين يهاجمون أردوغان اليوم عليهم أن يتذكروا أن بشار وسّطه للتفاوض مع الإسرائيليين.

سورية تستضيف حماس والجهاد وباقي الفصائل. وتلك الفصائل لا تستطيع القيام بعملية ولا تهريب رصاصة من الحدود السورية، وسورية مستفيدة استراتيجيا من وجود تلك الفصائل التي تقاوم، مثل حزب الله، نيابة عنها، وتبيّض وجهها أمام الشعب السوري والرأي العام العربي.

هذه المقاومة، أما الممانعة، فتلك قصة أعقد. سورية مصنفة على قائمة الدول الراعية للإرهاب في الخارجية الأميركية. ذلك التصنيف يضر بسورية قليلا، ولا يقارن الضرر بالمكاسب الكبرى في العلاقة مع إيران اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. وبعد الثورة السورية ضغطت إيران على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من أجل دعم بشار اقتصاديا وأمنيا. وقد نشرت صحيفة الحياة اللندنية أن مساعدات عاجلة ستقدم تصل إلى عشرة مليارات دولار. باختصار، العلاقة مع إيران أفضل من العلاقة مع أميركا. وإيران لا تتخلى عن حلفائها، في المقابل أميركا تتخلى عنهم بسهولة من شاه إيران إلى حسني مبارك. فوق ذلك، شاركت سورية أميركا في الحرب على العراق في حفر الباطن، وقبضت الثمن، وشاركتها في الحرب على الإرهاب، وما تزال.

كل الموقف الممانع والمقاوم هو اليوم قيد البيع، والثمن هو الحفاظ على النظام. وفي مقابلة رامي مخلوف مع صحيفة نيويورك تايمز كلام قاطع حول “أمن إسرائيل”، وأنصار بشار لا يجرؤون على إنكار ما صرح ولا حتى تفسيره. وهم في سرهم ممتنون لوقفة نتنياهو التي حركت اللوبي الصهيوني في أميركا والغرب عموما لصالح النظام الذي يحول دون وصول الإسلاميين للحكم. هذه هي حقيقة موقف النظام من المقاومة، يدعمها من أجل البقاء في السلطة، ويدعمه نتنياهو كذلك. تلك المفارقة لن تدوم طويلا في ظل إصرار الشعب السوري على المقاومة، مقاومة الاستبداد، وهو الاحتلال محليا.